الحاجة الفعلية لضوابط قانونية تؤطر صناعة المحتوى الرقمي

البحوث

الحاجة الفعلية لضوابط  قانونية تؤطر صناعة المحتوى الرقمي

د. جمانة جاسم الاسدي

د. آمال علي الموسوي

أصبح المحتوى الرقمي في الوقت المعاصر هو المؤثر الأقوى على التوجه نحو سلوك الاخرين، وما يتولد من نتائج على ما يليه من مضمون يؤثر في الطرف الاخر في المجتمعات الإسلامية كافة، إلا أنه لابد من السعي لإيجاد مضمون جيد يثير الاهتمام ويكثر المشاهدة ويتلقاه بقبول واقتناع وايمان، وبه يغير مفاهيمه نحو المسلمات الفطرية والخلقية، والمبادىء الإسلامية والاحكام الإلهية ومنهاج القران الكريم.

لذا يعمد بعض صناع المحتوى الرقمي إلى أسلوب المبالغة الزائفة في العرض وضعف المصداقية وخلوها من العقيدة الايمانية، كما تتميز بأسلوب من التخويف بالقصص الوهمية الخيالية التي لا تمت بصلة للدين الإسلامي، وما يصاحب ذلك من أساليب تشويقية تثير الشهوة في العقل الباطن حيث يبدأ الجسم يستجيب تلقائيًا لما فرضته الرغبة على العقل، كما يمكن لصناع المحتوى الرقمي ان يمزج الدين بخرافات الوثنية ويقحم العقائد الايمانية والتقوى والتمسك بالله سبحانه وتعالى، ليسعى جاهدًا في تضليل المسلمين إلى ضآلة الطريق، ونرى البعض الاخر يسعى إلى التلاعب بحرية الفكر والمعتقد التي أقرها الدين الإسلامي، ونبذ التدين وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى، ومع كل هذا يقل رواد المحتوى الرقمي الفاعل والمؤثر في نفوس البشر الذي يهديهم إلى الطريق المستقيم أو يعزز في نفوسهم مبادئهم وعقائدهم.

 وقبل الشروع في تفاصيل الموضوع نجد من الضرورة بمحل ان نبين:

أولًا: بيان معنى صناعة المحتوى الرقمي، على اعتبار الوقوف على الشيء فرع من تصوره، والمحتوى الرقمي يعني: عملية توليد أفكار تروي مواضيع وقضايا تهم الفئة المستهدفة وذلك بانشاء محتوى مقروء أو مرئي أو مسموع حول هذه الأفكار، وتوزيع ذلك المحتوى على التطبيقات الإلكترونية ونشره عبر الفضاء الرقمي من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو القنوات الرقمية أو تطبيقات الهواتف وغيرها، التي تشهد حاليًا التأثير الأكبر على التوجيه الفكري والقناعات العرفية والمجتمعية والذاتية، لا سيما على فئة الشباب والمراهقين.

ثانيًا: المحتوى بحد ذاته هو كل ما يتعلق بالإنتاج الفكري الإنساني من المعلومات والأفكار والخبرات التي تخزن في مختلف الوسائط الرقمية والإعلامية والتطبيقات البرمجية وقواعد البيانات، فالمحتوى الرقمي يمثل كل ما هو مكتوب في الفضاء الرقمي باللغة العربية، سواء داخل البلدان العربية أم خارجها، وكل ما هو مسجل باصوات عربية أو مصورة بشكل يستدل به على مصدره العربي.

ويحتاج هذا المحتوى إلى مجموعة من الأدوات وتطبيقات النشر الرقمية، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، كوكل ، الفيس بوك، يوتيوب، تويتر، سناب شات، وتيك توك وغيرها.

