المدن الحضارية وتطبيق القانون "المسحرچي"
المدن الحضارية وتطبيق القانون
"المسحرچي"
د. محمد نعمة الغالبي
احاول كل ليلة ان انأى بنفسي عن الاشارة لظاهرة "المسحرجي" والجوق الموسيقي المرافق له، على اعتبار انها ظاهرة عابرة تنتهي بنهاية الشهر الفضيل، او قد يسترزق منها ممتهنيها عندما يحضرون صباح يوم العيد ليجمعوا العيدية..
لقد سلبت الكثير من الظواهر الفلكلورية رونقها وادائها الدافيء، لينال منها الصخب والفوضى، فبعد ان كان للمسحرچي مهمة ايقاظ الناس، عندما كانوا يغطون في النوم العميق عند اول الليل!!
متجولاً في الحارات وازقة الاحياء بطبل صغير ومردداً مقطوعات من التواشيح بصوت رخم دافيء يساعدك على الاستيقاظ لاداء طقوس شهر رمضان العبادية..
امست الفرق الموسيقية الفوضوية التي تقرع اكثر من طبل ويرافقها نفخ بالبوق مصدراً صوتا يصم الاذان ، ويدب الرعب وكأنه اعلان حرب، او يدعو سامعيه للخروج من الاجداث، اذ يتناوب على الآلات مجموعة من الفتية، للحفاظ على نسق الايقاع المفزع، ولم ينته المطاف عند جوق موسيقي واحد، بل ما ان تنتهي مجموعة الا وظهرت أخرى، وتستمر الفرق الجوالة بادائها هذا بفارق ساعة او اقل، احصيتها ثلاثة او زادت عن ذلك في بعض الليالي.
هذا الاداء البعيد عن الفلكلور الشعبي الديني والبعيد عن الذوق العام، مما قد جرمه القانون ..
ولو كان للادارات المحلية لمسة من الضبط والتنظيم لاستطاعت الحفاظ على الذوق العام .. فمن غير الممكن ان يترك كل شيء لذوق عوام الناس، لتعم الفوضى ويفرض كل من هب ودب سلوكياته رغماً عن الجميع، فحرية الفرد تنتهي عند مساسها بحرية الجماعة، والحرية تتحول الى فوضى ما لم تؤطر باطار الضبط! فالتشريعات القانونية رغم قدمها الا انها عالجت ظواهر الازعاج جميعا للحفاظ على السكينة العامة، التي هي من مهام الادارة الضبطية، بعد الامن والصحة العامة.
مع الاشارة الى ان هنالك بعضا من نصوص قانون العقوبات العراقي قد جرمت العديد من الظواهر اليومية التي تصادفنا، والتي عدها المشرع ظواهر غير حضارية وبالتالي جرمها بنصوص واضحة لا تقبل الشك، ومع ذلك نراها تنامت وتأصلت بالمجتمع بسبب اهمال الادارة لواجباتها، مما جعلها مساهما فاعلا، اي الإدارة، في ترسيخ الفوضى في المجتمع وابعاده عن النظام الحضاري.
ومن المظاهر التي جرمها قانون العقوبات العراقي ما نصت عليه المادة 363 منه بان
"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين من تسبب عمدا في ازعاج غيره باساءة استعمال اجهزة الاتصال السلكية او اللاسلكي"، والمادة 488 والتي جاء فيها "يعاقب بغرامة لا تزيد على خمسة دنانير:
اولا – من تجول لعرض بضاعة في الطريق العام او في الاماكن المخصصة للمنفعة العامة الممنوع فيها ذلك بامر من السلطة المختصة او في الاوقات المعينة لذلك من قبلها.
ثانيا – من دعا في الطريق العام لترويج بضاعته بالفاظ او اصوات مزعجة.
ثالثا – من غسل في طريق عام سيارة او عربة او حيوانا وترتب على ذلك زحام في الطريق العام او ازعاج للمارة فيه".