نهضة السعودية و عهدها الجديد بين الرغبة و المعوقات

البحوث

نهضة السعودية و عهدها الجديد بين الرغبة و المعوقات

الباحث : محمد قاسم علي

 

ابحاث عديدة و مقالات نشرت مراراً و تكراراً بأقلام غربية تتنبأ بسقوط السعودية معظم ذلك كان قبل عصر محمد بن سلمان و قبل ان تكشف السعودية عن وجهاً جديد لها فهذه التنبؤات استندت لما عرف بالربيع العربي و حاجة المملكة للتجديد

تعيش المملكة العربية السعودية اليوم ما يسميه السعوديون (عصر النهضة) فهي ليست اصلاحات اقتصادية فقط اذ تعدت ذلك لتكون ثورة شاملة لمجمل القضايا السياسية و الاجتماعية و الثقافية جرت و تجري تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان الذي حدد للمملكة رؤيا و خطط استراتيجية و فترة زمنية تكون فيها المملكة السعودية في مكانة اخرى افضل شأن اقليمياً و عالمياً و تكون الابرز في منطقة الشرق الاوسط

خاضت المملكة في عهده عدة حروب عسكرية و سياسية و اقتصادية لترسيخ استقرار المملكة العربية السعودية و حماية مصالحها بدءً من الحرب العسكرية في اليمن مروراً بالحرب السياسية بين المملكة و جارتها ايران و كذلك مقاطعتها لقطر التي ترى فيها السعودية تمرداً على مجلس التعاون الخليجي و مواجهتها لا طماع الاتراك فهي معارك قد تراجعت عنها السعودية مؤخراً بسياسة جديدة بعيدة أي عن أي صراعات سياسية او عسكرية كان لابد من خوضها في السنين الماضية ليثبت فيها محمد بن سلمان حضور المملكة , و بالتزامن مع تلك الحروب الخارجية فقد خاضت حروب داخلية عرفت بمكافحة الفساد عن طريق تفعيل دور هيئة الفساد في المملكة اذ صرح ولي العهد في لقاء متلفز بأن لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد ايً كان سواء كان وزير او امير و شكل لجنة عليا برئاسته تقوم بحسر المخالفات و الجرائم و الاشخاص ذات العلاقة بقضايا الفساد فكانت هناك قائمة ضمت 11 امير و 38 وزير و رجال اعمال و مسئولين ايضاُ ليثبت ولي العهد الشاب ان لا اراء تعلو فوق اراءه و خططه و انه ماض في تحقيقها.

اما ما يخص علاقات المملكة مع الخارج فعلاقته مع الولايات المتحدة الامريكية التي صنفت في فترة ما بأنها راعي السعودية الاول اذ رفع محمد بن سلمان نبرة التحدي برفضه لبعض من قرارتها و خاصة تلك التي تخص قطاع الطاقة و البترول باعتبار هذا القطاع هو اهم ما يميز العلاقة بين الطرفين فاستغل لذلك العوامل الدولية الجارية و خاصة الحرب الروسية – الاوكرانية ليكون تحالفات و يجدد موقع بلاده مع العالم فذهب نحو الشرق و انفتح بالمملكة على الروس و الصينيين كما انفتاحها على الولايات المتحدة الامريكية متخذ موقف الحياد و مبين ان المملكة ليست حكراً على احد . و على المستوى الاقليمي فعملت المملكة بسياسة منفتحة اكثر هدوء و استقرار فأن صراع الوجود السعودي- الايراني قد انطفأ و التوتر مع تركيا قد تحول لجسور من التعاون ممتدة بين الطرفين كما سعت السعودية لإطفاء نيران المشاكل في المنطقة اذ سعت لتقريب وجهات نظر اطراف الصراع في السودان و عودة سوريا الى الجامعة العربية و دول العرب و اوصلت رسائل سلام الى ليبيا و لبنان و العراق و حتى اسرائيل قد بعثت لها السعودية برسائل سلام تجاهها لكن بمقابل و هو برنامج المملكة النووي , فالسعودية جادة بنهضتها من خلال فعل كل ما هو مطلوب منها لذلك لتسير نحو القمة .

