بدائل العقوبة ومسوغات الأخذ بها .
بدائل العقوبة ومسوغات الأخذ بها .
أ.د براء منذر كمال م. د. نورس رشيد طه
كلية القانون / جامعة تكريت كلية الحقوق جامعة النهرين
توطئة :
تمتاز بدائل العقوبة بايجابيات كثيرة , ولعل من أهم مميزاتها دوراها الكبير الذي تؤديه في الحد من الآثار السلبية الناجمة عن العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة . مما دفع العديد من الدول إلى الأخذ بها . وعليه نخصص مقالتنا للبحث في مفهوم بدائل العقوبة ومسوغات الآخذ بها , وذلك في فقرتين , وكالآتي :-
أولاً : مفهوم بدائل العقوبة :-
بدائل العقوبة تعني : فرض تدبير احترازي أو عقوبة مغايرة للعقوبة الأصلية السالبة للحرية قصيرة المدة عند توافر شروط تطبيق نظام بدائل العقوبة المنصوص عليها في القانون المنظم لها .
مما تقدم يتضح أنه لابد من توافر الشروط الخاصة بتطبيق نظام بدائل العقوبة , لتحل أحد بدائل العقوبة محل العقوبة الأصلية السالبة للحرية قصيرة المدة , ومن دون توافر تلك الشروط لا يمكن أحلال أي تدبير أو عقوبة محل العقوبة الأصلية .
و أن بدائل العقوبة تختلف من نظام قانوني إلى أخر إلا أن جميع الأنظمة تشترط:
1- أن يكون المحكوم عليه حسن السيرة والسلوك .
2-أن تكون العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة .
3- أن لا تكون للمحكوم عليه سوابق جنائية حتى وإن كانت العقوبة المحكوم بها بخصوص تلك السوابق قصيرة المدة .
*ومن الجدير بالذكر أن هناك مصطلحين مختلفين قد يخلط بينهما البعض وهما العقوبة البديلة , وبدائل العقوبة , فهما يختلفان من حيث أن العقوبة البديلة تقتصر على العقوبة الاخف منها فقط , فلا يحل محلها تدبيرُ احترازي , كما هو الحال عندما تكون للقاضي صلاحية في تخفيف عقوبة الحبس الشديد إلى الحبس البسيط , عند توافر ظرف مخفف للعقوبة يستوجب الرأفة بحالة المدان. وذلك بخلاف بدائل العقوبة التي يمكن أن يحل محلها تدبيرٌ احترازي أو عقوبة سالبة للحرية أخف منها .
* و للعقوبة البديلة ذات الخصائص التي تتسم بها العقوبة , فهي شخصية أي أنها تقع على شخص المحكوم عليه نفسه دون غيره , كما أنها قانونية أي أنها محددة بموجب نص قانوني يندرج ضمن النماذج القانونية الواردة في قانون العقوبات أو القوانين العقابية المكملة له .
*كما أن العقوبات البديلة تحقق ذات أهداف العقوبة فهي تحقق الردع الخاص كونها تهدف الى منع المحكوم عليه من العود إلى ارتكاب الجريمة , لا سيما عند توفير وسائل الرعاية اللاحقة للسجين المطلق سراحه بعد انتهاء مدة توقيفه والمفرج عنه شرطياً , إذ إن وسائل الإصلاح تجد فاعليتها بتفعيل وسائل الاندماج الاجتماعي , فكلما شعر المحكوم عليه بأهميته في المجتمع كلما ساعده ذلك الأمر على سرعة الاندماج في المجتمع .
*ويتحدد نطاق العقوبات البديلة بالعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة التي لا تزيد مدتها عن سنة بالنسبة للتشريع العراقي , فلا تحل العقوبة البديلة محل عقوبة الحبس التي تزيد مدتها على سنة , كما أن العقوبة البديلة تحل محل العقوبات المادية , أما بالنسبة للعقوبة المالية كما هو الحال في عقوبة الغرامة أو المصادرة للأموال محل الجريمة فلا تحل العقوبة البديلة محلها .
