الطلاق والحرمان من الوثائق الرسمية الخاصة بالاطفال

المقالات

"الطلاق" والحرمان من الوثائق الرسمية الخاصة بالأطفال

أ. مصطفى جواد الكريم 

تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرّب في الإسلام بالفرقة، فهو انفصال الزوج عن زوجته، ويقضي على ما بين الزوجين من مودة ورحمة والفة، له اسباب كثيرة، منها الحقيقي ومنها التافه "وهو الغالب"، تنتهي معه كل حلول الارض، ولا يأخذ بسببه بحلول السماء، الا من رحم ربي.
غالبا ما يكون الاطفال ضحية للطلاق، فيتعرض لاقسى انواع الضغوط النفسية حرم من ابسط حقوقه، وصودرت احلامه، ومن جملة الحقوق اللصيقة بالانسان والتي لا يجوز حرمانه منها هو حق التعليم، ولا يعتبر حق التعليم امتيازاً، بل هو حق من حقوق الانسان واهمها، اذ لا يمكن او من الصعوبة لباقي الحقوق ان تعمل بدونه، ضمنته الشريعة السمحاء، وبالغت في التعريف بأهميتها ورفعت من شان المتعلمين واصحاب العلم، ففيها لا يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، ويرفع الله اللذين اوتوا العلم درجات.
وكان للتعليم في الشرائع الوضعية مساحته، فنصت في ايجابه المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، ومنها القوانين والدساتير العراقية، حيث جاء في دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005: "التعليم عاملٌ اساس لتقدم المجتمع وحقٌ تكفله الدولة، وهو الزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الامية، والتعليم المجاني حقٌ لكل العراقيين في مختلف مراحله" م34، واوجب على والدي الاطفال تمكينهم وتوجيههم للتمتع بهذا الحق، "فللأولاد حقٌ على والديهم في التربية والرعاية والتعليم" م29.
نظم المشرع العراقي العملية التربوية والتعليمية بعدة قوانين شملت كافة مراحل التربية والتعليم، من مراحل ما قبل الابتدائية الى اعلى المراتب العلمية ما بعد الشهادة الجامعية الاولية، وجعل هذا التعليم مجانيا فضلا عن السماح للقطاع الخاص بالاستثمار من خلال انشاء المؤسسات التربوية والتعليمية الخاصة لاغراض ربحية فضلا عن الخيرية. وجعل التمتع بهذا الحق قائما على اساس المساوات وعدم التمييز بين مختلف ابناء الشعب.
وجعل المشرع العراقي بموجب قانون التعليم الالزامي رقم 118 لسنة 1976 التعليم في مرحلة الدراسة الابتدائية مجاني والزامي لجميع الاولاد الذين يكملون السادسة من العمر، عند ابتداء السنة الدراسية، او في 31/12 من تلك السنة، ويلتزم ولي الولد بالحاقه بالمدارس الابتدائية، عند اكماله السن المنصوص عليه في الفقرة اعلاه واستمراره فيها، لحين اكمال الولد مرحلة الدراسة الابتدائية، او الخامسة عشرة من عمره، وولي الولد لاغراض هذا القانون كل من تكفل برعايته، م1. ويفهم من هذه النص، ان على اب الطفل او أي شخص كان ملزما بحكم القانون رعايته ان يعمل على تسهيل حصول الطفل على حقه في التعليم وان لا ياتي أي فعل من الافعال التي تؤدي لا تضييع هذا الحق.
غالبا بعد حصول الطلاق او الخلاف والفرقة بين الزوجين يتعرض الاطفال الى سلب حق اخر من حقوقهم اللصيقة بشخصيتهم، الا وهي الامتناع من تمكين الاطفال او من يقوم على رعايتهم استعمال وثائقهم الرسمية في معاملاتهم ومن اهم هذه المعاملات - المتعلقة بالطفل – تسجيله في المدرسة لغرض تمكينه من التمتع بحقه في التعليم، واثيرت قبل مدة يسيرة حالة ما اذا كان الاب بعد الطلاق او الفرقة قد امتنع من اعطاء الام او من تكفل برعاية الطفل الوثائق الرسمية (المستمسكات) ومن ضمنها الخاصة بالطفل اللازمة لاتمام عملية تسجيله في المدرسة، اذ لا يمكن لادارة المدرسة استقبال الطفل وتسجيله ضمن القيود بدونها، اذ ان الوثائق الرسمية هي وثائق يمكن استخدامها لإثبات هوية الشخص، ولا يمكن ذلك بدونها، وبالتالي يحرم الطفل من التسجيل، مما يؤدي بالنهاية الى تخلفه عن مقاعد التعليم وحرمانه من التمتع بحقه في التعليم.
لم يجرم المشرع العراقي فعل الاب الذي يحتفظ بالوثائق الخاصة بالاطفال او من هم تحت ولايته مع الامتناع من تسليمها الى الام او من يقوم برعايتهم، ووجدنا سوابق قضائية في موضوع مشابه، اذ تم بموجبها الافراج عن الاب وغلقت القضية لعدم وجود نص قانوني يجرم فعله، واشارت السوابق الى ان المادة 299 من قانون العقوبات قد اختصت بالاستعمال او الانتفاع بالمحررات صادر لغيره، ولم تختص بحالة الامتناع عن تسليمها، كذلك عللت ان احتفاظ الاب بالوثائق جزء من واجباته المنوطة به في المحافظة عليها، فلا يشكل فعله جريمة.