بعد ايضاح المساعي السعودية و تبيان ما تريد , فأن ثمة سؤال يطرح : هل مسموح للسعودية بالوصول الى قمة المنطقة الاقليمية من قبل الدول البارزة ذات الاثر الواضح على الشرق الاوسط , فخارطة المنطقة التي تنافس فيها السعودية تشير الى وجود ثلاث قوى مهيمنة و لكل منها مشروع اقليمي فتركيا باقتصادها و موقعها الاستراتيجي و تحالفاتها العسكرية مع الغرب ومؤخراً مع روسيا , وثانياً ايران ذات الثقل السكاني و المساحة و القوة العسكرية التي تنافس بها و اخيراُ اسرائيل التي تمتلك من المال و السلاح و التقدم التكنولوجي و الرعاية الدولية ما يؤهلها لتكون قوة منافسة في المنطقة  فأن هذا يعني أي دولة صاعدة في المنطقة عليها ان تتقاسم النفوذ مع هذه القوى التي لن تكتفي بالتفرج في حال صعود لاعب جديد هذا على المستوى الاقليمي و الدول التي ممكن ان تعرقل مشروع السعودية الجديد لكن المملكة و كما اسلفنا فأنها سعت لاحتواء تلك القوى بتوطيد العلاقات معها , و اذ ما اردنا توسيع الدائرة و الحديث عن منافسة عالمية قد تخوضها السعودية فأن الامر فيه تحديات كثيرة و خاصة ان الطريق الى قمة العالم يشهد مؤخراً منافسة بين الكثيرين فالهند ترغب بمقعد و كذلك البرازيل و معها دول اوربا اذاً طريق السعودية ليس معبد للوصول فالحديث عن امكانية وصول السعودية الى ما يمكنها من المنافسة العالمية لابد ان يذكر معه نماذج لدول حاولت و رغبت بذلك من قبل لكن لم يسمح لها و نموذج لهذا فأن ايران التي اثقلت بالعقوبات حتى شل اقتصادها و تركيا ايضاً حين رغبت بدور و مساحة اكبر جرى ضرب اقتصادها اكثر من مره حتى بدأ يترنح و اكثر من ذلك اوربا نفسها التي كشفت الحرب الاوكرانية الموقف الامريكي منها فواشنطن تريد اوربا تابع لها لا قطباً فاعلاً في العالم فحملتهم الفاتورة الاكبر من الحرب الاوكرانية  , و كما هو معروف ان الازدهار و النمو مرتبط بجزء كبير بأراده الدولة الراغبة بالنهضة لكن هناك جزء اخر يتعلق بالسياسة و ادارة ملف العلاقات الدولية , نستنتج من هذا فأن من يسمح او لا يسمح بذلك هي الولايات المتحدة الامريكية فهي لا زالت اللاعب الابرز في النظام الدولي الا ان المملكة العربية السعودية لا تزال نبرة التحدي مستمرة لمواجهة الولايات المتحدة الامريكية و انها ستواجه العقوبات الامريكية في حال فرضت على المملكة بإجراءات اقتصادية صارمة , اذ رفضت المملكة سابقاً طلب الولايات المتحدة الامريكية بزيادة انتاج النفط لخفض اسعاره و ذلك بعد رفع البنك المركزي الامريكي سعر الفائدة على العملة الى اعلى مستوياته منذ 16 عام مما سبب ازمات حادة لكثير من دول العالم .

وان المواجهة قد استمرت فأن وفق وثيقة سرية نشرتها صحيفة واشنطن بوست دافعت السعودية في العلن عن قرارها بخفض انتاج النفط بهدوء و اكدت ان ما يعنيها هو مصالح شعبها و مصالح الدول في اوبك بلس و انها تسعى لضمان استقرار اسواق النفط لكن في السر حسب ما شنر في الوثيقة هدد ولي العهد بتغير العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية و تكبيد واشنطن تكاليف اقتصادية كبيرة في حال ردت على قرار خفض الانتاج و فرضت عقوبات على المملكة .

و تخمين لتلك الإجراءات الاقتصادية التي قد تتخذها المملكة تجاه امريكا قد يبدو سهل فاستثمارات السعودية في امريكا تصل الى 800 مليار دولار و هناك صفقات اخرى تقدر بمليارات الدولارات عقدتها المملكة مع شركات امريكية ابرزها عقد شراء 121 طائرة بيونغ بقيمة 37 مليار دولار فأن تعطل بعض من تلك الصفقات فتسبب ازمة كبيرة للولايات المتحدة الامريكية , ايضا هناك سندات الخزانة الامريكية و التي تأتي السعودية بالمرتبة الاولى عربياً امتلاكاً لها تقدر ب111مليار دولار و في حال قررت السعودية بيع تلك السندات و استعادة اموالها سوف تحدث ازمة كبيرة ايضاً في امريكا التي بلغ حجم الدين فيها مستوى قياسي عالي بأكثر من 131 ترليون دولار و الاهم من تملكه السعودية من ضربة قاسية تؤدي لتراجع كبير للدولار و هي بيع النفط بعملة غير الدولار اذ ان بيع النفط بالدولار يعد احد اسباب قوة الولايات المتحدة الامريكية , كل تلك العوامل تحد من فعل امريكا او اتخاذها لأي اجراء ضد السعودية , مبدئياً خرجت المملكة منتصرة من الصراع اذ تبددت تهديدات الولايات المتحدة الامريكية بفرض عقوبات على السعودية لتدرك واشنطن انها تتعامل مع قيادة تجيد استخدام اوراقها ببراعة و ان الضغوط عليها قد لا تجدي نفعاً.