أثر جائحة كورونا على سلوك الانسان دراسة قانونية ونظرة واقعية
د . آمال علي الموسوي
تهدف هذا المقالة الى تحديد اثر جائحة كورونا على السلوك الفردي ، وتعتبر جائحة كورونا من المواضيع التي تناولها اكثر الباحثون ، وركزت اغلب الدراسات على اثار هذا الفايروس المتعلقة بالتصرفات القانونية وابرام العقود والتزامات الأطراف ببنود العقد تاركين اثاره الأخرى ، حيث ثار جدل فقهي كبير بينهم هل تعد جائحة كورونا هي قوة قاهرة ام ظرف طارئ وحسناً فعلوا الباحثين و الدارسين في مجال القانون وفي مجالات أخرى والفقهاء الاهتمام في المسائل المستجدة لكثرة ما حصل نزاعات في سوح القضاء اثر الجائحة الكورونيه واخلال المتعاقدين بالتزاماتهم ، ولمعالجة تلك النزاعات إزاء هذه الجائحة ، فقد عدها البعض قوة قاهرة فيما ذهب البعض الاخر على انها ظرف طارئ فالحكم يختلف فيما اذا اعدها الفقه ظرفا طارئا ام قوة قاهرة .
فقد ذهب البعض انها تمثل جائحة كورونا قوة قاهرة واعدها احد أسباب السبب الأجنبي الذي يعفى أحد المتعاقدين أو كلاهما من مسؤولية عدم تنفيذ التزاماتهم شرط توفر شروط القوة القاهرة على اعتبار حادث مفاجئ لا يمكن توقعه ويستحيل دفعه ، وعليه لا يجوز للطرف الثاني مطالبته بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بالطرف الأول نتيجة هذا الاخلال استنادا الى استحالة الوفاء بهذا الالتزام ، ويمكن القول ان الأساس في ذلك يرجع الى فكرة العدالة التعاقدية المجردة في مشاركة الدائن للمدين في الخسارة الناشئة عن الاحداث التي يستحيل معها التنفيذ .
بينما ذهب البعض الاخر من الباحثين او الفقهاء القانونيين الى اعتبارها ظرفا طارئا ، ويعني الظرف الطارئ هو الظرف الذي لا يؤدي الى انقضاء الالتزام وانما يرد القاضي الالتزام الى الحد المعقول حتى ينفذ المدين التزامه بغير ارهاق ويمكن القول ان هذا النوع من الالتزامات يظهر بالعقود المتراخية التنفيذ الذي يكون فيها الزمن عنصر جوهري ، سواء كان من العقود ذات التنفيذ المستمر كعقد الايجار ، أو من العقود ذات التنفيذ الفوري مثل العمل ، ولكن يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة ان يكون الظرف الطارئ عاما وعدم إمكانية توقعه وان يكون التنفيذ مرهقا وليس مستحيلاً .
وعليه اذا كان تنفيذ الالتزام التعاقدي في ظل الجائحة ليس بمستحيل وانما مرهقاً أجاز المشرع للقاضي الحق في التدخل برد الالتزام الى الحد المعقول ومن ثم توزيع الخسارة بين اطراف العقد ، اما اذا كان الامر خارج عن إرادة المتعاقدين وحدث فجأة عنهم دون ان يتوقعه أي منهم ، فيعتبر وباء كورونا يشبه في اثره الحروب والكوارث الطبيعية التي تمنع تنفيذ بنود العقد بالصورة المتفق عليها ، وقد يصل تأثيرها الى استحالة التنفيذ لذلك فهي قوة قاهرة .
وقد ذهب فريق ثالث من الباحثين في اختصاص الطب الاهتمام بصحة الانسان وبدنه ،فالصحة العامة للجسم وسلامته كنز ومن اهم المسائل التي تطرقوا في بحوثهم حول اثر الفايروس على جسم الانسان وافعاله ونشاطاته ،على اعتبار فايروس كورونا من الامراض المعدية ، وينتقل عن طريق التنفس واللمس ، فكان لهم بصمات عن كيفية الالتزام بالوقاية لان الوقاية هي العلاج ، وقد فرضت منظمة الصحة العالمية حظر التجوال الكامل او الجزئي وركزوا على بعض الإجراءات التي يجب الالتزام بها وعدم التهاون للحد من انتشار هذا الوباء الذي اجتاح العالم برمته .
