تعليق على القرار الصادر من محكمة التمييز العراقية العدد/1/ هيئة تعيين المرجع/2022 في 26/1/2022.....

المقالات

تعليق على القرار الصادر من محكمة التمييز العراقية العدد/1/ هيئة تعيين المرجع/2022 في 26/1/2022، الخاص بعقد التدريسيين في الجامعات والكليات الاهلية

علي خيون السويعدي ، باحث دكتوراه في القانون الخاص

 
الاشكالية التي يثيرها القرار اعلاه موضوع التعليق:
هي إعطاء التكييف القانوني السليم للاتفاق المبرم بين طرفي الدعوى قبل هذا الاتفاق هو عقد مسمى أي عقد عمل يخضع لقانون العمل أم عقد غير مسمى يخضع للقواعد العامة في العقود التي نص عليها القانون المدني.
وبناء على ذلك سوف نقسم التعليق إلى قسمين نتناول في القسم الاول : الطبيعة القانونية للعقد بين الطرفين. والقسم الثاني: المؤشرات التي تدل على وجود رابطة التبعية القانونية
وبناء عليه سيتم البحث ما اذا كان العقد المبرم بين الطرفين هو عقد عمل ام عقد غير مسمى كما توصلت إليه المحكمة المذكورة. وفقا للتمييز العقدين عن بعضهما وماهي المؤشرات التي تدل على وجوب علاقة تبعين بين الطرفين في القضية.
القسم الاول: التكييف القانوني للعقد بين الطرفين
عقد العمل وفقاً ما عرفه المشرع العراقي في المادة "1/9"من قانون العمل العراقي النافذ رقم 37 لسنة 2015 على أنه " أي اتفاق سواء كان صريحاً أم ضمنياً، شفوياً أو تحريرياً يقوم بموجبه العامل بالعمل أو تقديم خدمة تحت إدارة وإشراف صاحب العمل لقاء أجر أي كان نوعه.
وايضاً ورد تعريف اخر لعقد العمل في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 في المادة 900 منه إذ نصت على ان " عقد العمل عقد يتهد به أحد طرفيه بأن يخصص عمله لخدمة الطرف الاخر ويكون في إدائه تحت توجيه وإدارته مقابل أجر يتعهد به الطرف الاخر.
وحيث استمر العلم والاجتهاد على اعتبار ان الفارق بين عقد اجارة الخدمة وأي عقد اخر هو عنصر التبعية الذي يشكل ركنا من اركان عقد العمل وفقا لنص المادة الاولى الفقرة التاسعة.
وحيث ان التبعية تفترض خضوع العامل لرقابة واشراف صاحب العمل الذي له ان يصدر الى العامل اوامره وتوجيهاته، ويتوجب على هذا الاخير الالتزام بها، وان عناصر عقد العمل هي ثلاث، الاجر، والعمل، والتبعية القانونية
وان ما يميز عقد العمل عن أي عقد اخر غير مسمى هو وجود الرابطة التبعية القانونية والتي اخذ بها المشرع العراقي صراحة وتتمثل بخضوع الاجير لإشراف صاحب العمل في التعليمات التي يصدرها وارتباط الاجير بنظام المؤسسة وتوقيع الجزاءات عليه عند مخالفته لهذه التعليمات وعدم تقيده بالنظام الداخلي للمؤسسة.
وأن عقد العمل التابع هو الذي يميز عقد عن العقود الاخرى فلا يكفي لتكوين علاقة العمل أن يعمل الشخص " الاجير لحساب اخر " رب العمل" مقابل أجرة على الرغم من أن هذين العنصرين " العمل والأجر" يشكلان الدعامة الأساسية لعقد العمل الفردي، بل يجب أن يتوافر لهذه العلاقة عنصر التبعية.
لذلك نجد أن المشرع في التشريعات المدنية والعمالية الوطنية والمقارنة عنده تعريفه لعقد العمل قد اشترط أن يؤدي العامل عمله لصاحب العمل تبعاً لتوجيه وإدارته.
وبدورها قسمت التبعية القانونية الى تبعية فنية وتنظيمية اما الفنية فتعني خضوع الاجير لتوجيه واشراف كامل او شبه كامل من صاحب العمل في ادق التفاصيل، وبموجب التبعية التنظيمية اصبح الاجير يخضع في ادائه لعمله لإدارة واشراف صاحب العمل في شأن الظروف الخارجية التي تحيط بتنفيذ العمل واوقات العمل فترات الراحة والخضوع للجزاءات التأديبية، على ان يبقى الاجير محتفظاً باستقلالية الفنية في اداء عمله خاصة ما إذا كان عمله تخصصيا غريبا عن معرفة صاحب العمل.
وبما أن التبعية مرتبطة بالعنصر الشخصي طالما أنها تعني مدى طواعية هذا الأخير للامتثال لسلطة صاحب العمل في إشرافه وأوامره فإن رابطة التبعية هي موضوع عقد العمل لأنها تجمع بين عمل الأجير وتنفيذه بأشراف ورقابة صاحب العمل.
