ورقة تحليلية بعنوان: (التطرف العنيف في التعارض الجيلي وتهديد بناء السلام)

البحوث

شريحتا الشباب والمسنين.. عزلة وتقاطع الاجيال فكريا"

سجلت جمهورية العراق في العام ٢٠٢١ نموا سكانيا بمعدل ٢،٦٪؜، وهي نسبة مرتفعة وتتناسب عكسيا مع المقتضى الاقتصادي والسياسي للبلد قياسا بمتوسط النمو العالمي، المقاسة وفقا للظروف الاقتصادية والطبقية المجتمعية،  فيما زادت نفوس العراق مليون نسمة عن العام الذي سبقه، اذ وصل عدد السكان الى قرابة ٤١ مليونا و١٥٠ الفا و٦٨٥ نسمة في عموم البلاد. 

بواقع ٢١ مليون نسمة من الذكور يقابلها ٢٠ مليون نسمة من الاناث، في ذات السياق أعلنت وزارة التخطيط العراقية في بيان لها: " أن التقديرات لعدد سكان المناطق الحضرية للعراق بلغ 28 مليونا و779 ألفا و201 نسمة لسنة 2021 وبنسبة مقدارها 69.9 بالمئة من مجموع السكان بنسبة 30.1 بالمئة"

بينها اكد سمير الخضير المدير التنفيذي للتعداد السكاني: "إن نسبة الشباب تتجاوز 35 في المئة، والسكان في سن العمل (15 - 64 عاماً) يشكلون نحو 60 في المئة من نسبة سكان العراق وإقليم كردستان"، مشيراً إلى أنه "في ظل ازدياد هذه النسبة وعدم توفر فرص عمل، سيتحولون لكارثة مجتمعية لأنهم المُعيلون للـ40 في المئة من الباقين في المجتمع، لذا إذا لم يجدوا فرصة العمل بهذه الأعمار سيكون العبء إضافياً على 40 في المئة الذين يسمونهم نسبة الإعالة". 

 

مشكلة الورقة التحليلية ترى ان الشريحة الشابة والتي تعادل ثلث السكان في العراق، هي في الواقع تتسم بمزاجات خاصة وتكوينات فكرية غير جذرية ـ غير تقليدية ـ منفصلة عن الموروث الثقافي للطبقات الاكبر سنا، وهذه الشرائح الشابة عملت بنفسها على اختيار توجهات فكرية وحضارية مزامنة للانفتاح العالمي وصيحة الفكر، بتعبير اوضح انتهجت خطا فكريا يمثل "اليسار المجتمعي" ولعل بعضها ذهب تجاه اقصى اليسار

 وهذا ما نتج عن بلوغ هذه الطبقات الشابة  بعد سقوط نظام البعث في العراق، حيث الانفتاح والتعطش الشديد للاطلاع  والتاثر بوسائل التواصل الاجتماعي والماكنات الاعلامية الاقليمية والعالمية والأفكار المحظورة ابان الفترة السابقة ـ ما قبل العام 2003 ـ ، فضلا عن المناهج الدراسية والتجارب الحديثة للبلدان، انتهاءً بانعدام الخوف من القادم كونها - الشريحة الشابة - لم تمر بهيمنة السلطة الديكتاتورية للبعث وسلطة البوليس القسري الذي أسس لخوف كبير جعل الشرائح السابقة متخوفة من الاقدام صوب أي خطوة للامام، في تفسير لعامل القهر النفسي والجسدي

 في الصورة المقابلة لشريحة المسنين - الشريحة غير الشابة - وفي مسار مجتمعي موازٍ،  فإنها شريحة متوارثة الافكار والموروث راديكالية الى حدٍ ما ـ، لا تؤمن بالخروج عنه او اعادة تشكيله وهيكلته، تلتزم بالنصوص الاجتماعية والأعراف والتقاليد، التي تعتقد بانها مقدسة وتتجه صوب النفور والنبذ والتقاطع تجاه اي فكرة حديثة او معتقد سياسي او مسار تصحيحي يدعو الى نسخ وتجميد هذه الموروثات او اعادة تدويرها بثوب عصري يتواءم فعليا مع حاجات المجتمع ومصلحة الاجيال.

