حيدر الجنابي/ باحث في شؤون الجماعات الجهادية
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
اسرع من تخمينات الاستخبارات الامريكية جاءت سيطرة حركة طالبان على افغانستان، بعد عشرين عاما من التواجد الامريكي في هذه البلاد اتمت خلاله الولايات المتحدة الامريكية تدريب وتجهيز قوات افغانية كان يفترض بها ان تكون صمام امان امام هجمات عناصر طالبان.
وفي خضم الصعود السريع والمفاجئ لطالبان على حساب القوات الحكومية الافغانية، تتهيأ الحركة لكتابة صفحة جديدة من تاريخ افغانستان وتتظاهر جهد امكانها لإظهاره بألوان ربيع "بدخشان" ليكون مختلفا عن تجربة سوداء عاشها الافغان تحت سلطة الحركة خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي. بابتسامة عريضة تمضي طالبان لبسط نفوذها في البلاد دون ان يتمكن احد من معرفة كم ستصمد الحركة للحفاظ على ابتسامتها امام المجتمع الدولي؟ وهل هي جادة فعلا بتنفيذ ما وعدت به من اصلاحات تتعلق بالحريات وحقوق المرأة واعفاءات من الملاحقة للقوات الوطنية والصحفيين بعد عشرين عاما من وقوفهما بوجه الحركة؟
تبدي طالبان مرونة كبيرة ودبلوماسية عالية لم تعتاد عليها في تسويق سلوكياتها وعرض "منهجها الجديد" على وسائل الإعلام، حتى ان اول ظهور لاحد مسؤوليها على التلفاز كان بحضور مذيعة قناة "طلوع" الفضائية كبادرة على حسن نية الحركة في إعادة جزء من حقوق المرأة، اما على الارض فلم تتمكن الحركة من ترويض نفسها منعا لإراقة الدماء حيث مارست عمليات اعدام لجنود ومترجمين حت انها قتلت احد الفنانين، وكشف تقرير صدر عن الامم المتحدة "ان طالبان وسعت من عمليات بحثها للقبض على الافراد الذين تعاونوا مع القوات الامريكية وحلف شمال الاطلسي، الرئيس الامريكي جو بايدن اكد على ان طالبان لم تتغير لكن الإرهاب في افغانستان شهد تراجعا مقارنة مع ماكان عليه قبل احداث 11 (سبتمبر) 2001.
ويبدو ان طالبان ارتدت للظهور بإطلالة جميلة ثوبا لم يكن بمقاسها فيما تبقى احتمالية اظهار انزعاجها مما ارتدت امرا ليس مستبعدا وحين ذاك ستدخل افغانستان في ربيع اسود لن تعرف نهايته. وبعيدا عن الاسباب الكامنة وراء الانسحاب الامريكي من افغانستان، لكن خطوة كتلك سترفع من وتيرة الهجمات الارهابية في منطقة آسيا الوسطى والشرق الاوسط وفق معادلة الصدمة وما يرفع من مستوى هذا التكهن هو ارتباط طالبان بعلاقات مع "حركات سلفية جهادية " في بلدان مجاورة لعل ابرزها "حركة تركستان الشرقية الإسلامية"(ETIM)، في اقليم "شينجيانغ" الصيني الذي يسكنه 9 مليون مسلم من الإيغور، حيث يؤدي وصول جماعة إسلامية للسلطة في هذا البلد او ذاك الى رفع حماس جماعات إسلامية اخرى ويعيد اليها الامل والثقة بتشديد ضرباتها ضمن استراتيجية "شوكة النكاية والانهاك" على امل بلوغ مرحلة اقامة الدولة الإسلامية وهو حلم يراود جميع الجماعات الجهادية.
ورغم ان معظم عناصر حركة طالبان تنتمي الى المدرسة "الديوبندية" وتعتنق المذهب "الحنفي" فهي ليست حركة سلفية وهذا ابرز ما يميزها عن "داعش والقاعدة" إذ انها في نظر الاخيرتين حركة مبتدعة منحرفة، وما يميزها ايضا انها حركة وطنية لا تؤمن بالجهاد خارج اسوار الوطن، لكن هذه الاختلافات الإيديولوجية والعقائدية لن تمنع من ان تصبح الحركة إنموذجا ملهما للجماعات الجهادية الاخرى التي لازالت تراوح ضمن مرحلة "شوكة النكاية والانهاك" املا في تحقيق حلم الخلافة الترابية، فالثورة الإسلامية الإيرانية بقيت بالنسبة لكثير من الحركات الجهادية عروس الثورات الإسلامية، كونها تمكنت الوصول لمبتغاها.
ويمثل الانسحاب الامريكي من افغانستان ودخول طالبان الى القصر الحكومي في كابل حلم يراود جماعات جهادية وانفصالية كثيرة، فيما سيعني فشلها في السيطرة على ميزان التطرف اعادة افغانستان الى موقد الحرب الداخلية لاسيما في ظل عدم تمكن الحركة من فرض سلطتها على ولاية "بنجشير" التي لازالت تشهر سلاحها بوجه ابناء المدرسة الديوبندية