وبعد سلسلة من التطورات التي طالت عقد العمل ووسعتها فإن مدلول رابطة التبعية لم يعد مجموعة من المعاير المحصورة في خضوع الاجير لسلطة ورقابة واشراف صاحب العمل بل وجد ما يعرف بشبكة المؤشرات الدالة على وجود التبعية الدالة بدورها على وجود عقد العمل.
فتمسك الاجتهاد في النزاعات المعروضة امامه لاعتماد وجود عقد عمل ليس فقط بالتحري عن وجود رابطة التبعية القانونية ولكن بالكشف عن حالة تبعية واقعية من خلال دراسة ظروف العمل الفعلية .
ففي قرار عادت محكمة التمييز الفرنسية لتستنتج التاكسي وجود رابطة التبعية بين سائق التاكسي والشركة التي يعمل لحسابها انطلاقا من مجموعة من المؤشرات الواقعية التي تعبر عن التحاق الأجير اقتصادياً بصاحب العمل .ومن هذه المؤشرات ، أن شروط العمل تلزم السائق بتنفيذ عدد كبير من الساعات لتوفير مردود مقبول وتكريس وقته حصريا لقيادة سيارة التاكسي المملوكة من الشركة ودون أن يسمح لغيره بقيادتها كما أن الشركة الحق بتقرير عدم تجديد العقد وذلك في مهلة زمنية قصيرة وحق فسخ العقد بإرادة منفردة خصوصا عند تلكؤ السائق . قرار منشور في: التحولات في عقد العمل، ربى حيدري، المؤسسة الحديثة للكتاب، بيروت، 2015، ص108.
وبالعودة للقرار موضوع التعليق نجد أن محكمة التمييز تذهب في قرارها بآنه لا يمكن اعتبار عمل الأستاذ الجامعي أو المحاضر في جامعة أهلية بموجب الاتفاق المبرم بينهما (عقد عمل) سواء كانت الأعمال والمهام الموكلة اليه علمية ام إدارية وذلك لفقدان الركن المرجح الأساسي المتمثل بالرقابة والاشراف من قبل رب العمل على العامل لان الأولوية الكامنة في جوهر الاتفاق بين الأستاذ الجامعي أو المحاضر مع الجامعة الاهلية هو تقديم خلاصة علمه في مجال اختصاصه او خلاصة خبرته في إدارة المنظومة العلمية حتى ولو لم يصرح بذلك في الاتفاق وبدون أي فرض من قبل الجامعة الاهلية وبحرية نامة بدون أي رقيب ولا يتم تحقيق ذلك الا من خلال ابتعاد الجامعة الاهلية من ممارسة الاشراف والرقابة على الطرف الثاني من العقد المبرم معها وبهذا ينتفي ابتداء ركن الاشراف والمراقبة والذي يعتبر من اهم خصائص عقد العمل اما القول بخلاف ذلك واعتبار الاتفاق المبرم بين الطرفين هو عقد عمل.
إلا أنه في الاصل عمل الأستاذ الجامعي حر فقد يخضع لإشراف ورقابة صاحب العمل ويتحول إلى عامل تابع ويصبح عقده، عقد عمل ويخضع لأحكام قانون العمل. وان ادخال عمل اساتذة التعليم العالي في نطاق العمل يجد ما يبرره في المادة الثالثة من قانون العمل التي نصت على سريان احكام هذا القانون على جميع العمال في جمهورية العراق أو من هم في حكمهم ما لم ينص البند " ثانيا" من هذه المادة خلاف ذلك.
وايضاً نص المادة الاولى في فقرتها السادسة من قانون العمل العراقي النافذ رقم 37 لسنة 2015 على أن العامل هو " كل شخص طبيعي سواء كان ذكراً أم انثى يعمل بتوجيه واشراف صاحب عمل وتحت ادارته سواء كان يعمل بعقد مكتوب ام شفوي، صريح ام ضمني او على سبيل التدريب او الاختبار او يقوم بعمل فكري او بدني لقاء اجر أي كان نوعه بموجب هذا القانون.
كما يؤكد الاجتهاد الفرنسي الحديث بانه يوجد رابطة تبعية حتى ولو لم يكن تنفيذ العمل وفقا لدوام منتظم طالما أن الأجير ملتزم بتنفيذ العمل كلما استدعاه صاحب العمل لتنفيذ عمله.
وبالتالي يمكن اعتبار الاساتذة الجامعين في الجامعات التابعة للقطاع الخاص من فئة العاملين لقيامهم بعمل غير يدوي او ما يعرف بالعمل الفكري. كما أن الاساتذة الجامعين يخضعون لأحكام قانون العمل استناداً للتصنيف الذي وضعه المؤتمر العالمي لمكتب العمل الدولي المنعقد في جنيف دورة نيسان- ايار 1957.
ويفيد ملخص المؤتمر العالمي المنعقد في جنيف إذ أنه يحدد كيفية تنظيم العمل الذهني ومن بينهم الاساتذة الجامعين باعتباره من الاعمال المهنية التي يقتضي تنظيمها بما يتلاءم مع احكام قانون العمل.