"العيش في الماضي هو موت في الحاضر والمستقبل" 

لعل هذه الرؤية الفلسفية كاملة النسق والمفاهيم، اذا ما قِيست على النمذج العراقي ديموغرافيا، تتسق وسياق الطرح عن عزلة الاجيال المعاصرة - شرائح الشباب والمسنين -، فالشريحة المسنّة "المحافظة" تتقيد وتقيد نفسها تجاه الانفتاحات المعاصرة التي شابتها سقطات أخلاقية معينة، لكن هذا لا يبرر محاربتها للتوجهات المعاصرة والمناهل الفكرية المجايلة، اذ "ما لا يدرك جلّه لا يترك كلّه" فما زال ندب الحظ العاثر وتمني العيش في الماضي حيث احلام حقبة الملكية والسلطة الحاكمة الواحدة، وجمهورية الزعيم والانقلاب المسلح تهيمن بصورة كبيرة على العشوائية الذهنية المسنّة، لذا هي فاقدة للامل بصورة كبيرة ولا ترى بصيص التغيير وان تحول الى ضوء ساطع، وتقف حائلا وعائقا امام تفقات الطموح الشاب والامال المنعقدة على سلخ الواقع ونزع الثوب الفضفاض الذي لا يناسب عصر "المودرن"،  بل ان بعضها ما زال يمنّي النفس بحقبة الانقلابات وحمل السلاح للتغيير بديلا عن الاطر الديمقراطية وتداول السلطة والتصويت العقابي للاحزاب الفاسدة كحلول بيضاء ناعمة، أي اقتصار الأفق المسن على أحادية النظرة واجتماع اغلب هذه الشريحة للاتفاق عليها.

المحافظون يهيمنون على صناعة القرار السياسي والاجتماعي 

سياسيا.. تُوصف الزعامات الحزبية ذات التاثير السياسي على انها زعامات هرمة سياسيا ومصابة بشيء من الشيخوخة، تتناغم فيما بينها وهذا التناغم الكبير يبرر ديكتاتورية القرار السياسي المحلي والارتباطات الخارجية غير الدستورية "التخابر" والعلاقات الدولية غير المتكافئة والمتارجحة الميول، الاعم الاغلب من هذه الزعامات إن لم تكن جميعها تشكلت نواتها الاولى أبان فترة الحكم البعثي البوليسي.. فكانت كياناتها هي كيانات معارضة مسلحة تؤمن بالسلاح طريقا اوحدا للتغيير، وتغيب عنها لغة السياسة والدبلوماسية وقد شابت على هذا النهج فشاب عليها، وصار جزءا من الكينونة السياسية لرجل السياسة العراقي، حتى وصل بهم الحال لتبرير الفشل والتعثر الحكومي تحت طائلة شماعة العدو و المؤامرات الخارجية والداخلية ذات الابعاد السياسية والعقائدية، ذات الامر جعل هذه الطبقة تتخوف من الافكار النامية لجيل الشباب وتَصفها بالافكار العبثية والمنحلة وبانها متأثرة بالكيانات الدولية المتآمرة على السلطة،  خوفا من تهديد المنظومة المجتمعية المحافظة ـ على حدّ وصفهاـهذا النهج دقّ اسفينا كبيرا ما بين مريدي واتباع الاحزاب السياسية الدينية والشارع العراقي الشاب الرافض لهيمنة هذه الطبقة، ذات العملية انتهت الى ان فجرّ احدهما الاخر نحو ساحة التخندق التخوين والاتهامات المبالغ بها، انتهت بفجوة كبيرة اجتماعيا إتّسمت بكل مقومات التطرف العنيف.

"الشعب ابن الخطاب السياسي"

كذلك الامر ينسحب على الاعراف العشائرية ورؤية العديد من رجال الدين تجاه الشارع العراقي بعد 2003 والشارع الشاب بصورة خاصة، فهاتان الشريحتان تعيشان الخوف والتخوف الوهمي من الماضي وخوفا اكبر من عودة الامور الى الدولة البوليسية، فتراها تشكل كياناتها الخاصة بعيدا عن الضوابط المدنية وقوانين الدولة واطرها الدستورية، محاولة حماية نفسها بنفسها، وهذا الاعتقاد بذاته جعلهم برغماتيين يضغطون على صانع القرار السياسي ليتبنى ذات تبنياتهم