*وفي ضوء ما تقدم يتضح أن العقوبة البديلة لا يسري أثرها على التدابير الاحترازية السالبة للحقوق حتى وإن كانت قصيرة المدة , فهي لا تحل محل إغلاق المحل التجاري , ولا محل تدبير إسقاط الولاية أو الوصاية أو القيمومة , ولا تحل محل تدبير سحب إجازة السوق كم أنها لا تحل محل تدبير حظر مزاولة المهنة , حتى وإن كانت مدة التدابير السالبة للحقوق لا تزيد على سنة .
فضلاً عن ذلك فإن العقوبة البديلة لا تحل محل التدابير المقيدة للحرية فهي لا تحل بدلاً عن تدبير حظر ارتياد الحانات , كون أن نظام العقوبة البديلة مخصصة ليحل محل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة , دون التدابير الاحترازية.
ومن الجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أوجه التشابه بين عقوبة مراقبة الشرطة التي تفرض تباعاً بعد انتهاء مدة العقوبة الأصلية , والتي تعد إحدى صور العقوبة التبعية وما بين المراقبة الإلكترونية التي تعد إحدى صور العقوبات البديلة المتبعة في بعض الدول ومنها فرنسا , ففي العقوبتين يتعرض المحكوم عليه لمراقبة وملاحظة ومتابعة الجهات المعنية بتنفيذ العقوبة بحق المحكوم عليه , وأن العقوبتين تنفذان خارج المؤسسة العقابية , إلا أن العقوبتين تختلفان من حيث إن مراقبة الشرطة تفرض بعد انتهاء العقوبة الأصلية على كل من ارتكب جناية ماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي أو تزييف نقوداً أو تزويرها أو تقليدها أو تزوير طوابع أو سندات مالية حكومية أو محررات رسمية أو من رشوة أو اختلاس أو سرقة أو قتل عمدي مقترن بظرف مشدد , على أن لا تزيد مدة عقوبة مراقبة الشرطة على خمس سنوات ([1]) , أما بالنسبة للعقوبة البديلة ( المراقبة الإلكترونية ) فهي لا تفرض تبعاً للعقوبة الأصلية وإنما تحل بدلاً عنها .
ثانياً : مسوغات الأخذ بالعقوبات البديلة :-
هناك العديد من المسوغات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والنفسية والأخلاقية التي تعد أسباباً مهمة من شأنها التأثير في قرار ممثلي الدول , ولها دورٌ في تحفيزهم وتشجيعهم إلى اعتماد نظم العقوبات البديلة للحد من الآثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة , إذ نخصص هذه الفقرة للبحث في مسوغات العقوبات البديلة , والتي سوف نبينها تباعاً , وكالآتي :-
1-المسوغ الاقتصادي .
توفر العقوبات البديلة على ميزانية الدولة جزءً كبيراً من المبالغ المالية المخصصة لإعداد أو ترميم وإدارة الأعمال المتعلقة بالمؤسسات العقابية من حيث تكييفها من الناحيتين البيئة والاجتماعية , حتى تكون بالمستوى اللائق , ومتماشية مع نصوص قانون إصلاح النزلاء والمودعين رقم (14) لسنة 2018 .
وعليه يعد المسوغ الاقتصادي سبباُ مهماً في لجوء الدول إلى اعتماد العقوبات البديلة , كون أن العقوبات البديلة تقتضي تطبيق العقوبة خارج مؤسسات الاصلاح , وهذا بدوره يوفر للدولة الأموال المصروفة على شراب وطعام وملابس المحكوم عليهم المودعين والنزلاء والموقوفين في دائرة الإصلاح.
2-المسوغ الاجتماعي .
