المرجعية المؤسسة للخطاب الديني

المقالات

                       المرجعية المؤسسة للخطاب الديني

                                       د. شيرين كاظم غياض


يعد القرآن الكريم المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي؛ لذا كان وما زال الخطباء والدعاة يستندون إليه في استنباط احكامهم, والاحتكام اليه في اختلافهم حول مسألة ما وهو الاصل الذي تدور حوله الاجتهادات المختلفة للفهم الديني
.
وقد عرف القرآن الكريم بإعجازه؛ لما فيه من اسلوب "تصويري عجيب في ايصال المعاني متجسدة؛ فأذهل ارباب البلاغة..., ووجدوا انفسهم امام خضم زاخر من القول المعجز الذي ما ان تصافح كلماته اسماعهم, حتى تمس شغاف قلوبهم وتستقر في اذهانهم بما تضمنت من معانٍ صفت من معانٍ قيمة مفاهيم جديدة".
ويظهر اعجاز القرآن مواكباً لكل عصر، بل هو اكبر من ان يحيط به عصر "واعظم من ان يستوعبه جيل من الاجيال, فلئن اشرف الجيل الأول على قبس من اعجازه فإن الاجيال من بعده ما تزال تنهل من معينه الذي لا ينضب".
فما تزال وجوه الاعجاز فيه متجددة ومبتكرة وكأنها لا تنفد, قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}.
ومما يعزز هذا الكلام قول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم): "ان الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الامة أمر دينها".
ولما كان القرآن الكريم المرجع الأول والاساس للخطاب الديني, الذي يؤدي بدوره وظيفة حمل رسالة يجب تأديتها وفق اسس منهجية واساليب واستراتيجيات متطورة ومختلفة عن السابق إذ أن "مضامين الخطاب الديني اليوم هي ليست نفسها مضامين الأمس لا من حيث الرؤى ولا من حيث التصور" .
_السنة النبوية:
وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي, وتأتي تالية للقرآن الكريم من حيث التربة والاستدلال بها على الاحكام الشرعية واستنباطها منها.
ولو عدنا الى الخطاب الديني في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لوجدنا وعلى الرغم من سهولة وبساطة الوسائل المسخرة آنذاك الا ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) انتقى افضلها، وتنوع في اساليبها بغية تحقيق الدعوة الى الله "وقد نجح (ع) ايما نجاح ومن بعده صحابته (رضوان الله عليهم) وبعدهم التابعين الذين ساروا على نهجهم... فهذا التنوع في الوسائل والاساليب وفي ازمنة الخطاب بحسب مقتضيات وظروف كل مرحلة زمنية هو من قبيل الابداع النبوي" .
رأى المسلمون الأوائل ونتيجة لإيمانهم بالدين الإسلامي وعدّه اساساً, ومقياس للنظرة الى الغيب والى الحياة الإنسانية معاً لذا " ربطوا ربطاً عضوياً بين الدين وتنظيم الحياة من جهة, وبينه وبين اللغة والشعر والفكر من جهة ثانية" ().
وبما ان الدين نطق باللغة العربية ونزل في قريش, لذا جعلوا من القرشية شرطاً لصحة الامامة, وجعلوا من النموذج الكامل للغة ،اي ما تمثل بالشعر الجاهلي مقياساً ،لكل شعر يأتي بعده.؛" وهكذا قرنوا الفكر والسياسة بالدين, فصحة الموقف السياسي تقاس بصحة الدين, وصحة الشاعر (والمفكر بعامة) تقاس كذلك بصحة دينية...".
    إن الخطاب يسعى الى تحقيق اتصال تحاوري مع الآخر ، ضمن الواقع والحقيقة الاجتماعية ، ولا يمكن أن يكون ذلك الا بوساطة مبدع للخطاب ومتلقيه ، ولهذا فهو يكتنف بعدين جوهريين : بعد اجتماعي ، وآخر ثقافي ، وهو بهذا يخلق شبكة من العلاقات التواصلية بين افراد المجتمع ، علاقات ليست اعتباطية عارضة ، او خالية من منطق داخلي ، بل  هي عملية هادفة واعية . 
  ومن الجدير بالذكر ، أن المكون الأساسي للخطاب الديني ، هو : الرسالة من حيث المحتوى والمضمون ، والمرسل :وهو الفرد الذي تقع على عاتقه مسؤولية توصيل مضمون الخطاب الديني ، والمستقبل : وهو الجمهور الذي توجه اليه الرسالة