 في الوقت عينه مَهّد هذا السلوك للطبقة السياسية البرغماتية استيعاب واحتواء هذه الشرائح واستغلالهم كاتباع ومريدين واصوات انتخابية تدرّ عليهم المقاعد داخل مجلس النواب والعملية السياسية بشكل عام، ولكي يحافظ رجال السلطة على هذه المكتسبات مارسوا وانتهجوا الخطاب الشعبوي المتطرف والتصادمي واسهبوا بالتخوين والاتهامات لكل من يعارضهم الرأي ويحاول تصويب المسار السياسي والمجتمعي، فانتجت ولادات عسيرة مشوّهة للمجاميع والمجتمع خلال حقب حكمها المتتالية منذ العام 2003، أدلجت افكارهم باتجاه الطبقة الحاكمة، وجعلتهم ينظرون للتحركات السياسية غير السويّة على انها الحل، وإن كانت تحمل في طياتها التازيم لحال البلد، وكانت المحطات المقفرة التي مرّ بها البلد بين الطائفية والإرهاب بشقيه (القاعدة وداعش) لها الأثر الكبير والمتراكم في تعزيز القناعات الخاصة البعيدة عن منى وطموحات الأجيال المتلاحقة.

"القاعدة وداعش" وصناعة التطرف 

من العام ٢٠٠٣ وحتى اللحظة، مر العراق بهجمات واعتداءات دموية ارهابية شرسة، ابتدأت بتنظيم القاعدة الذي تعامل مع الحكومة الانتقالية الديمقراطية على أنه "حكومة كافرة" على حدّ وصفه، والوجود الاميركي "الصلبيب" في العراق، فضلا عن اعتبارها للمكون الشيعي الذي شكل غالبية العملية السياسية وجزءا كبيرا من المكون السني الذي شارك بالعملية السياسية على انهم "كفار" تحت جناح نظام سياسي "كافر" ورعاية امريكية "صليبية كافرة"

 واشتغل على مساحات مغلّفة ببعض الشرعية منها؛ الانتصار لاهل السنة والجماعة، والدفاع النساء اللواتي تعرّضن للحيف والقساوة والتمييز، والمطالبة بإخراج السجناء المحكومين تحت طائلة الاستهداف المذهبي

فضلا عن الحقبة الدموية الطائفية التي عصفت في البلد، وكانت في اوجّ استعارها في العام 2006، بعد حادثة تفجير الامامين العسكريين ع في سامراء ( محافظة صلاح الدين )، وما لها من اثار نفسية انعكست بصورة شبه عمومية على المجتمع العراقي، ابان تلك الحقبة، وما نتج عنها من خطابات تفتيتية للمجتمع

هذا الخطاب بحد ذاته مثّل موجة مناسبة لركوبها من قبل بعض القوى السياسية، فاتخمت المجتمع بالاحقاد والكراهية والثاروالنبذ، وصنعت براميل بارود بشرية بين رجال دين وسياسيين وواصحاب رؤوس الاموال إضافة الى الشارع البسيط، انتهى بتخمة متطرفة مجتمعية شكلت ملاذا امنا لمشروع داعش..

فحتى بعد معارك التحرير واستعادة الأرض من تنظيم داعش الإرهابي لم ينته الإرهاب، وبرايي الخاص ان حقبة ما بعد داعش ليست اقل سوءأ من سابقاتها، فداعش المحلية صُنعت بنسبة 90% من المقاتلين المحليين ـبحسب تصريح وزير الدفاع الحالي ـ، افضت الى ثارات كبيرة وشكلت قبالتها اتهامات واسعة ضلت تستعر تحت الرماد، ولعل هذه الحقبة هي اشد حقبة متطرفة شهدها الشارع العراقي منذ العام 2003 حتى الان، كونها تحولت الى هوية مجتمعية وثقافة من ثقافات البلد، وتم الاشتغال على اذكائها بين الحين والأخر، تارة بالتصريحات والتحركات العشوائية العبثية غير المدروسة وتارة أخرى بادلجة وتاطير الشارع بمفاهبم التطرف والكراهية والنبذ والتخويف، كانت الشرائح المستدفة خطابيا وعقائديا هي اغلب الشرائح غير الشابة التي شابتها الكثير من الراديكالية والانغلاق، والتي لم تمتلك حسا نقديا بحثيا عن الحقيقة والمصداقية، واكتفت بالانصات والتصديق للمنابر الصحفية والتدوينية المشوّهة، والتي ما زالت تقف بوجه من يحاول نزع فتيل الازمة المتطرفة من قبل الأجيال المتطلّعة لعراق منزوع الصدام والشقاق.