إن حرمان أبناء المحكوم عليه من آبائهم من شأنه أن يعرضهم إلى الاكتئاب والتشتت والضياع لا سيما إن كانوا في مرحلة المراهقة , وعليه ومن باب أولى وبغية الحفاظ على الأواصر الأسرية وحمايتها من التفكك والانهيار , تلجأ الدول إلى اعتماد عقوبة بديلة للعقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة حفاظاً على نسيج العائلة من التصدع , كون أن هدف المشرع في الحفاظ على الأواصر الأسرية أسمى لديه من فرض العقوبة السالبة للحرية على المحكوم عليه داخل المؤسسة الإصلاحية لإيلامه , وبما أن الغرض من العقوبة هو التقويم والتأهيل والاصلاح , فمن باب أولى فرض عقوبة بديلة مادام أن أنها تحقق ذات الغرض الذي تهدف إليه العقوبة الأصلية , علاوة على ايجابياتها .
3-المسوغات البيئة .
الأسباب البيئية ومنها الصحية , لها دورٌ كبيرٌ في التأثير على قناعة الدول في سبيل اللجوء إلى اختيار العقوبات البديلة , للتخفيف من سلبيات الاختلاط والازدحام داخل السجون , نظراً لما يرتبه ذلك الزحام من انتشار الأمراض والأوبئة والفيروسات , كما أن العقوبات البديلة تجنب الدولة النفقات المخصصة للرعاية الصحية للنزلاء والمودعين والنزلاء , إذ أن مستلزمات الرعاية الصحية المطلوب توافرها داخل مؤسسات الإصلاح قد تفضي إلى البحث عن العقوبات البديلة , للتخفيف عن كاهل الدولة , والتخفيف عليها من الالتزام بالواجب الصحي , فضلاً عن ذلك فإن العقوبات البديلة تضمن للمحكوم عليهم في الحفاظ على حالتهم الصحية من الشعور بالمرض أو الأذى الجسدي .
4-المسوغات النفسية و الاخلاقية.
ينجم عن سوء الاختلاط , لا سيما في الحالات التي يدمج فيها المجرمون لأول مرة مع المجرمين الخطرين في مؤسسات الاصلاح , آثار وخيمة قد يصعب تداركها , لا سيما أن ترتب عن ذلك الاندماج تكوين عصابات أو مجموعات ارهابية , تشق طريقها بعد انتهاء مدة تنفيذ العقوبة , إذ أن الاختلاط السيء يخلف آثارا أخلاقية من شأنها المساس بسلوكيات وعادات المحكوم عليهم .
كما قد ينجم عن الاختلاط السيء آثاراً سلبية , من شأنها التأثير في نفسية المحكوم عليهم , الذين تتعارض مبادئهم مع مبادئ وأخلاقيات المحكوم عليهم الموقوفين معهم في ذات السجن أو الغرفة , فلا يستطيع المحكوم عليه أن يشعر بالارتياح معهم , كما أن ذلك الاختلاط يفقد الأمن والاستقرار معهم علاوة على انعدام الهدوء والسكينة , داخل الغرفة التي تحتوي على أكثر من سجين , لا سيما أن كانوا مختلفي الطباع , مزاجيو الهوى , غير ملتزمين بالأحكام القانونية ولا يحترمون عادات وتقاليد الأخرين , ولا يقدرون مشاعر الآخرين وما يتعرضون له من ضغوطات نفسية قد تتجاوز قدرتهم وقابليتهم على التحمل , فكل هذه الأسباب من شأنها ؛ تعريض السجين الذي لا يستطيع التأقلم مع تلك الظروف لأمراض نفسية وعصبية, قد يصعب تداركها فيما بعد , والتي قد تكلف الدولة نفقات كبيرة لتوفير الرعاية الصحية له , وفقاً لما تقضي به قواعد الحد الأدنى من المعاملة مع السجناء .