القسم الثاني: المؤشرات الدالة على وجود التبعية القانونية
هناك مؤشرات واقعية تدعم وجودها كالأجر الثابت ودوام العمل ومكان العمل وهي مجرد مؤشرات تفيد بوجود رابطة عمل ولكنها لا تفيد بان المتعاقدين خاضعين لقانون العمل ، فتمسك القضاء في النزاعات المعروضة امامه لا اعتماد وجود عقد عمل ليس فقط بالتحري عن وجود الرابطة التبعية القانونية ولكن بالكشف عن حالة التبعية القانونية من خلال دراسة ظروف العمل الفعلية.
ولهذا تتحقق رابطة التبعية باجتماع عدد من هذه المؤشرات من دون أن يشكل غياب احدها سببا لنفيها وابرز هذه العناصر مثلا :
- مؤشر تأدية الأجير عمله بنفسه دون أن يكلف غيره القيام بالمهام المتفق عليها كأن يستعين بأجيرين آخرين يعملون لحسابه كما المقاول أو المتعهد . كذلك تأدية العمل في مركز المؤسسة ، أو خارج عنوان المؤسسة إنما مع الالتزام بتوجيهات صاحب العمل ، إنما هذا المؤشر ليس بمؤشر قطعي إذ أن تطور أساليب العمل بواسطة أجهزة الحاسوب أو العمل عن بعد كما في فرنسا من جهة وامكانية بقاء العاملين في منازلهم تحت تصرف صاحب العمل من جهة ثانية افقد مكان العمل اهميته
- مؤشر الأجر حيث يمكن للتبعية الاقتصادية أن تشكل مؤشرا من مجموعة مؤشرات دالة على علاقة العمل .
- مؤشر الالتزام بدوام العمل أي الفترة المحددة التي يخضع فيها الأجير السلطة صاحب العمل وهي في الغالب ما يكون دواما محددا في بدايته ونهايته من صاحب العمل وغالبا ما يتم استخدام وسائل تدل على التزام الأجير بدوام عمله كآلية التكيس ببطاقات خاصة بالعمل أو التسجيل في سجل خاص بالدوام وغيرها من الطرق .
الا انه وان كان الالتزام بدوام محدد وثابت مؤشر على رابطة التبعية إلا أنه لم يعد كافيا للبت بهذا الأمر إذ هناك بعض المهن التي يتمتع فيها الأجير باستقلال فني ولا يتطلب عمله دواما ثابتا ومحددا بل تتطلب وقتا كافيا لأداء العمل لمصلحة صاحب العمل .
وبهذا الاتجاه يقتضي بتبعية الاستاذ الجامعي طالما أنه يحضر للجامعة التي يعمل فيها وإن لم يكن ملزما بأثبات دوام عمله كبقية المستخدمين بل كان ملزما بالحضور إلى مركز العمل لأداء عمله .
- مؤشر تقديم المواد الأولية ووسائل وادوات الإنتاج ) من صاحب العمل . او حصرية عمل الأجير لدى صاحب العمل . إنما لم يعد بالإمكان أخذ هذه المؤشرات بشكل آحادي للجزم بوجود علاقة عمل ومن جهة أخرى هناك عناصر يستدل منها على انتفاء وجود رابطة التبعية كعدم انتساب الأجير للضمان وعدم استفادته من الاجازات القانونية ومن التعويضات العائلية والمرضية والمدرسية ودفع الضريبة المالية .
ويتبين لنا من النزاع المعروض وجود رابطة التبعية القانونية من خلال عمل الاستاذ الجامعي لدى الجامعة المذكورة حيث كان يتم في مركز الاخير ويخضع لإشرافها وادارتها وان فان هذا يكفي للقول بوجود الرابطة التبعية وبالتالي قيامة علاقة عمل بين الطرفين. ومن وجهة نظرتنا القاصرة ان محكمة التمييز قد خالفت تطبيق القانون من خلال عدم اخذها بالمؤشرات التي تؤكد على وجود تلك العلاقة. أي علاقة العمل بين الفريقين.
ويقتضي من المحكمة الاخذ بالعناصر الموجودة في العقد لمعرفة رابطة التبعية ومنها تحديد أجر شهري مقابل عمل الاستاذ الجامعي، والزامه للحضور بمواعيد محددة ، واخضاعه لأوامر رب العمل متمثل برئيس الجامعة ووضعه تحت تصرفه وتعهده بإطاعة وتنفيذ أوامره دون أي اعتراض.
و إذا كان صاحب المهنة الحرة كل استاذ الجامعي لا يخضع لرب العمل من الناحية الفنية بل يبقى حرا وصاحب السلطة الوحيد في ما يتعلق بهذه الناحية من عمله فانه وبالرغم من ذلك تبقى التبعية القانونية متوافرة إذا كان خاضعا لصاحب العمل من الناحية الإدارية أو التنظيمية أي الناحية المتعلقة بالظروف الخارجية التي ينفذ في ظلها العمل " . والدراسة الظروف الخارجية التي يمارس في ظلها العمل والتي تحوي على مؤشرات تدل على رابطة التبعية.