المازق السياسي لا يُحلُ سوى بالسياسة

صناعة الحلّ

لا يمكن في الحقيقة اغفال دور المؤسسات والمنظمات المدنية في التصدي لثقافة التطرف العنيف، لكن في ذات الوقت تشكل تاثيرا نسبيا ضئيلا جدا غير قادر على التصدي للازمة، لذلك يتوجب على صناع القرار الاخذ بزمام الأمور والمبادرة والتوجه نحو إرادة حقيقة لتنفيذ هذا الملف

 وفي الحقيقة وبعيدا عن الطموح والاحلام فان الأجيال التي تراكمت عليها معطيات التطرف لن تعطيك مساحة لانتزاع هذا السرطان، لذا فان الأولى هو التوجه نحو الأجيال الشابة الصاعدة واشباعها بثقافة مضادة لثقافة التطرف العنيف والانغلاق الفكري، والمسؤولية تقع أولا على العامل السياسي، وتليها مسؤوليات المؤسسات الرسمية والمنظمات المجتمعية الإنسانية، وكما يلي:

1ــ التأسيس لامن قومي معاصر

إعطاء مساحة كبيرة وحرية تصرف وسلطات دستورية لمستشارية الامن القومي، واختيار شخصيات متزنة وذات قدرة على تشخيص المشاكل وطرح الحلول، سيما الشخصيات التي عملت على هذه القضايا او اطّلعت على الملفات الإقليمية والدولية والتجارب التاريخية والمعاصرة، وايلاء الاهتمام الأكبر لملف التطرف العنيف كونه يشكل المشكلة الام والاكبر على الدولة.                                                                                                   2ــ التربية والتنشئة التعليمية

 تأسيس لمنهج دراسي تربوي تحت عنوان مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف كمادة دراسية أساس، تُؤهل الأجيال وتكسبهم مناعة فكرية، فالاجيال الناشئة يجب ان يتم ابعادها عن التشويش الفكري المجتمعي، وتوجيهها حصرا تجاه المناهج البناءة التي تتسم ببناء الدولة، على أساس المجتمع المتصالح والمتقارب، من خلال تبني الطرح المنهجي الرامي لبناء دولة مواطنة، لا دولة مكونات وايديولوجيات.

3ــ تعزيز سلطة الامن والقضاء

قطاعا (الامن والقضاء)، والقضاء خاصة، وباعتراف زعامات سياسية انه مكبل تحت الضغوطات، وبرفع هذه الضغوطات يتنفس القضاء وتاخذ المؤسسات الأمنية أدوارها بقوة، ولكي يصبح المواطن مثقفا عضويا على السلطات أولا وبالدرجة الأساس اشعاره بان القضاء عراقي نزيه يُولد من الشارع العراقي المدني وينتمي اليه، وان منظومة الامن تقف مع منهج الدولة لا مع الولاءات للسلطات الحزبية المتعاقبة والتاثيرات السياسية والمزاجات الخاصة.

4ــ الاهتمام بادوار منظمات المجتمع المدني

خلق بيئة منظماتيّة مدنيّة من قبل أوساط مجتمعيّة لها مقبولية جماهيرية تحمل سيرة ذاتية متقدمة وطموح وطني، خاصة من المناطق ذات الكثافة الجماهيرية والمسحة الشعبية العامة، كون هذه العينات الجغرافية هي الأكثر اثرا وتاثيرا على المجتمع والاعلى تصنيفا للنسمات وذات تواشج تواصلية اجتماعية فضلا عن كونها البيئة المثالية للدعاية والخطاب الإعلامي السياسي والصحفي والعقائدي والتاثيرات العشائرية والقبلية، خاصة الاحياء البعيدة عن مراكز المدن، والاقضية والنواحي والارياف، وتشجيع منظمات المجتمع المدني ودعمهم لوجستيا وفكريا، بصناعة مناهج تدريبية وحلقات نقاشية ومؤتمرات لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