والتساؤل الذي يطرح بهذا الخصوص ، ان جائحة كورونا كان اثرها فقط على التزامات العاقدين في ابرام العقود و اثرها على الصحة العامة للجسم فقط أم كانت لها اثار على سلوك الفرد من ناحية التزاماته مع ربه ، وهل هناك دور إيجابي لهذه الفايروس الصغير على الانسان ام كانت كلها سلبية ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من معرفة أولا ما المقصود بسلوك الانسان ، وعليه يعرّف سلوك الانسان بانه كل التصرفات والافعال التي تصدر عن الفرد في جميع أوجه النشاط العقلي والحركي والاجتماعي التي يقوم به الفرد والتي تعكس اثاره عليه .
وفي ظل التداعيات الخطيرة لوباء كورونا يمنحنا فرصة لإعادة النظر في كل السلوكيات السابقة واللاحقة منها ، وينظر لهذه الفايروس نظرة واقعية خاصة ، ويمكن ان يكون لهذا الفايروس جوانب إيجابية على مختلف سلوك الافراد إذ لم تعد جائحة كورونا كلها ضررا بل كان لها دور إيجابي على الرغم من الصعوبات التي يتعرض لها المصاب وقد يتساءل البعض هل من المعقول ان لهذا الوباء دور إيجابي وقد افتك بالبشرية جميعاً ، إذ يمكننا القول على ذلك ، نعم لها دور إيجابي فقد غلقت الملاهي ونوادي الرقص لفترة محددة ، ونأمل من الجهات المعنية ان لا تكون فترة مؤقته بل مستمرة ة ومنعت إقامة الحفلات والاعراس في القاعات المخصصة لها ، إضافة الى ذلك ان المصاب في محنة المرض يشعر بالخوف والتوتر والقلق من الموت فقد يلتجأ الى ربه للسعي في البقاء على قيد الحياة مما يتطلب منه مراجعة نفسه وما عليها من حسابات ، ويستعرض تصرفاته وسلوكياته الخاطئة ويراجع مسيرة حياته ويعيد النظر في كل تصرف سواء كان معاملات ام عبادات ، فقد يكون مذنبا ويتراجع عن ذنبه وينطق بكلمات العفو والاستغفار والرحمة التي تقربه الى الله لكي يشفى ليحظى بالرجوع الى وضعه الطبيعي مثلما كان قبل الإصابة ، كما ان لهذه الجائحة خلقت روح التعاون والتكافل لاحياء وتعزيز الشعور الجمعي بينهم فالمصاب عندما يمن الله له بالشفاء ويتعافى تماما قد يشعر ويتحسس عندما يسمع شخص آخر قد أصاب بكورونا ويحاول توفير ما يستطيع توفيره له ، كما ان الحجر جعل هناك تقارب اسري ، وان الالتزام بإجراءات الوقاية من تعقيم وتعفير المكان واستخدام الكمامة ولبس الكفوف الطبية كلها تعلمنا الالتزام بنمط سلوكي معين جديد فرضته الجائحة من التزام بتوجيهات المرجعية ووزارة الصحة من إجراءات للمحافظة على الكيان البشري وتقليل حالات الإصابة ، كما ان القيم والمعرفة الثقافية والقاء البحوث وإقامة الندوات والمؤتمرات لم تنتهي فقد نتلقى المحاضرات او المشاركة بالمؤتمرات او الندوات عن طريق برامج مخصصة في الانترنيت .
فوفقا لذلك علينا اتباع نمط سلوكي معين في مختلف التصرفات ونحن ما زلنا في محنة الوباء فالتمسك بالله تعالى وتعليماته وتوجيهاته واللجوء اليه في كل محنة تصيبنا سواء مرض ام غير ذلك من ابتلاء فان ذلك سوف يقربنا من الله تعالى وانه بالتأكيد لن يتخلى عنا في كل صغيرة وكبيرة .