ووجهة نظرنا في هذه الحالة ان فعل الاب متكون من التفصيل الاتي: (امتناع، عدم اداء واجب، تضييع حق دستوري)، والامتناع في قانون العقوبات هو ان يقوم شخص عمدا بالامتناع عن اداء واجب فرضه عليه القانون او الاتفاق قاصدا احداث الجريمة التي نشات عن هذه الامتناع او توقع حصول نتيجة اجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا المخاطرة بحدوثها، م34، اما اداء الواجب المكلف به فتمثل بامتناعه باداء واجبه الذي فرضه عليه الدستور والتشريع كما اسلفنا، وكان فعله هذا ادى الى تضييع وهدر حق دستوري للطفل في حصوله على التعليم اللازم.
واذا عدنا الى قانون التعليم الالزامي رقم (118) لسنة 1976، نجد ان المشرع العراقي قد الزم ولي الطفل بالحاقه بالمدارس الابتدائية، عند اكماله السن المنصوص عليه في الفقرة اعلاه واستمراره فيها، لحين اكمال الولد مرحلة الدراسة الابتدائية، او الخامسة عشرة من عمره، م1/ ثالثا، وفي نفس القانون ذهب المشرع الى المعاقبة بغرامة لا تزيد عن مائة دينار، ولا تقل عن دينار واحد، او بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن اسبوع واحد، او بكليهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، اذا خالف ايا من احكامه، وتكون العقوبة بالحبس فقط، عند تكرار مخالفة احكام هذا القانون، م13.
فبهذا يكون للمحكمة عند تقديم الشكوى لها ان تنظر القضية من هذا الجانب، وان لا تنظر للقضية قيام اب بالاحتفاظ والمحافظة على وثائق رسمية عائدة لمن تحت ولايته، فالاب في هذه الحالة كان عالما بسبب الحاجة الى الوثيقة وعالما بان امتناعه عن تسليمها سيؤدي الى مخالفته واجبه بتسجيل الطفل في المدرسة من جانب وحرمانه من حق قرره الدستور من جانب اخر، وقد قبل المخاطرة بحدوث النتيجة، وهذه النتيجة يقينية لا احتمالي وقد اتجه قصده ابتدا الى حرمان الطفل من وثائقه وتعدت النتيجة الى حدوث نتيجة اخرى كانت متوقع يقينا بان يتخلف الطفل عن مقاعد الدراسة ومباشرة التمتع بحقه بالتعليم بسبب امتناعه.
لذا لزاما على كل ذي سلطة بتطبيق القانون وايقاع العقوبات ان لا يسمح لمثل هذه الحالات ان تمر بلا رادع لمرتكبها، فعدم الافلات من العقاب وفرضه يحقق رادع حقيقي لكل من تسول له نفسه سلب الاخرين حقوقهم او تضييعها.