5ــ المرجعيات الدينية والاوقاف

التاثير الروحي على الشارع العراقي اكبر من تاثير القانون والدستور عليه، بحكم كون المجتمع العراقي يرزخ تحت سلطة القبيلة والموروثات اكثر من القوانين، وللمرجعيات بصورة عامة وعلى مدى التاريخ التاثير الكبير على الشارع، وان الهوية العقائدية "التقليد والاتباع" توازي الهوية الوطنية في جغرافيات كثيرة اذا لم تكن متقدّمة على الهوية الوطنية،  لذلك واجب المرجعيات والاوقاف والعتبات والمزارات يوازي الدور الفكري لباقي مؤسسات الدولة، مع الاخذ بالاعتبار ان المناسبات الدينية التي تتخللها البيانات المرجعية والخطابات المنبرية متواصلة على مدار العام ولا يكاد يخلو شهرا منها، لذلك فان التواصل المثمر مع الشخصيات الدينية والاوقاف وفروعها والعمل على صناعة منهج موحّد ومتقارب فيما بينها لانتج خطاب بناء ومسؤول من شانه ان يحد من انتشار التطرف العنيف في الأوساط المجتمعية، ويؤسس بدوره الى خطاب منتج، على على إعادة البوصلة الى مساحات التعايش السلمي.

6ــ تهذيب الخطاب الإعلامي

قد يكون من الصعب إعادة الخطاب الإعلامي الى رشده او تصويبه، خاصة وان هياة الاعلام والاتصالات لا تستطيع الاخذ بالقوانين واللوائح كما هي بحكم تاثير الزعامات السياسية عليها، لكنها اكثر قدرة على التحكم في المحطات الإعلامية ذات العائدية المباشرة وغير المباشرة للدولة، وان تمكنت من صناعة منابر مؤثرة ومحكمة وذات تاثيرات نفسية على الجماهير ستلزم باقي المحطات على المضي على نفس نهجها، من خلال الاستعانة بخبراء في التقديم واخرين كضيوف، ومناغمة الشارع العراقي واشعاره بخطورة الخطاب الشعبوي وغير المسؤول الذي يخلق حواجز ومطبات بشرية على سبيل المثال وكما يقول السياسي (نعوم تشومسكي) في رايه عن سايكولوجيا الجماهير: "اقناع المواطن انه السبب في وجود الحكومات الفاسدة، سيساهم في تازيمه واستسلامه وصرف نظره عن المشاكل الرئيسة للبلد"، لذا لو اتخذ الاعلام منحىً اخر واقنعه بانه الأرضية الخصبة لنشوء الدولة وحسب مختلف مفاهيم الشارع، سيشجع المواطن على ان يصبح صاحب القرار، ويحثه على اختيار الإجراءات والقرارات المناسبة، فضلا عن ان هذا الامر سيفسح المجال امام الجماهير لخلع النظارات المذهبية والعقائدية والعرفية، والنظر بعين الحقيقة والواقع.

7ــ تفعيل القطاعين الخاص والمختلط

قد يكون هذا الشأن سياسيا بالدرجة الأساس، ومرهونا بقرارات حكومية بصورة كبيرة ان لم تكن حصريّة،ّ لكن العمل عليه وخلق منظومات عمل لتشغيل الايادي العاملة، وإيقاف عامل البطالة والتفكير في الهجرة الداخلية والخارجية، يعزز عنصر المواطنة والانتماء ويخلق بيئة من التنافس الاقتصادي، بيئة تجارية منطقية مبنية على الربح والخسارة تشغل المواطن عن اثير الفتنة والنزاعات التي يولدها الفراغ والبطالة، الامر الذي يجسّر العلاقة بين أبناء المدينة الواحد والبلد الواحد، ويقرب وجهات النظر ويزيد من اللحمة، وعند تحقيق هذه العوامل فانها ستقضي بشكل كبير على ثقافة الاعتداد والتطرف والانغلاق، فالبناء الاقتصادي هو البناء الأمثل للدولة والمواطنة.

