تنازع الاختصاص في قرارات الهيئات القضائية الاتحادية

المقالات

                 "تنازع الاختصاص في قرارات الهيئات القضائية الاتحادية"

                                     

                                           بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 

في سابقة قانونية أصدرت محكمة التمييز الاتحادية قراراها المرقم (4/هيئة عامة /2024) في 29/5/2024 المتضمن اعتبار قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (102/اتحادية / 2024) في 15/4/2024 معدوما لا يرتب اثرا قانونيا في سابقة لم يشهدها القضاء العراقي مسبقا في تساؤل يثار عن مدى صحة ما تم تداوله من تجاوز المحكمة الاتحادية لصلاحياتها القانونية الوارد ذكرها في نص المادة (93) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمتضمنة الرقابة على دستورية القوانين وتفسير النصوص الدستورية والفصل في القضايا الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية والنظر في المنازعات التي قد تنشأ بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات الغير منتظمة في أقليم وفي هذا الاطار لا يندرج تعديل النصوص القانونية ضمن تلك المهام لكون تلك المهمة مناطة بالسلطة التشريعية حيث ترى محكمة التمييز الاتحادية ان قرار المحكمة الاتحادية انف الذكر يعد تعديلا لنص المادة (35/ رابعا /4) من قانون التقاعد النافذ والذي يعد خروجا عن أختصاصها بموجب أحكام الدستور ، وتفسيرا لذلك تجد محكمة التمييز الاتحادية ان لها الولاية المطلقة على أي حكم قضائي بناء على نص المادة (12) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 والتي تمنح محكمة التمييز الولاية العامة على أي حكم قضائي صادر من أي من جهة ، الا ان التساؤل الذي يثار هل يعلو قانون التنظيم القضائي المشار اليه انفا على أحكام الدستور ؟ الا يمثل قرار محكمة التمييز الاتحادية تعارضا مع نص المادة (13) من الدستور والتي منحت النص الدستوري السمو والعلو والالزام عن غيره من النصوص القانونية؟

ان اصدار محكمة التمييز الاتحادية حكمها موضوع البحث قد اثار موجة من الخلاف القانوني وتباين الآراء والتفسيرات مع اختلاف الروئ والتوجهات بهذا الصدد ، فبين مؤيدٍ بدواعي تطبيق روح القانون، و معارض بحجة الزامية وبتات احكام المحكمة الاتحادية وعدم جواز التعقيب على ما تصدرهُ من احكام وتفسيرات  قد يكون من المفيد الاشارة الى بعض الجوانب الفنية المتعلقة بالموضوع للخروج بمحصلة في ضوء المعطيات القانونية .

اولا: الانعدام كجزاء اجرائي يلحق بالعمل الاجرائي لا ينتج اي أثر قانوني، لفقدان أحد العناصر اللازمة والتي بغيرها لا يمكن ترتيب الاثار القانونية الخاصة به.

وعلى ذلك فان فقدان احد اركان هذا الاجراء يترتب عنه انعدام الوجود القانوني له وعدم امكانية مباشرته باي شكل من الاشكال لتحقق الانعدام فيه

حيث إن من خصائص جزاء الانعدام عدم الحاجة الى تقريره، فهو غير موجود اصلا ومظهر عدم الوجود يتجسد بالانعدام، وبالتالي فليس هناك ضرورة الى اعدام الحكم المنعدم، فهو يترتب بقوة القانون، ومع ذلك فإن الحكم مع انعدامه قد يمس المراكز القانونية في الدعوى، الامر الذي يجعله صالحا  ليكون محلاً للطعن امام القضاء من خلال اقامة دعوى اصلية لتقريره ، وتبعا لذلك يعد سلوك المحكمة الاتحادية العليا تعد والقضاء بما يقع خارج صلاحياتها ومن هذا المنطلق يعد توجه محكمة التمييز تطبيقا للدستور والقانون ، دون ان يفوتنا الإشارة الى ان الأولى سبق وان خرجت عن صلاحياتها في أصدارها لقرار تقسيم الدوائر الانتخابية في أقليم كردستان في الدعوى المرقمة (83) وموحدتيها (131و185/اتحادية /2023).

-   وعلى الرغم من ان المحكمة الاتحادية في قرارها المرقم (١٥٨/اتحادية/٢٠٢٢ ) في ١٦/٨/٢٠٢٢ قد بينت ضوابط العدول الذاتية عن الاحكام مستندة الى نص المادة (45)  من النظام الداخلي رقم( ١ ) لسنة ٢٠٢٠ والتي تضمنت على انه ( للمحكمة عند الضرورة وكلما اقتضت المصلحة الدستورية ان تعدل عن اي مبدا سابق…) والعدول هو استثناء مقرر على مبدا استقرار المبادئ القانونية تبرره الضرورات، وتأسيسا على ذلك لا بد من الإشارة الى ان المشرع العراقي سبق وان تصور ان تثور مسائل التنازع في ظل النظام القضائي قبل صدور التعديل الثاني رقم (106) لسنة 1989 لقانون مجلس شورى الدولة حيث قضى انه في حال حصول تنازع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري ومحكمة مدنية تعين الجهة المختصة هيئة قوامها سبعة أشخاص يختارهم رئيس محكمة التمييز ، ونجد انه من هذا المنطلق قد استضاف رئيس مجلس القضاء الأعلى (فائق زيدان) اجتماعا مشتركا ضم نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ورئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية بحضور رئيس الاشراف القضائي والذي تم الاتفاق خلاله على الالتزام بما نص عليه الدستور والقوانين النافذة التي حددت أختصاص المحكمتين مع تشديد السيد رئيس مجلس القضاء على انه في حال التوجه للاجتهاد القضائي بما لم يرد به نص دستوري او قانوني يصار الى عقد أجتماع  مشترك للوصول الى رأي قانوني متفق عليه ، وهو ما نميل الى تأييده حيث ان بناء الدولة القانونية لا يكون بتحصين القضاء ومؤسساته.