تغريب المسلم عبر الفضاء السيبراني

المقالات

 جمانة جاسم الاسدي ، باحثة دكتوراه . اكاديمية

لعل من اهم منجزات العصر الحديث وحصيلة الثورة التكنولوجية للاعلام والاتصالات هو انبثاق الفضاء السيبراني للوجود، الذي يعكس القدرة القوية لهذه البيئة الافتراضية الالكترونية التفاعلية على جذب انتباه المستخدمين، وخاصة الشباب، لاحتلال الكثير من وقتهم عبثا وخبثا، مما يمنح هذا الفضاء القدرة على ان يوجه سلوكهم وعلاقتهم بأسرتهم وبيئتهم الاجتماعية وإعادة تشكيل حياتهم الاجتماعية والثقافية والتأثير عليهم، ليس هم فقط ، لا بل على النظام القيمي وأخلاقيات الاولين التي حاول الابناء جاهدين زرعها فيهم.
وهذا ما يجعل المجتمعات العربية والإسلامية عرضة لذبذبات القيم وتدمير المعايير الأخلاقية والتعاملية، ونظراً للدور المتزايد للإنترنت وعدم قدرة على استخدامه بعقلانية احيانا، تتوجه الدراسات نحو تفعيل دور الإعلام والمفكرين في التفاعل مع تآكل القيم وأنظمة المعاني وتقترح ضرورة رفعها، خاصة لدى الشباب والأطفال وفق أنظمة القيم التي تدعم هوياتهم، وهذا التأكل واقعا هو نتيجة بث كم من المعلومات العشوائية والاساليب الحياتية المغلوطة ووسائل الترفيه المختلفة ، وخدمات تبادل الصور ومقاطع الفيديو والوثائق ، ووسائل الاتصال السريعة التي تتيح الفرصة لتبادل الأفكار والآراء بزعم الحرية التي توفرها الشبكات العنكبوتية، مما يذهب بالبعض الى انتهاك الخصوصية والشروع في جرائم الكترونية (الابتزاز الالكتروني والتنمر الالكتروني والتهكير واشاعة الفتن والطائفية و مس الاعراض ...الخ)، في الوقت الحاضر نجد أن معظم العائلات ليسوا نواة واحدة ! فالآباء في وادي والأطفال في وادي اخر، لان لكل فرد من أفراد الأسرة وسائله المستقلة للوصول إلى موارد المعلومة، مما يهدد حياتهم الاجتماعية بشكل كبير ويؤثر أيضًا على التواصل داخل الأسرة ذاتها ، فعندما يبدأ أفراد الأسرة في التفاعل مع أجهزة الكمبيوتر بدلاً من بعضهم البعض، هذا هو الخطر بعينه .
التغريب الذي نعنيه هنا ليس تقليد الغرب وحده انما اوسع من ذلك ، بحيث يغترب المسلم عن مبادئه وقيمه وانسانيته حتى، فيصبح عدم ، لا يشبه احد ولا ينتمي لاحد ، وهذا متوقع بعد ان زرعت فيه نقاط ضعف لا صحة لها وتشكيك في جميع معتقداته الدينية وهوياته الثقافية وانتمائه الاسلامي وزعزعة الثقة في اركانه ، من خلال عكس التوازن العقلي بين الاطفال والشباب وتخريب أنظمة القيم الخاصة بهم فيتلاشى من خلال الاستخدام غير المعقول والسلبي للإنترنت من قتل وقت الشباب وتضييع يومهم في أشياء تافهة ، عبر زيارات الصفحات والتفاعل وبناء العلاقات مع مستخدمين آخرين من مختلف الثقافات والهويات والمعتقدات الدينية ، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ بعض السلوكيات غير الأخلاقية ، وبالتالي تنبثق العديد من القضايا غير الأخلاقية مثل الاغتراب الاجتماعي والأسري وتفكك العلاقات وزعزعة القيم الدينية وانتشار الجرائم الإلكترونية والشائعات والعنف والعلاقات غير المشروعة بين الجنسين وانتهاك الخصوصية ، كما ان ما يحدث من مقابلات الشباب وقضاء وقتهم امام الشاشات في عالم الرجال والنساء الاكبر سنًا وخلق صداقات عشوائية مشبوهة بدافع الانجذاب الغريزي من خلال ما يعرض في التطبيقات دون قيد او شرط ، بالإضافة إلى سهولة مشاهدة الفيديوهات والصور الإباحية، مما يزيد من انتشار الأنوثة بين الشباب والعلاقات المثلية ونشر الأدب الجنسي وثقافة العنف التي ستغذي الأجيال سما زعاف، ولعلى هذا ما يمكن ان يلحق ضرر جسيم بدينهم وأخلاقهم وسلوكهم، وهذا ما نستهجنه في المجتمع الإسلامي . 
في حقيقة الامر يهدف هذا المقال الموجز إلى الكشف عن دور البيئات الافتراضية في تغيير الخصائص الثقافية والاجتماعية من خلال الشبكات الاجتماعية ، لا سيما في سياق الزيادة الكبيرة في عدد المستخدمين المشاركين في هذا الفضاء السيبراني ، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود المؤسسات المختلفة كالعائلات والمدارس وائمة المساجد ، الجمعيات والمراكز الإعلامية والبحثية لنشر الوعي حول كيفية استخدام الإنترنت والمواقع بشكل سوي والاثار المترتبة على الاستخدام غير السوي .