"الكورنيت إلى داعش سيناء" حين تريد الحقيقة

البحوث
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
رحلة الكورنيت إلى داعش سيناء.. عنوان لتحقيق إستقصائي بثته قناة (DW) يمتلك معلومات قيمة عن مجال معقد وخطر تعتبر المعلومة الدقيقة فيه ندرة؛ حيث يعد من أكثر المجالات إحاطة بالإشاعات والشائعات ألا وهو مجال "داعش" كيف لا ورجاله يعملون في السر ولا يظهرون في لقاءات صحفية وتلاحقهم جميع دول العالم تقريباً؛ وتلك أسباب رئيسة لكثرة المعلومات المزيفة أو المغلوطة عن التنظيم الإرهابي.
صحفيان مصريان (وائل ممدوح وسيد تركي) تسائلا: كيف تصمد جماعة مسلحة أمام أكبر الجيوش العربية وأقواها لهذه السنوات؟ ويقصدان صمود داعش أمام الجيش المصري، كان هذا السؤال بمثابة الشرارة الأولى لإنطلاق التحقيق الصحفي الإستقصائي، ثم ذهبا لإفتراض الجانب التسليحي للتنظيم كسبب مباشر لذلك الصمود الذي طال أمده لسنوات في سيناء المصرية (المدينة الأكثر سخونة في مصر) وعند مشاهدة مقاطع لداعش لفت نظر الصحفي ممدوح سلاح متطور إسمه "كورنيت" إستهدف ذات مرة زورق مصري فدمره؛ فكانت عملية نوعية تستدعي التأمل والدراسة، وحين شاهد الكورنيت إنتبه ممدوح إلى رقم وإسم السلاح الظاهر في المقطع (ربما لم يظلله داعش هناك لجهالته أو تعمد إظهاره لإرسال رسالة أنه يستطيع جلب هذا السلاح الفتاك عبر آلاف الكيلومترات وهو تحد واضح للقوة المصرية) ليذهب ممدوح لسؤال آخر: كيف وصل هذا السلاح لسيناء؟ السؤال الذي جعل التحقيق يقطع مسافات علمية وعملية لضرورة عمله.
تكلم التحقيق عن الخلفية التأريخية للكورنيت فتبين أن الجيش المصري إستخدم نسخته القديمة في تحرير سيناء عام ١٩٧٣، لكن السؤال الأبرز ظل قائماً: كيف وبعد أربعين سنة تقريباً وصلت نسخته الحديثة إلى نفس المدينة ولكن ليس عبر الجيش المصري؟ بحث الصحفيان على صفقات الأسلحة المعلنة في سجلات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام وركزا تحديداً في صفقات الدول المحيطة بمصر (وهذا ذكاء وموضوعية للصحفيين) فوجدا صفقة روسية ليبية عُقدت عام ٢٠١٠ تضمنت كورنيت وأسلحة رشاشة متطورة، بعدها سأل الصحفي الناطق الرسمي بإسم الجيش الليبي الذي أكد سبب وصول السلاح هو نهب مخازن الأسلحة الليبية بعد سقوط القذافي ورجح أيضاً وصول السلاح لسيناء عبر طريق التهريب إمساعد الليبية-السلوم المصرية.
هنا ذهب الصحفيان إلى طريقين: أحدهما ذهب لغرب السيناء للتأكد من كيفية تهريب الكورنيت من ليبيا لمصر بينما ذهب الآخر لأوربا الغربية للتأكد من سجلات المنابع الأولى للسلاح، وبعد رحلتهما ولقائهما مراكز بحوث التسليح وشهود على الحدود الليبية-المصرية توصلا لتأكيد مضمونه عدم وجود مصلحة لأية دولة لإجراء صفقة سرية بهكذا خطورة مما لا شك فيه أن السلاح عبر لسيناء مهرباً؛ فإنتهت الرحلة بمعلومات دقيقة وإكتشاف مهم للغاية، ولابد من الإشارة إلى أسباب أهمية هذا العمل الإستقصائي بنقاط بارزة:
أولاً: عزز هذا العمل الإستقصائي دور الصحافة الإستقصائية في إضافة معلومات مؤكدة لشتى المجالات وبالأخص مجال داعش السري والخطر.
ثانياً: الإعتماد على البحث والسؤال أفضل بكثير من الإعتماد على الدعايات، فلو لا سؤال الصحفي عن أسباب قوة داعش سيناء لما وصل التحقيق لهذه النتيجة المؤكدة واللافتة.
ثالثاً: إختيار المصادر أو المتحدثين مثل: مواطن من سيناء شاهد على عمليات التهريب، لواء وعضو لجنة الأمن النيابية المصرية، مدير مركز بحوث التسليح في أوربا، الناطق الرسمي بإسم الجيش الليبي، مهرب مصري، محافظ مطروح المصرية، باحث في منظمة العفو الدولية كثف من معلومات التحقيق وحافظ على موضوعيته.
رابعاً: إلتقاء الصحفي ممدوح بالمهربين رغم خطورة اللقاء دلالة واضحة لخطورة مهنة الصحافة من أجل إضفاء المصداقية على العمل.
خامساً: إسلوبية سرد القصة.. مشوقة ومثيرة لم يتمكن الملل من إيجاد مكان له فيها؛ مما جعل ذلك عنصر إشباع لحاجة المتلقي لكل المعلومات الواردة في هذا الإنتاج الصحفي المميز.