داعش والكاظمي.. معركة الرسائل العملياتية

المقالات
الباحث . محمد جابر الرفاعي
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية 

يعيش العراق أزمات في سياسته وإقتصاده ومجتمعه وفي ذات الوقت.. تتعرض مدن غرب البلد إلى تعرضات عسكرية تستهدف إنتشار القوات الأمنية بدفاعها وداخليتها وحشدها، لكن التعرض ليس التفجير الناسف، فقتل المقاتل يعد طبيعة من طبائع الحرب، ولكن التفجير هو خرق يستهدف بريئ أو "مرتد كافر" حسب ما يسميه تنظيم داعش وهذه التسمية هي سبب ذلك الإستهداف البشع.
لقد إستهدف داعش ساحة الطيران في واحد وعشرين من شهر كانون الثاني بحزامين ناسفين حملا رسائل عدة بين شظاياهما، إذ أن التفجير في عهد رئيس وزراء مدني كما كان يحدث في السنوات الماضية لا يشبه حدوثه في ظل وجود رئيس وزراء كان ولا زال رئيساً لجهاز المخابرات، ذلك الجهاز الذي ساهم بقتل الخليفة السابق وبعض القادة وإعتقل أبرز المقربين منه ومن ضمنهم عديله وأخ الخليفة الحالي. أولى تلك الرسائل أرسلها الخليفة الحالي عبد الله قرداش للرئيس الكاظمي وصلت نصية وشديدة عبر حزامين ناسفين بينهما دقائق لينفجرا في عاصمة ومقر ذلك الرئيس كثأر لمقتل الخليفة البغدادي السابق وكأنه يقول "تأخُر الرد لا يعني نسيانه أيها الكاظمي" وثانيها لإعتقال أخيه وثالثها إعلان فتح ساحة مبارزة عملياتية شعارها "تعتقل؛ أفجر مواطنيك، تقتل؛ أهاجم قواتك". ولم تقتصر الرسائل على شظايا ساحة الطيران فقط؛ فقد أرسل بعدها بيومين رسائل رصاص من خلال تعرضات شرسة على قوة الحشد الشعبي المرابطة في العيث شرق محافظة صلاح الدين ومعناها "أضرب مدنييك مرة وأخرى أفتك حشدك، ثم يرد حشدك بإعتقال المشتبه بهم فيتألب السكان وتحدث الفوضى الإعلامية والسياسية والمجتمعية فتنشغل بها فأعيد بناء عناصري أمنياً ولوجستياً".
أستلم الكاظمي الرسائل وقرأها حرفياً فقرر الرد بعملية "ثأر الشهداء" ثأر لشهداء الطيران والعيث، نُفذت بوساطة جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات وقيادة العمليات المشتركة وطيران التحالف الدولي بأكثر من مدينة: بغداد، باب المعظم، الأنبار، عامرية الفلوجة، كركوك، دور الفيلق، الطارمية، الرضوانية، الكرمة، هيت، اليوسفية، العظيم، الرطبة، وادي الشاي أسفرت عن قتل ثلاثين إرهابياً من كبار القادة: والي العراق ونائب الخليفة العيساوي، سبعة عشر مساعد لوالي العراق، مسؤول الطبابة في العراق، مسؤول الجهد الهندسي في العراق، مسؤول الإتصالات والأجهزة الإلكترونية في كركوك، أمينا مخازن، أربعة حراس مضافات، والي الجنوب أبو حسن الغريباوي، المسؤول العسكري لصحراء الرطبة، المسؤول عن نقل الإنتحاريان اللذان فجرا ساحة الطيران، وإعتقال أربعة عشر عنصر إرهابي ليكون عدد معتقلي وقتلى عملية الرد "ثأر الشهداء" أربعة وأربعون إرهابي.
فصار رد الكاظمي "تبعث حزامان ناسفان؛ أقتل واليهما، تقتل آمر فوج في حشدي؛ أقتل قادتك في العراق وأبرزهم الغريباوي وأنت تعرف حجمه عندك" فيختم رسالته "تقتل ثلاثة وأربعون بين مدني ومقاتل؛ أقتل وأعتقل أربعة وأربعون قائداً وبارزاً"، ويمكن إختزال معرفة وفك شفرة تلك الرسائل السابقة من خطاب الرئيس الكاظمي بعد حادثة الطيران مباشرة الذي قال بالحرف "ردنا على من سفك دماء العراقيين الطاهرة سيكون قاسياً ومزلزلاً وسيرى قادة الظلام الداعشي أي رجال يواجهون" حيث إن أُخضع كلامه لتحليل خطاب يكون معناه: القسوة والزلزلة.. مصطلحان يُقالان عندما تجتمع عواطف قائلهما بصيغة التأثر والتأثير أو الفعل وردته في وقت واحد وحسرة واحدة، سيرى قادة الظلام الداعشي.. واضح كلامه أنه يتعامل مع القادة وسيقتص منهم إذ لم يوجه خطابه للتنظيم بشكل عام وكأنه يقول أنا المستهدف الأول، أي رجال يواجهون.. وهنا كان تحديه لهم شخصياً وليس رسمياً، ومنذ ذلك الرد أعلاه وبعد قراءة ما بين طياته كنت أنتظر تكملة سلسلة الرسائل بين الرئيس والخليفة ما دام رصيد الثأر لم ينفد، وبالفعل حدث ما حدث أخيراً وإنتهت أو توقفت بالتعبير الأدق الرسائل العملياتية حتى كتابة هذا المقال بهكذا حجم ولغة.

