داعش.. الاستثمار والالهام ورقة تحليلية

المقالات
حسيني الاطرقجي
 
الهام الافغاني "طالبان" للجماعات المتطرفة
روح الجماعة
منذ العام 1999 اتجهت بوصلة تنظيم القاعدة الإرهابي الى العراق، بما يعرف عند التنظيم بـ" قاعدة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين"، ومنذ ذلك الحين صار للتنظيم موطيء قدم جهادي في العراق وعزز هذا الامر ما عُرفَ آنذاك بالحملة الايمانية التي اطلقها نظام البعث وتبعها بذلك " الفدائيون العرب"، الامر الذي مهد لنشوء بيئة جاذبة للتطرف وبيئة مأوى للافراد والجماعات المتطرفة في العراق، هذا الامر يدل على تقدير جيد للموقف المستقبلي، فبعد سقوط النظام وصعود الطبقة السياسية باسم العملية الديمقراطية سال لعاب المتطرفين من اصقاع مختلفة إقليمية ودولية بولادة رقعة جغرافية مثالية للالتحاق الجهادي، فحتى بعد مقتل الزرقاوي في حزيران من العام 2006 لم ينتهِ التنظيم امنيا، لاعتماد ادبيات التنظيم على روح الجماعة " التنظير " دلا من الاعتماد على القادة الميدانيين للجماعة، فالمفاجأة ان مقتل الزرقاوي اتبعه اجماع من الجماعات المسلحة المتطرفة تحت مسمى "مجلس شورى المجاهدين في بلاد الرافدين" بتوحيد الجماعات ( قاعدة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين، جيش الطائفة المنصورة، سرايا انصار التوحيد، سرايا الجهاد الإسلامي، سرايا الغرباء، كتائب الاهوال، جيش اهل السنة والجماعة)، وهذه الجماعات المتطرفة بهذه التوليفة الجهادية انتجت ما يسمى "دولة العراق الإسلامي" بامارة أبو عمر البغدادي او ما يعرف بالخليفة حتى العام 2010.
بإلهام اخر من رقعة جغرافية مختلفة الهمت طالبان " الامارة الإسلامية " المتطرفين حول العالم بصورة كبيرة، وذلك بانسحاب التحالف من أفغانستان في العام الجاري وتحول طالبان من حركة جهادية مصنفة على قوائم الإرهاب الى نظام حاكم في دولة حيوية في اسيى الوسطى ذات الجغرافيا المعقدة.
ينسحب هذا الالهام عن بعد على الجهاديين في العراق وسوريا ودول الساحل الافريقي وكذلك شرق افريقيا وهذا ما ظهر جليا من العمليات النوعية في هذه المساحات واختلال حالات التوازن الأمني في البلدان انفة الذكر.
الامر عينه اعطى حافزا للروح الجهادية المتطرفة للمطاولة ومقاومة الظروف الأمنية في العراق وسوريا على الاستمرار بالعمليات الإرهابية بالذئاب المنفردة او ما يسمى امنيا بالخلايا العنقودية والخيطية، أي تنفيذ هجمات إرهابية دون الرجوع الى مصادر القرار في "الولايات" ومسؤولي القواطع العسكرية لداعش.
ما يُعد تحقيقيا لنبوءة احياء الدولة او المحافظة على ظهورها إعلاميا في نشرات الاخبار، على ان بقاءها نوويا غير قابل للازالة، بل الذهاب الى تجذر التطرف في المجتمع العراقي على وجه الخصوص.
الذئاب المنفردة والتطوير الذاتي
في دراسة لمركز الاهرام ظهرت قراءات جديدة تمثلت بانماط التنظيم المتغيرة فمع انهيار استراتيجية التمكين التي تبناها تنظيم "داعش" في أعقاب سقوط ما يسمى "الخلافة الداعشية" في الموصل في تموز 2017، والباغوز في اذار 2019، بدأ التنظيم الإرهابي في وضع استراتيجية بديلة أطلق عليها استراتيجية "فترات عدم التمكين"، والتي تنطلق من التعطيل المؤقت لما يسمى بـ"الخلافة" و"التمكين"، والتركيز على:
مفهوم "حتمية الصدام"، عبر اتباع ثلاثة تكتيكات رئيسة: الأول، تكثيف معدل العمليات الإرهابية في مجمل أفرع التنظيم مع اختيار أهداف ومناطق جديدة للقيام بتلك العمليات الإرهابية.