8 ــ العمل على المصالحة والمقاربة المجتمعية "الجيلية"

قد نتمكن من تشخيص بعض الزوايا الهامة من دائرة الصراع والتطرف في المجتمع العراقي، لكن يبقى العامل النفسي والابعاد المجتمعية المتجذرة والاحداث السابقة من مهام باحثي ودارس علمي (النفس والاجتماع) وذلك بالاحتكام الى التخصص الدقيق والاهتمام المفرط من قبل هاتين الشريحتين، لذلك فان الاهتمام باطروحات مشابهة ومماثلة يسهل على المتصدي صناعة برامج مجتمعية قادرة على التوأمة والتقارب بين الجيلين الذين تمَ ذكرهما آنفا (الشباب والمسنين)، واقصر الطرق الى ذلك انشاء مؤتمر لمناقشة هذا القضية والعمل على البحوث والدراسات والتحليلات المنبثقة من هذه الفكرة، واستخلاص اللازم والمهم منها لتنفيذ هذا المشروع.

9 ــ صناعة القدوة

قدمت الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية ومنذ العام 2003 كوكبة من الشهداء الذين ضربوا امثلة عظيمة في الايثار والانتماء والمآخاة، فعلى سبيل المثال القريب قدم الجيش العراقي الشهيد المقدم علي النداوي "شيعي الطائفة" الذي كان يدافع على العراق وينتج خطابا عراقيا عابرا للانتماءات، وقدم طيران الجيش الشهيد اللواء الطيار ماجد عبد السلام التميمي شهيد الإنسانية وصقر سنجار ـ كما اُطلق عليه ـ، الذي استشهد من خلال اجتهاده في اجلاء أبناء الطائفة الايزيدية في شنجار شمال غرب محافظة نينوى ابان حقب الغزو الداعشي، كذلك قدم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الشهيد الملازم اول وسام التكريتي "سني المعتقد" في مصفى بيجي شمال محافظة صلاح الدين وهو يتصدى للعدو بعملية معقدة، دون ان يحمل معه أي هوية غير هوية العراق والانتماء، كما قدمت خلية الصقور النقيب حارث السوداني في خلية الصقور العراقية الذي استشهد على يد الإرهاب في عملية معقدة اتسمت بالفداء والايثار، فضلا عن الشهيد القناص أبو تحسين الصالحي اسطورة القنص والأخلاق الرفيعة ضمن صفوف الحشد الشعبي... الخ من شهداء الأجهزة الأمنية هذه القدوات وسيرها الذاتية العراقية المشرفة، ان تم صناعتها بصورة صحيحة والترويج لها وطرحها للشارع العراقي ستصنع روح الايثار والعطاء والتقارب، والتي هي بالأساس مناهضة ومضادة لثقافة الانتماءات الفرعية والضيقة، والتي ستمثل سيلا فكريا اواصريا مضادا لثقافة التطرف والانزواء والتخندق الراديكالي اما سبب اختيار هذه الشخصيات فهو كالاتي؛ الشخصيات (المعاصرة والمجايلة) المتواجدة حاليا ـ على قيد الحياة ـ قد تتعرض لهجمات شرسة لتخوينها واقصائها، لذلك نضطر مرغمين الى تناول شهداء الأجهزة الأمنية كون لهم حرمة لا تُمكن من يتصدون بالماء العكر من الاعتداء عليها، وفي حال صناعة القدوات الشهداء، نتمكن من فتح باب الامل تجاه صناعة القدوات الاحياء، فالالهام كافٍ لصناعة القضية، فضلا عن كونه قادرا على صناعة مسيرة جيليّة مؤيدة لهذه القضيّة.ٍ

10 ــ صناعة مراكز دراسات رصينة

الفكرة من مراكز الدراسات تشكيل عصبة نخبوية لجمع الآراء والطروحات الخاصة بالقضايا المختلفة، وانشاء هذه المراكز سيعمل على خلق بيئة للدارسين والمهتمين بشؤون الإرهاب والتطرف العنيف، فضلا عن خلق بيئة مشجعة للمواطنين لتنمية الاهتمامات التي تتناسب وتتوازى مع قضايا مكافحة التطرف العنيف، الامر الذي سيخلق نواةً ومسلكا فكريا للافراد بالتوجه الى الساحة الفكرية الخاصة بالتطرف وايلائهم الاهتمام الكافي للتشخيص وطرح الحلول، ولعل الشريحة الأكثر استقطابا هي شريحة الضباط والصحفيين والتربويين، كونهم على اطلاع وتماس مع شؤون الشارع العراقي.