(واقعية الولاية على المرأة )

المقالات
الباحثة / م.م زهراء عبد الخالق السلطاني
 
يقر العقل و الشرع والقانون للإنسان سلطته على نفسه ، وحريته في تصريف شؤون حياته، لكن ذلك مشروط بتوفر مستوى الإدراك والنضج ليكون مؤهلاً لاتخاذ القرارات النافعة له ، أو على الأقل غير الضارة به، لذلك تضع كل الدساتير والأنظمة شروطاً معينة وسناً محدداً يعترف من خلاله بالشخصية القانونية الاعتبارية للإنسان.
والزواج من أخص شؤون الإنسان ، والزوجان هما طرفا عقد الزواج ، وصاحبا الشأن فيه ، فقراره بيدهما ، هذا مع توفر الأهلية و الصلاحية ، أما مع النقص و القصور، فإن الشرع يفوّض القرار لأقرب الناس و احرصهم على مصلحة ذلك الإنسان، وهو ما يعبّر عنه بأولياء العقد، أي الأشخاص الذين لهم صلاحية إنشاء عقد الزواج للشخص الذي يفتقد أهلية التعاقد، أو يكون رضاهم وإمضاءهم شرطاً لصحة ذلك العقد .فبالنسبة للولد اذا كان بالغاً عاقلاً رشيداً فإنه يستقل بقرار زواجه ولا ولاية لأبيه عليه ولا يشترط إذنه ورضاه.
لكن الأمر يختلف بالنسبة للفتاة البالغة العاقلة الرشيد إذا كانت بكراً حيث يرى أغلب الفقهاء استمرار ولاية الأب عليها فلا تتزوج إلا بإذنه.
اثناء الخوض في غمار هذا الموضوع تثار لدينا اشكالات حقيقة تتعلق في أن آراء الفقهاء حول موضوع الولاية على المرأة البالغة كاملة الاهلية قد تشكلت في سياقات تاريخية واجتماعية مختلفة عن التي نعيشها في القرن الحادي و العشرين.
واقعا انه عندما جاء الإسلام لم تكن للمرأة في مجتمعات الجزيرة العربية حقوق تذكر، فقد كانت ملكاً للرجل بكل ما تعنيه الكلمة ، فهي على سبيل المثال كانت تُورَّث مثلها مثل الناقة والخيمة ، ولكن القرآن منحها حقوقا لم تكن تمنح لها في ذلك السياق التاريخي ، حيث باتت ترث نصف الرجل وشهادتها نصف شهادة الرجل وكان هذا بمثابة ثورة كبيرة على الأوضاع الاجتماعية السائدة في ذلك الزمن , ومنح الإسلام المرأة الحق في أن تتزوج ممن ترغب فيه , و منع إجبارها أن تتزوج بمن لا ترغب فيه بدون عذر شرعي وهو ما أطلق عليه تسمية العضل وذلك حمايةً للمرأة وصون لعرضها.
من المعلوم وكما ذكرنا أن آراء الفقهاء حول موضوع الولاية قد تشكلت في سياقات تاريخية واجتماعية مختلفة عن الواقع الحالي الذي نعيشه و من هنا يبرز دور القانون في تحديد التشريعات وتطويع القوانين بما يلائم وضع المجتمع حيث إن اشتراط وجود الولي في إكمال عقد الزواج هذه الولاية المطلقة بالإمكان ان تتحول إلى ولاية مشورة ونصيحة وتوجيه و اختيار الرجل المناسب لا ولاية تسلُّط و تحكُّم و استبداد, و اذا كانت المشكلة تكمن في ان البنت عند بلوغ 18 من العمر قد تكون غير مدركة لمصلحتها العاجلة و الاجلة والمتوقعة عند ابرام هكذا عقد فمن الممكن تحديد السن القانوني لرفع شرط الولاية في الزواج لسن 21 وبهذا العمر تكون المرأة واعية وناضجة لاختيار ما يلائمها و يناسبها ، ذلك كون أن المرأة صارت شريكاً للرجل في العمل و المجتمع ، واكتسبت حقوقا لم تكن تدر بخلد أولئك الفقهاء فصارت رئيسة للقضاء ووزيرة للخارجية كما نالت بعض النساء الولاية الكبرى (الرئاسة) , وإذا نالت النساء تلك الحقوق الكبيرة ، فإنه يصبح من غير المفهوم أو اللائق استمرار العمل بنظام الولاية المطلقة على المرأة البالغة الراشدة في هذا الزمان ، وهو ما يلزم المرأة العاقلة والراشدة بالحصول على موافقة وتصريح من ولي أمرها الذكر (والدها أو جدها) عند فقهاء الجعفرية , ويعطي بعض الفقهاء الولاية لأخيها ايضاً أو أحد أقاربها حسب الترتيب الشرعي ، بل وحتى إلى القاضي او ما يطلق عليه بالحاكم الشرعي فهو ولي من لا ولي له لتزويجها.