والثاني، الظهور المتكرر للمتحدث الرسمي لتنظيم "داعش" المهاجر أبو حمزة القرشي، حيث بث خمس رسائل منذ توليه المنصب في أعقاب مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي والمتحدث الرسمي السابق أبو حسن المهاجر في اب 2019، بهدف ترويج مزاعم بشأن تماسك التنظيم من ناحية وحشد وتعبئة المقاتلين سواء في المركز أو الفروع المختلفة التابعة له من ناحية أخرى.
والثالث، الإعلان عن استراتيجية جديدة مغايرة للاستراتيجية القديمة "إدارة التوحش والتمكين"، إذ يحاول "داعش" من خلالها رسم ملامح المرحلة الجارية والقادمة من حيث التكتيكات القتالية والعملياتية وطبيعة المستهدف، تحت مسمى استراتيجية "الظهور والتلاشي"، والتي تعتمد على العملية المفاجئة التي تقوم على محدودية النطاق واتساع التأثير والبدائية في التكتيكات والأسلحة المستخدمة، وتحويلها إلى عمليات انتقامية أو استنزافية بعد أن كانت عمليات ذات أهداف توسعية، وأصبحت تعتمد بصورة أكبر على "الذئاب الغاضبة" وليس "الذئاب المنفردة"، حيث يسعى التنظيم عبر التكتيكات الثلاثة السابقة إلى تكوين "أهِلَّة داعشية" في بعض الأقاليم بقارتى آسيا وأفريقيا، وهو ما حاول تحقيقه خلال النصف الأول من العام الجاري 2021، بتأسيس ثلاثة "أهِلَّة داعشية"
1- الهلال "الداعشي" (الساحل الأفريقي): ويبدأ من نقطة الارتكاز في جنوب غرب ليبيا مروراً بتشاد والنيجر وشمال نيجيريا وشمال بوركينافاسو ومالي وصولاً إلى المحيط الأطلنطي، وهو ما يطلق عليه التنظيم الإرهابي "داعش غرب أفريقيا"، والتي تعتبر واحدة من أهم مناطق ارتكاز التنظيم وأكثرها نشاطاً من حيث عدد العمليات الإرهابية والعناصر التابعة للتنظيم. وقد أشارت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في التصريحات التي أدلت بها في 4 نيسان الجاري، إلى أنه من بين القتلى من قيادات التنظيم المحمود الباى الذي يلقب بـ"الكاري"، وكان يؤسس ويقود فرعاً جديداً للتنظيم في منطقة ميناكا التي تقع على الحدود بين النيجر ومالي.
2- الهلال "الداعشي" (وسط أفريقيا): وهو الهلال الممتد من الكونغو ويمر بموزمبيق ويصل إلى تنزانيا، وهى إحدى المناطق المستحدثة لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي في قارة أفريقيا، حيث يسعى التنظيم إلى توسيع نطاق هذه المنطقة لتصل إلى الصومال مروراً بكينيا، على نحو يمكن أن يجعل الهلال "الداعشي" الأوسط ممتداً إلى المحيط الهندي.
3- الهلال "الداعشي" (الآسيوي): تمكن تنظيم "داعش" من تنفيذ ثلاث عمليات إرهابية خلال شهرى نيسان وايار من العام الجاري، ضد قوات الأمن الهندية، في منطقتى ناتي بورا وسرينجار، على نحو أدى إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن الهندية، وهو ما توازى مع عمليات إرهابية أخرى قام التنظيم بتنفيذها في دول الجوار لاسيما أفغانستان، حيث يسعى إلى تأسيس محور "داعشي" آسيوي يمتد من الهند ويمر عبر كل من باكستان وأفغانستان ويصل إلى دول وسط آسيا.
اما الذئاب المنفرد في العراق فانها؛ طورت من اساليبها تبعا للتكتيكات الأمنية والعسكرية لقوات الامن العراقية، لذلك سلكت عدة أنماط وفقا للضرورة الحاق الأذى المفرط بالحكومة والمجتمع العراقي، وكانت تباعا وكالاتي:
1ـ الملاذات الامنة
بعد اعلان النصر على داعش في شهر كانون الأول من العام 2017 في الموصل تحديدا، ارتأت الجماعات المتفتتة من التنظيم الى إعادة هيكلة صفوفها، وكان على راس المهام هي إيجاد الملاذات الامنة في الجغرافيا العراقية المعقدة، فاختارات تضاريس صعبة للغاية تؤمن لها الحماية من العنصر الاستخباري المعلوماتي والوصول العسكري الأرضي، فذهبت حسب توزيعها الجغرافي الى مساحات متفرقة، منها:
ــ المناطق المتنازع عليها
اذ ينشط التنتظيم على شريط حدودي للمناطق المتنازع عليها بين المركز والاقليم لما لها من هشاشة امنية وضعف في التنسيق ووجود الفجوات والثغرات العسكرية، وهذ المناطق تمتد من شمال ديالى حتى الحدود العراقية السورية بواقع خط طولي يصل الى 500 كم، من خانقين على الحدود العراقية الإيرانية حتى القائم.