مما يؤسف له أن الانحراف الفكري في صناعة المحتوى الرقمي أصبح واضحًا للعيان، مما أدى إلى الانحراف لهذه المحتويات البائسة في المفاهيم والمبادى الخلقية والانزلاقات الخطيرة في التنازلات عن ثوابت الدين، الذي أغرق الافراد وكل فئات المجتمع صناعة ومتابعة واعجابًا، لذا تبرز الحاجة الملحة لوجود استراتيجية شاملة لتنظيم المحتوى الرقمي ليكون نافعًا للفرد والمجتمع، وإعادة مراجعته وفقًا لثوابت الاديان والعقيدة الايمانية والتعمق في الضوابط الشرعية وما يستلزم من لوازم شرعية ومبادئ أخلاقية وعرفية، مع التوسع المطلق في اوعية نشر مواد تقّوم المجتمع وتنهض بمسؤوليته تجاه الافراد تأصيلا وتوعية ورقابة، بالتوجيه والتربية وتذويب القيم الإسلامية والأعراف المطابقة للاحكام الإلهية، خاصة مع ضعف قيام الاسرة بدورها التوجيهي والمتابعة والمراقبة، كما نجد ارتباط ضعف الايمانيات والأخلاق الحسنة، والتمسك بالحق ورفض الباطل مع عدم وجود انضباط كامل.

وبالنظر إلى واقع المواد المنشورة عبر التطبيقات اعلاها حيث ينذر بخطر داهم في توجيه صناع المحتوى الرقمي إلى عبادة الشيطان من حيث لا يعلمون والابتعاد عن عبادة الله سبحانه وتعالى، إذ ان توجهات نشر الافراد بشكل عام والشباب بشكل خاص، لمحتوى غير منضبط ودون تمحيص ونقد ورقابة، ينبغي أن يعلم صانع المحتوى أنه ليس حرا في طرحه بما لا يسيئ إلى الدين والأخلاق والاداب المعمول بها في الحياة الواقعية، إذ ان العالم الرقمي يجب ان يكتنفه قيود متمثلة بثوابت الإسلام وثوابت العالم الواقعي من الاخلاق والاداب التي فرضتها طبيعة الحياة الانسانية الحقيقية، ومن هذا المنطلق نجد أن ألاجيال باتت  لا تميز بين الحق والباطل وبين التوحيد والشرك، وبين الصحيح والخطأ، وتميل بافكارها إلى النزعة الغربية فالامر بحاجة إلى تدخل تشريعي لوضع ضوابط وحدود لصانعي المحتوى الرقمي بحيث يمكن له ان يتأنى ويراجع نفسه ويفكر جيدًا في ابعاد وعمق المادة المنشورة لان المتلقي أطياف متعددة واعمار يختلف مدى الفهم والثقافة والمعرفة لديها.

لذلك نتامل من المشرع العراقي خاصًة تبني تشريعات خاصة أو إضافة نصوص قانونية للقوانين المتعلقة بتنظيم  المحتوى الرقمي، كما لا يجوز نشر كل ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو القوانين النافذة ويلزم وضع إجراءات شديدة بحق المخالف وسحب الحتوى غير المشروع على شبكة الفضاء الرقمي وإتلافه، حتى يساهم في الحد من انتشار ذلك المحتوى البائس.

كما يجب أيضًا وضع قواعد وضوابط لسلوك صناعي المحتوى الرقمي وقيود تضمن إلتزامهم بأحكام الشرائع السماوية والقوانين المرعية، كما يجب انّ يكون المحتوى داعمًا للقيم والثوابت الإسلامية لا معاكسًا لها، ويتماشى مع الثقافة العلمية والاجتماعية والفكرية والأدبية الرصينة، وانشاء هيئة متخصصة بمراقبة المحتوى الرقمي للتمكن من متابعة الطرح ومعاقبة كل مخالف، والحد من الاستخدام السيئ والهابط، لذلك نوصي بضرورة إيجاد تنظيم قانوني لهذا الغرض، معتمدين على متخصصين في القانون والاعلام والعلوم السياسية والتقنية، ليكون النشر باتجاه الاستخدام الأمثل بما يضمن ويحقق حماية جميع شرائح المجتمع.