مخيم الهول أزمة العودة والبقاء

المقالات
حسيني الاطرقچي/ صحفي وباحث
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
احتضنت مدينة بيشاور النواة الاولى للتنظيمات الجهادية العالمية، ثم امتدت الى جغرافيا متغيرة
يُعتبر مكتب "خدمات المجاهدين العرب" الذي أسسه عبدالله عزام، في بيشاور -المدينة الافغانيةالحدودية- ليكون بيتاً لما يُعرف بالمهاجرين عام 1984، حاضنة التكفيريين الوافدين إلى أفغانستان، وشَكَّل المكتب بالتعاون مع "معسكر مأسدة الأنصار"، و"بيت الأنصار" 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن المدرسة الأساسية للمسلحين الأفغان.
بعد تحرير افغانستان من قبضة الاتحاد السوفيتي عام ١٩٨٨-١٩٨٩ لم يكن في حسبان المجتمع الدولي خطورة المرحلة القادمة، الخطورة التي كمنت في عودة المقاتلين الى بلدانهم -خاصة العربية منها- حاملين معهم فكرة الجهاد والتحرير واقامة حكومة اسلامية على منهج النبوة والسلف والحاكمية لله، الامر الذي هيّأ الارضية الخصبة لنشوء التنظيم الجهادي الاكثر دموية "قاعدة الجهاد الاسلامي" ما يعرف اختصارا بالقاعدة اواخر العام ١٩٨٩ والعام ١٩٩٠.ه
فضلا عن تمكن مقاتلي حركة طالبان من فرض النفوذ في افغانستان حتى تحولت هذه الحركة الى تنظيم رسمي بزعامة الملا محمد عمر الذي نقل طالبان الى منظومة حكم رسمية استولت على السلطة من العام (١٩٩٦ الى ٢٠٠١)
المرحلة الاخطر تمثلت في انتشار المقاتلين العائدين من باكستان في رقع جغرافية مختلفة من بلدانهم في دول العالم؛ مشكلين بذلك حركة جديدة تمثلت في الدعوية الجهادية في بلدان عدة على راسها مصر والسعودية والجزائر وجنوب افريقيا. كذلك الامر ينسحب على مقاتلي تنظيم القاعدة العائدين الى بلدانهم الام.
انتبه المجتمع الدولي الى خطورة ما يعرف بالمهاجرين، اي المقاتلين الذين التحقوا في صفوف تنظيم داعش بالعراق وسوريا، فكان رد الفعل على الخطأ التاريخي أنهم رفضوا عودتهم فضلا عم اسقاط الجنسية عنهم، كما عملت بهذا القرار اغلب دول اوروبا.
مخيم الهول العلامة الفارقة في امن العراق والمنطقة/
في أوائل عام 1991، إبان حرب الخليج، أنشأت المفوضية العليا مخيماً للاجئين على المشارف الجنوبية لبلدة الهول شرق سوريا ، وتم تشغيله بالتنسيق مع الحكومة السورية إلى جانب مخيم آخر في الحسكة، موفراً ملاذاً إلى ما لا يقل عن 15,000 لاجئ من العراق. في أعقاب حرب العراق 2003، أعيد افتتاح المخيم لاحقاً كأحد ثلاث مخيمات على الحدود السورية العراقية، عندما طرد العراق آلاف الفلسطينيين، بما في ذلك أولئك الذين طردوا من الكويت إبان حرب الخليج 1991، بعد طرد تنظيم داعش من الاراضي العراقية واعلان بيان النصر اواخر العام ٢٠١٧ اتجهت عوائل تنظيم داعش في الى المخيم، وانضمت لهم عوائل افراد التنظيم سوريو الجنسية تبعهم بذلك عوائل ما يعرف بالمجاهدين، اي عوائل افراد التنظيم غير العراقيين والسوريين، فيما اشرف على التنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الاصول الكردية والذي اصبحت فيما بعد قوة اقليمية شرقي سوريا.
اذ يقدر عدد اللاجئين في المخيم بسبعين الفا، غالبيتهم من النساء والاطفال مقسمين على ثلاثة تقسيمات، ١٠٠٠٠ الاف من المهاجرين و٦٠٠٠٠ الفا من العراقيين والسوريين
اتفقت الحكومة العراقية في مطلع العام ٢٠١٩ برئاسة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي مع بعثة الامم المتحدة على ارجاع جزء من اللاجئين الى مخيم "العَملة" ، ونظرا للتحفظات والتخوف المشروع من ارجاعهم الى المخيم أجلت الحكومة قرار ارجاعهم رغم الدعوات المتكررة من جانب بعثة الامم المتحدة.
مطلع العام الجاري إرتأت مستشارية الامن القومي برئاسة مستشار الامن (قاسم الاعرجي) ارجاع عدد من عوائل عراقية من مخيم "الهول" الى مخيم "الجدعة" في محافظة نينوى بالتداول مع بعثة الامم المتحدة في العراق وسوريا وقيادة التحالف الدولي، بعد دراسة مستفيضة تم البت بالقرار وسط مخاوف سياسية واجتماعية من عودتهم، اثمرت عن اعادة ١٠٠ عائلة، رفضت ست عوائل منها العودة فيما عادت البقية.
عوامل عدة، سياسية واجتماعية وحتى امنية تحفظت على قرار الحكومة بالعودة، حيث رفضت النائبة عن المكون العراقي الايزيدي (فيان دخيل) ذلك القرار وعدتها خطوة غير صحيحة، خاصة مع توجيه اتهام بصفقة كواليسية، الصفقة التي تحدثت عنها اطراف سياسية منها (ارشد الصالحي) رئيس لجنة حقوق الانسان النيابية، بان الحكومة طالبت باسترجاع ١٥٠٠ شخصية قيادية وغير قيادية في مخيم "الهول" ، بينما اقتضت الصفقة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتحالف الدولي من جهة والحكومة العراقية برئاسة مستشارية الامن القومي من جهة أخرى، اقتضت بارجاع كل العراقيين المحتجزين في مخيم الهول مقابل تسليم المطلوبين ١٥٠٠ عنصر، في الوقت ذاته تعلل الحكومة العراقية من خلال اطراف من بينها الهجرة والمهجرين بضرورة ارجاعهم الى حضن الوطن واطفاء النزعة الداعشية فضلا عن محاكمة المتورطين، كذلك الحصول عن معلومات اكثر وفرة عن التنظيم.
بقايا التنظيمات الارهابية قنابل موقوتة، في الداخل او الخارج على حد سواء، تتمثل خطورتهم في الداخل بتشكيل حواضن وتنفيذ عمليات مزعزعة للامن العام وامن المواطن ناهيك عن التبعات الاقتصادية والفجوات التي يشتغل عليها العوامل السياسية، وادخال البلد في حالة من الذعر.. أمّا ما يخص جهاديي الجارج من المقاتلين وذويهم فإنهم يشكلون قوة خط دعائي جهادي (دعوي) بين شرائح مختلفة، حتى تتشكل خلايا وجبهات وتكون تحت رعاية من جهات دولية مستفيدة تعمل على مشتركات جهادية دعوية او تعمل على رعايتها وتجييرها لتحقيق مآرب خاصة.. وعليه، فان الفكر لا يموت بل يتجدد ويتطور وفقا للظروف السياسية والاجيال الحاملة له، على الحكومة الحالية وخاصة الجهات المعنية منها ان تعي خطورة المرحلة الراهنة والمستقبلية، والاكثر هي الاستفادة من التجارب والدراسات المحيطة بهذا الشأن لايقاف التمدد الفكري المتطرف وليس انهاءه لانه غير قابل للاجتثاث. أو ستنتج لنا العملية السياسية الرخوة عزاما آخرا ومكتب خدمات آخر ايضا.