ورقات عدة، سياسية داخلية ومنها خارجية قد يستثمرها تنظيم داعش لتبرير نشوء سلالة جديدة ونمو متصاعد في المنطقة العربية ـ حسب الاستطاعةـ ،منها؛ الاستفادة من تصادم الفرقاء السياسيين وشر الغسيل الاسود لبعضهم البعض في وقت تناسى فيه السياسيون ان هذه التنظيمات قد تخمل وتتلاشى لكنها لا تنتهي رسميا؛ نظرا لاعتماد التنظيمات هذه على القاعدة الجهادية العقائدية وليس الولاة والخلفاء والقادة ، الذين يتم استهدافهم بين الحين والاخر. ولعل ابرزها ملف المغيبين الذي تساوم به شخصيات سياسية وتلوح به بالقياس والتزامن مع اعلان موعد الانتخابات والمتغيرات السياسية الداخلية، الملف الذي يراد منه اذكاء الصراع اكثر مما هو الوصل الى الحلول والنتائج، اذ تشير منظمة هيومن رايتس ووتش ـعلى سبيل المثالـ الى ان اعداد المفقودين في العراق منذ اعلان التنظيم في حزيران 2014 الى الان بلغت قرابة 14000 مغيب، فيما تبارت شخصيات سياسية وكتل لتحميل الفراقاء الاخرين مسؤولية هذا الملف، مما زاد من امكانية التجنيد وتعاطف الطبقات المغرر بها مع التنظيم، كذلك توليد شحنة جهادية ثارية في المناطق الخاضعة لبعض القوى المسلحة المتاخمة لمساحات جغرافية معروفة بولائها لتنظيم داعش، مما يمهد لمد داعشي في ملف الاستقطاب والتجنيد وتفيذ عمليات عسكرية ضد مدنيين وعسكر ومنشأت حكومية، كثف بها التنظيم وجوده وعديده وعدته، فيما ياتي التنافس بين تنظيمي "القاعدة وداعش" لاثبات الوجود والاستحواذ عاملا مهما في استمرار تنفيذ عمليات عسكرية يتبناها تنظيم داعش للاعلان غير المباشر عن عائدية الجغرافيا الجهادية وعدم السماح لتنظيم "القاعدة" من تحصيل انتصارات تمهد لنشاط التنظيم في الجغرافيا الجهادية المتنازع عليها.

الخاتمة 
الافكاربمختلف مناشئها، تبقى حية وهائمة كالارواح، بانتظار الوسائط الحاملة، فيما تقف بوجه الرصاص، فالرصاص لا يقتل الافكار؛ انما يقتل الحامل لها، لتنتقل الى حامل جيلي اخرعبى المدى البعيد والمتوسط والقريب
الانباء السارة، اذا ما قُرنت بديمومة التطرف تتحول الى لحظات أنية مفرحة، تليها الساعات الطوال الشاقة، هذا ما لمسه العراق بعد القاعدة فيما كانت القاعدة نفسها تمر بمخاضات ولادية انجبت داعش التنظيم الاكثر تعقيدا، فيما يتنافس التنظيمان ولاديا في فترتي مخاض خاصة لينتجا ولادتين منفردتين او ولادة هجينة تجمع ما بين الاستراتيجية والتكتيك والجيل العالمي " الجيل المعولم للتنظيمات الجهادية".
على صنّاع القرار لزاما وليس وجوبا ـ وفق ما يقتضي المنهج الاستدلالي ـ الاخذ بعين الاعتبار كافة العوامل المنجبة للتيارات المضادة؛ من عوامل سياسية وعقائدية واجتماعية وجغرافية، تبدا من العلاقات الخارجية الى العلاقات الداخلية الشانية الخاصة، عليهم وضع الوقاية المستقبلية المستدامة وفق اطر مدروسة وعقلائية تتمثل ببرامج اطفاء التمرد ونزع التطرف وما يسمى عالميا بـ"الاطفاء"،  واذا ما ظل تصنيف هذه البيئة كبيئة جاذبة للتيارات الراديكالية المتطرفة فليس هناك من غرابة اذا تدحرج عكسيا  الملف العراقي نحو الافغنة، البيئات هي انعكاس للسياسيات المحلية والاقليمية، وفي بلد كالعراق تعصف به الرياح الاقليمية فقد يجند نفسه يوما عراقا ليس للعراقيين فيه مأوى او كلمة.

وسيواجه المجتمع الدولي مخاطر على المدى القصير والمتوسط والبعيد إذا ما أسأنا إدارة هذه التحديات. فمحاربة التطرف هي مشكلة ستستمر لأجيال. وتُعتبر حادثة المقاتل الإرهابي الأجنبي الإندونيسي الذي قُتل في سوريا في عام 2018 - وهو نجل أحد الانتحاريين في تفجيرات بالي في عام 2002 - خير دليل على أن سوء التعاطي مع المظالم قد يؤجج عملية غرس الأفكار الراديكالية في نفوس هؤلاء المقاتلين وتجنيدهم على نحو مستمر.  
"مصدر سابق"