وفي ضوء ما تقدم ندعو مشرعنا العراقي إلى تعديل النصوص القانونية الخاصة بقانون العقوبات والقوانين العقابية المكملة ، والتوسع في نطاق العقوبات البديلة , واضافة أنواع مستحدثة منها .
* وهنا نود الإشارة إلى أن المشرع العراقي قد أخذ بنظام بدائل العقوبة , بمعنى أن يحل تدبير احترازي أو عقوبة أخف محل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدى , فبالنسبة للتدابير الاحترازية البديلة للعقوبة فقد نظمها المشرع العراقي بصورتين وهما التعهد بحفظ السلام وحسن السلوك في المواد (317-329) , وذلك في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل . ونظام الإيداع في دار التشغيل , أو دار العجزة أو في مؤسسة خيرة التي نظمها في المادة ( 391) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل .
*أما بالنسبة للعقوبة السالبة للحرية فهي تتعلق بحالات التخفيف التي يجريها القاضي عند توافر ظرف أو عذر قانوني مخفف للعقوبة .
* أما بالنسبة لنظام إيقاف العقوبة الذي نظمه المشرع العراقي في المواد (144-149) الواردة في قانون العقوبات العراقي , فلا يعد صورة من صور بدائل العقوبة , كونه ليس عقوبة تحل محل عقوبة أصلية سالبة للحرية قصيرة المدة , وإنما يعد ميزة قانونية يمنحها المشرع لكل من يتمتع بسيرة وسلوك حسن يأهلانه للحصول على هذه الميزة , بشرط أن يلتزم بحسن السيرة والسلوك, وأن لا يرتكب أي جريمة خلال مدة ايقاف العقوبة .
* وبالنسبة لنظام الإفراج الشرطي الذي نظمه المشرع العراقي في المواد (331-337) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل , فهو الأخر لا يعد صورة من صور بدائل العقوبة ؛ لأن المشرع لم يستبدل العقوبة الأصلية بنظام الافراج الشرطي , كما أن الافراج الشرطي يكون حتى بالنسبة للعقوبات التي تصل إلى السجن المؤبد وليس في العقوبات القصيرة المدة، و على العكس من ذلك فمن يحكم عليه بالحبس مدة قصيرة( 6 ) اشهر أو أقل لا يستفاد من ميزة الافراج الشرطي ، كما أن الافراج الشرطي يعد مكافأة لاحقة يمنحها المشرع للمحكوم عليه , فلا يمكن وصفه بأنه عقوبة )
إلا أننا نرى أن هذه البدائل غير كافية ونقترح على مشرعنا العراقي الأخذ بالعقوبات الاجتماعية البديلة , نظراً لما لها من دور من تعزيز المواطنة لدى المحكوم عليه من خلال شعوره بمدى أهميته في المجتمع نتيجة لما يقدمه من خدمة عامة نافعة للمجتمع .
عليه نقترح عليه الأخذ بالعقوبات البديلة المستحدثة مثل المراقبة الإلكترونية والعمل للمنفعة العامة وغيرها , نظراً لما ترتبه من آثار إيجابية من شأنها الحفاظ على أواصر الأسرة المتماسكة وحمايتها من التفكك والزوال في حالة قضاء المحكوم عليه مدة العقوبة السالبة للحرية داخل المؤسسة الاصلاحية , فوجود الأب أو الأم المحكوم عليه مع أسرتها خلال مدة المحكومة وعدم ابتعادهما عن الأبناء من شأنه توفير الرعاية لهم وحمايتهم والتشتت والضياع . وهذا لا يغني عن الآثار الاقتصادية التي ترتبها هذه البدائل في تقليص النفقات الحكومية ومدى أهميتها في ترشيد الإنفاق الحكومي , وتخصيص أموال الرعاية الصحية للسجناء المبدلة عقوبتهم إلى تنفيذ مشارع نفعية خدمية أخرى تصب فائدتها في مصلحة المجتمع.
([1] ( تلاحظ المادة (99/1) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل .