اللاجئ البيئي من منظور القانون الدولي الانساني
وزارة العدل العراقية
2021
ورقة بحثية بمناسبة اليوم العالمي للاجئين
المقدمة :-
حظيت ظاهرة الهجرة واللجوء بنصيب وافر من الاهتمام المختصين لما لها من أثر مباشر في صنع التغيرات على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، اذ حرصت معظم الدراسات على دراسة الاسباب التي تعد طاردة للسكان من منطقة معينة الى أخرى وفي المقابل وجود عوامل جذب أحرى تغري هؤلاء السكان وتعمل على تشجيعهم لترك موطنهم وتحدد أتجاه هجرتهم.
اذ باتت ظاهرة اللجوء البيئي ظاهرة تأخذ حيزا مهما من الاهتمام لقصور قواعد القانون الدولي عن معالجة هذه الظاهرة الامر الذي يتطلب معالجة عاجلة للاعتراف بصفة اللجوء البيئي لتوفير الحماية لتلك الفئة من الافراد لما لتلك الحالة من خصوصية تميزها عن غيرها من الحالات كفئة من فئات ضحايا الكوارث الطبيعية لكونه اكثر الضحايا استضعافا ، الامر الذي يستدعي تميزه بصفة اللاجئ ، وبطبيعة الحال فأن مسألة تغيير المناخ تعد الازمة الابرز في عصرنا والنزوح الناجم عن الكوارث الطبيعية هو احد تبعاته جسامة ، اذ ترزح شرائح سكانية كاملة تحت وطأة تغير المناخ لكنه يطال الفئات الاضعف الذين يعيشون في الدول الاكثر ضعفا وتضررا من حالات الطوارئ المتصلة بالمناخ اذ ان العديد منهم يعيشون في بؤر مناخية مع الافتقار للموارد التي تمكنهم من التكيف مع بيئة تزداد قسوة الامر الذي لا يفسح مجالا للتعافي والتي تتمثل في تغير المناخ وتردي الظروف المعيشية ومحدودية الموارد الطبيعية الامر الذي يفاقم التطورات القائمة ويدفع لإمكانية اندلاع النزاعات .
المخاطر الناجمة عن الظواهر الجوية القاسية مثل هطول الامطار الغزيرة بوتيرة غير اعتيادية او الجفاف لفترات طويلة او التصحر او التدهور البيئي بات يتسبب برحيل ما معدله (20) مليون شخص من بيوتهم وانتقالهم لمناطق اخرى في بلدانهم او بلدان مجاورة.
ومن هذا المنطلق فقد أقر الميثاق العالمي للاجئين المعتمد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الاول من عام 2018 بأن التدهور المناخي والبيئي والكوارث الناجمة عنه يؤثران بشكل متزايد على زيادة حركة النزوح واللجوء.
لذا سنعمد لتناول هذا الموضوع من خلال محاور عدة :-
الاول / مفهوم اللاجئ البيئي
يعرف اللاجئ بانه الشخص الذي عبر الحدود الدولية بسبب خوفه من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق او الدين او الجنسية او الانتماء لمجموعة اجتماعية معينة او رأي سياسي كما ورد في اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وفي احيان اخرى يشمل الاشخاص الفارين من احداث تخل بالنظام العام بشكل خطير وفق ما ورد في اتفاقية منظمة الوحدة الافريقية لعام 1969 واعلان كارتا خينا لعام 1984لحماية اللاجئين في امريكا اللاتينية.
في حين يعرف اللاجئون البيئيون بانهم اشخاص يضطرون لمغادرة مناطقهم الاصلية بسبب تغيرات مفاجئة او طويلة الاجل في بيئتهم المحلية بشكل يهدد رفاهيتهم وتأمينهم سبل العيش وهذه التغيرات تشمل الجفاف والتصحر وارتفاع منسوب البحار واختلال احوال الطقس الموسمية.
وفي العقدين الاخيرين بات الفقه الدولي بتوسيع مصطلح اللاجئ ليشمل الاشخاص الذين فروا من ديارهم لأسباب بيئية ، اذ يشير الواقع الى ان عدد هؤلاء قد فاق عددهم بسبب الحروب والنزاعات المسلحة في السنوات الماضية ففي عام 2008 بلغ عدد من هجروا لأسباب تتعلق بالبيئية (20) عشرين مليون شخص مقارنة بأربعة ملايين ونصف نازحين داخليا بسبب العنف والنزاعات المسلحة .
وبناء على ذلك فأن التغير المناخي يؤثر على الاشخاص داخل بلدانهم اذ عادة ما يكون النزوح داخلي قبل ان يصل للمستوى الذي يؤدي الى النزوح عبر الحدود لتكون هناك حالات يتم خلالها تطبيق معايير اللاجئين الواردة في الاطر الاقليمية لقانون اللاجئين لعام 1951 ، اذ يحق للأشخاص طلب صفة اللجوء في حال تداخل تبعات تغير المناخ مع النزاعات المسلحة والعنف ، ووفقا لذلك فقد اصدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عام 2020 اعتبارات قانونية لتوجيه الحوار الدولي حول حالات كتلك ، وفي هذا السياق من الجدير بالإشارة ان مصطلح اللاجئون البيئيون مفهوم غير معتمد من قبل المفوضية لذلك من الدقيق وصفهم بانهم (أشخاص نازحون في سياق الكوارث وتغير المناخ)
الثاني / مبررات شمول اللاجئ البيئي بالحماية القانونية
ان ازدياد الكوارث الطبيعية ادى لازدياد عدد الاشخاص المتضررين من تلك الكوارث ولما تخلفه تلك الكوارث من خسائر في الاموال والارواح وتتفاقم تلك المشكلة بازدياد عدد المشردين بسبب تلك الكوارث وهو ما يجب اخذه بعين اعتبار والعمل على توحيد الجهود الدولية للوصول لآليات معينة لحمايتهم وشمولهم بالرعاية اللازمة وفقا للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان لسببين :-
1- مبررات اخلاقية :- ومن اهمها مبدأ صيانة الكرامة الانسانية الذي تنص عليه المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان فتعرض الانسان للكوارث الطبيعية وهو بحد ذاته امر يجعل حياة الانسان وممتلكاته معرضة للخطر وهو ما يبرر الحاجة لتوفير الحماية والمساعدة لهؤلاء الاشخاص ، لتكون المساعدة الادبية خلال اوقات الكوارث الطبيعية من اهم الواجبات التي تقع على عاتق الدول كرد فعل لوقوع كارثة في مكان ما تؤدي الى الموت والمعاناة وان كان ذلك مقترنا بموافقة الدولة المنكوبة على استقبال المساعدات الانسانية احتراما لمبدأ سيادة الدولة وسلامتها الاقليمية والذي اكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (43/131) والقرار المرقم (45/100).
2- مبررات قانونية :- لشمول اللاجئ البيئي بالحماية القانونية التي تبرر تلك الحماية والتي تتمثل في :
الثالث / قواعد الحماية التي يمكن تطبيقها على اللاجئ البيئي
يشكل اللاجئون البيئيون جزءا كبيرا من ضحايا الكوارث الطبيعية وان لم يكن معترفا لهم بتلك الصفة في القواعد القانونية الدولية او الداخلية ، الا ان ذلك لا يعني بأنه لا يتمتع باي نوع من الحماية لان الاعلانات العالمية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان تنطبق على جميع الاشخاص وهي بذلك تنطبق على اللاجئ البيئي بصفته انسانا يستظل بحماية المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، ومن الجدير بالذكر ان هماك وثيقتين من وثائق حقوق الانسان تتضمن نصوصا مباشرة لحماية الفئة التي تتناولها الوثيقة في حالات الكوارث وهي تتمثل في :
1- الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة لعام 2006 في نص المادة (11) منها والتي نصت على الدول الاطراف ان تتخذ كافة التدابير اللازمة لضمان حماية الاشخاص ذوي الاعاقة وسلامتهم اولئك الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة بما في ذلك الكوارث الطبيعية.
2- الميثاق الافريقي لحقوق الطفل ورفاهه لعام 1990 الذي نص بانه على الدول الاطراف تكفل تمتع الاطفال الذين يصبحون لاجئين او مشردين داخليا بسبب الكوارث الطبيعية بالحماية المناسبة والمساعدة الانسانية للتمتع بالحقوق المذكورة في هذا الميثاق وحقوق الانسان الدولية الاخرى والمواثيق الانسانية التي تكون الدول اطرافا فيها.
***كما هنالك عدد من المعاهدات التي يمكن ان تطبق على اللاجئ البيئي اهمها:
- الميثاق العالمي للحد من جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.
- الميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وبروتوكوليها الاضافيين.
- الميثاق العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.
- الميثاق العالمي للحد من جميع انواع التمييز ضد المرأة لعام 1979 وبروتوكوليها الاضافيين.
- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية او العقوبة لعام 1984 وبروتوكوليها الاضافيين.
- اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكوليها الاضافيين.
- الميثاق العالمي لحقوق العمال المهاجرين وعوائلهم لعام 190.
المعاهدات المذكورة انفا توفر الحماية للاجئين البيئيين لصفات خاصة بهم وليس بصفتهم لاجئين بيئيين اي انها حماية عامة وهو ما يمثل الحاجة لتعديل معاهدة جنيف لحماية اللاجئين لعام 1951 لتشمل حالات اللجوء البيئي لكون تلك المعاهدة تحمي الاشخاص الفارين من بلدهم لتعرضهم للاضطهاد وان كان ذلك لا يحظى بقبول معظم الدول لكونها غير قادرة او غير راغبة باستقبال اعداد كبيرة من اللاجئين لأنها تعد ذلك ماسا بسيادتها ، وان كانت عوارض التغير المناخي لا تمثل اضطهادا ، الا ان الدولة قد تعمد لاستخدام التغير المناخي او البيئي لاضطهاد سكانها كنا هو الحال في العراق عندما عمدت الدولة لتجفيف الاهوار لقمع المتمردين والمعارضين لنظام الحكم ،وهو ما يبرز الحاجة لتعديل نصوص اتفاقية عام 1951 او العمل على وضع اتفاقية توفر الحماية لتلك الفئة من اللاجئين .
الرابع / الاليات الدولية لمساعدة اللاجئين البيئيين
لعدم وجود نصوص دولية مباشرة لحماية تلك الفئة من اللاجئين فانه من الطبيعي عدم وجود نصوص قانونية دولية مباشرة تحمي تلك الفئة ، للكن في الواقع العملي هناك اليات معينة يتبعها المجتمع الدولي لمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية وهي كلاتي :
ومن اهم الاليات التي تتبعها الدول لمساعدة الدول المنكوبة تقديم المساعدات الانسانية وارسال الكوادر الانسانية وارسال الكوادر الطبية وما الى ذلك.
التوصيات :-
1- وجوب اتخاذ جميع الاجراءات والتدابير القانونية اللازمة لحماية اللاجئ البيئي سواء على الصعيد الوطني ام الدولي كوسيلة للحد من الهجرة البيئية.
2- تطوير القوانين بما يتناسب نع التغير الحاصل على الصعيد العالمي بأن تهدف تلك القوانين للحد من آثار الكوارث الطبيعية مع معالجة وضع اللاجئ البيئي بشكل خاص.
3- تشريع اتفاقيات اقليمية تختص بحماية اللاجئين البيئيين لكونهم اشخاص يحتاجون الى الحماية القانونية.
4- انشاء صندوق عالمي يختص بتقديم المساعدة لتلك الفئة من اللاجئين تكون احد مصادر تمويله الضرائب التي تفرض على الانشطة الملوثة للبيئة.
5- العمل على بحث المسؤولية البيئة المسببة لظاهرة الهجرة البيئية .