ــ محافظة كركوك
سلسلة جبال حمرين بين كركوك وديالى، وادي الشاي والتون كوبري، ناحيتا الرياض والرشاد التابعتين لقضاء الحويجة جنوب غربي المحافظة.
ــ محافظة صلاح الدين/
يثرب وبلد والدجيل جنوب محافظة صلاح الدين، ونواحي مدينة سامراء، وحتى قضاء الشرقاط في صلاح الدين، مستغلين طبيعة وجود البساتين الكثيفة، فضلا عن الطبيعة المعقدة لسلسلة جبال مكحول ونواحيها، كذلك صحراء ( صلاح الدين ـ الانبار ).
ــ محافظة ديالى/
قضاء المقدادية شمال شرق محافظة ديالى، وقضاء كفري اقصى الشمال الشرقي، سلسلة جبال حمرين شمال المحافظة الحدودية مع محافظة كركوك.
ــ محافظة الانبار/
الصحراء الرابطة بين محافظتي الانبار صلاح الدين، وصحراء الانبار شمالا باتجاه قضاء الحضر، والصحراء الشمالية الغربية بمحاذاة الحدود العراقي السورية، فضلا عن قضاء الرطبة ذو الطبيعة الجغرافية المعقدة وصحرائها.
ــ محافظة نينوى/
قضاء الحضر جنوب محافظة نينوى، وسلسلة جبال قره جوغ في قضاء مخمور جنوب غرب المحافظة، سلسلة جبال بادوش غرب المحافظة قرب قضاء تلعفر، وسلسلة جبال عطشانة غرب المحافظة أيضا.
ــ العاصمة بغداد/
قضاءا الطارمية والتاجية في شمال وشمال شرق العاصمة بغداد، وقضاء ابي غريب غرب العاصمة بمحاذاة محافظة الانبار، وقضاء اليوسفية جنوب غرب العاصمة، فضلا عن قضاء المحمودية جنوب العاصمة.
2ـ التعرضات غير العسكرية
انطلقت مطلع العام 2018 بخطف واقتياد المدنيين في المناطق النائية والاشرطة الحدودية بين المحافظات وبين المركز والاقليم، لتنذر باستئناف العمليات الإرهابية بعد فقدان التنظيم للتمكين " دولة الخلافة" في الداخل العراقي بصورة خاصة.
3ـ الاغارة والكمائن
بدأت عملية الاغارة والكمائن على افراد قليلين واحيانا فرد واحد من منتسبي القوات الأمنية، خاصة في الطرق الخارجية الرابطة بين المحافظة ومثلثات الموت، تم اتسعت رقعة العمليات الى الثكنات العسكرية والارتال الصغيرة ونقاط المرابطة، وكان منها الكمائن واستدراج القوات الأمنية الى مصائد وزوايا قاتلة.
4ـ مصادر التمويل البديلة
مصادر التمويل التي تُصنف على انها القلب المالي للتنظيم، وهي الاحتياج الأبرز للإرهابيين،لاغنى عنها حتى في الطرق البديلة التي اتبعها التنظيم، وكان على راسها فرض الاتاوات والتعرض للتجار والمدنيين (البلطجة) والتحويلات المالية المحدودة، ومعتمدي التمويل المالي الذين وقع اغلبهم في قبضة القوات الأمنية.
5ـ غزوات المناسبات
ركز التنظيم الإرهابي على ما يعرف بالغزوات خاصة اثناء المناسبات الدينية في (شهر رمضان، عيدا الفطر والاضحى، الزيارات المليونية) وكانت هذه الغوات شديدة الوقع في نفوس المدنيين والقوات الأمنية، ونسبت له نجاحا كبيرا في عملياته الإرهابية ولفتت الانتباه اليه.
6ـ اغتيال المصادر
منذ العام 2018 وصعودا حتى الوقت الحالي، عمد التنظيم الإرهابي الى اغتيال مصادر القوات الأمنية من المدنيين وعلى راسهم مخاتير المناطق والافراد المدنيين، الامر الذي دب الرعب في صفوف المتعاونين مع القوات الأمنية وانقطاع لمصادر المعلومات بصورة كثيفة.
7ـ ضربات العمق الديموغرافي
مثلت ضربات العمق الديموغرافي انتصارا حيا للتنظيم في ظل الواقع السياسي المتشنج، إزاء الخطابات الطائفية والتصادمية، فكانت مجزرة الهواشة ونهر الامام ضمن قضاء المقدادية في محافظة ديالى، وما تلاها من تحشيد طائفي وصدام ديموغرافي عكس الهجمات الناجحة للتنظيم وعزز تكتيكاته الإرهابية.
8ـ الاعلام البديل
التشديد من قبل وسائل التواصل على المحتوى الإرهابي، والعمليات الالكترونية التي قادهتها الأجهزة الأمنية قبالة النشاط الالكتروني الافتراض للتنظيم جعلهم يبحثون عن بيئة إعلامية بديلة، فكان اكبر تركيزه على طريقة الـ "هاشتاك" التي يطلقها المدونون في مواقع التواصل. واستغلوا بذلك الجيوش الالكترونية في العراق.
9ـ تجنيد العناصر المحلية
بعد طرد التنظيم الإرهابي من العراق، واجه التنظيم مشاكل كبيرة كان على راسها التجنيد، الامر الذي دعا قيادات التنظيم الى تجنيد الافراد المحليين خاصة من شريحة الشباب وكان معظمهم من ذوي مقاتلي التنظيم والقتلى منه بصورة خاصة.
10ـ الاستعانة بجهاديي الخارج
ويقسم هذا المفصل على قسمين:
الأول/
هم المتسللون من الجهاديين من الحدود الشرقية مع سوريا من الجماعات الجهادية السورية، والافراد المنضمين حديثا الى التنظيم الإرهابي.
الثاني/
الارهابيون المعتقلون في مخيم الهول، وقد تحدثت بعض التحقيقات الأمنية ان قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قد اخلت اعداد من مقاتلي التنظيم مقابل مبالغ مالية ووساطات، مما سهل لهذه العناصر العودة الى العراق خاصة انهم مطلعون على جغرافيا المنطقة.
التعثر السياسي ونهوض الإرهاب
يتمثل الإرهاب بعلاقة عكسية مع استتباب الامن، ويعتمد استتباب الامن بصورة رئيسة واساس على الاستقرار السياسي، ومن هنا فان ابرز مخرجات العمليات الإرهابية المتصاعدة هو تعثر العملية السياسية في العراق ووصولها للانسداد يفتح الافاق امام مسير الإرهاب والتطرف،
1ــ غياب كبيرللرؤية الحكومية الرسمية لمكافحة الإرهاب على المديين القريب والبعيد، والذي يوصف في أحيان بالغياب المتعمد
2ــ اهمال سياسي واضح للرؤى الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب التي تطرحها المراكز البحثية والاستشارية والأمنية والمدنية وتقصير وتلكؤ في تنفيذها.
3ــ غياب عنصر المواطنة بشكل لافت واحلال الهويات الفرعية بدلا عن الهوية الوطنية الام دفع شرائح من المجتمع للالتحاق بهوية التطرف.
4ــ غلبة الخطاب الشعبوي الرجعي على الخطاب المسؤول المؤسساتي، صنع كانتونات مدنية شاع بينها النبذ والاتهام، الامر عينه الذي صب في مصلحة الإرهاب.
5ــ ارهاق القوات الأمنية والعسكرية في قضايا داخلية سياسية، خاصة الاستخبارية والمعلوماتية منها، واشغالها بصراعات داخلية، واحراف وجهتها عن المسؤولية المناطة بها تجاه الإرهاب.
6ــ استفحال مخاطر موازية للارهاب كملفات المخدرات والصدام العشائري والجريمة زاد من اثقل كاهل مسؤولية الامن وشتت من تركيزه المفترض على الإرهاب.
7ــ خضوع الأجهزة الأمنية للمحاصصة ونتائج التغييرات الحزبية للعناصر الكفوءة والمختصة، فتح ثغرة امنية استغلها الإرهاب.
8ــ مساعِ إقليمية ودولية لدعم الإرهاب، ومساعِ أخرى موازية احتكرت المعلومة الاستخبارية ساهمت بايغال الإرهاب في الشارع العراقي.
9ــ التنافر الحاد بين المركز والاقليم انعكس بصورة سلبية تراتبية على التنسيق الأمني وتوحيد العمليات مما شكل فراغا بين الاتجاهين عشعشت به العناصر الإرهابية.
10ــ غياب الدماء الشابة التي عاصرت الإرهاب ميدانيا عن مراكز صناعة القرار الأمني، اقصار القيادة على اختيار الأحزاب للعناصر المقربة منها في أحيان كثيرة.
11ــ ولعل اخطر الأسباب هي تصنيف المواطن للحكومات على انها سبب تفشي الإرهاب، وتمييزها كعدو اول اخطر من الإرهاب نفسه.