استراتيجية الدم (الضاحية - غزة) عند اسرائيل
استراتيجية الدم (الضاحية - غزة) عند اسرائيل
حسيني الاطرقجي
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
كانت حرب العام 2006 حربا مفصلية وتحولا في المشهد الشرق اوسطي بين حزب الله اللبناني والكيان الاسرائيلي، اعادت تشكيل رؤى "جبهات المقاومة" وصنعت استراتيجيات جديدة عند اسرائيل، معتمدة على تفكيك المقاومة وزرع الماكنة التجسسية عند الخط الثالث لدى الكوادر المتقدمة في جبهات المقاومة ومنها حماس على وجه الخصوص، ومنذ ذلك التاريخ بدأت اسرائيل بتعزيز عمليات استهداف القادة واستبقت هذه العملية اغتيال احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في العام 2004 وصولا الى اغتيال صالح العاروري.
بعد ان وضعت حرب العام 2006 اوزارها، قفز الى المشهد احد الضباط رفيعي المستوى في ما يعرف بجيش الدفاع الاسرائيلي (غادي ايزنكوت) والذي شغل فيما بعد منصب رئيس اركان الجيش ثم تدرج حتى اصبح عضوا في الكنيست الاسرائيلي، وضع ايزنكوت "استراتيجية الضاحية"، في سنة 2008 وبعد سنتين من الحرب، قام بالتاسيس لنظرية الدم، بالقول "أن إسرائيل لن تقوم مرة أخرى بإزعاج نفسها من خلال اصطياد عشرات مطلقي الصواريخ الذين يريقون الدم الإسرائيلي، بل يجب على إسرائيل استخدام القوة غير المتكافئة على القرى اللبنانية بغض نظر عن الاحتجاج العالمي،من وجهة نظرنا فإن هذه القرى (تقريباً 160 قرية شيعية) لا تضم مدنيين بل هي عبارة عن قواعد عسكرية".. بمعنى آخر ان اسرائيل ستخرق قواعد الاشتباك والقانون الدولي الانساني دون اعارة اي اهمية للمدنيين باعتبار مناطق الخصم المدنية "اراضي محروقة".
هذه الاستراتيجية نفسها استخدما الكيان مع غزة بتغيير طفيف في المسمى فقط، اذ ان "استراتيجية الضاحية" تحولت بفعل حاجة الكيان الى "استراتيجية غزة" التي خلفت اكثر من 20 الف شهيد غالبيتهم من النساء والاطفال واكثر من 50 الف جريح مدني، والامر لم يكن صادما للمجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي كونهم قد غضوا طرف الرفض عند التاسيس لهذه الاستراتيجية عام 2008، و الدمار الذي لحق بالقطاع وبالسرعة التي حصل فيها، يتجاوز أي حرب وقعت في المنطقة، وهو يتجاوز ما تم تدميره في معارك النظام السوري في حلب خلال الأعوام 2013 وحتى 2016، أو حتى الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا في 2017. بحسب تحقيق اعتمدته قناة الحرة.
وأعتمدت التحقيق مقارنات بتحليل صور الأقمار الصناعية، وبيانات الغارات الجوية وتقييمات الأمم المتحدة، مع إجراء مقابلات مع أكثر من 20 شخصا يعملون في الإغاثة والرعاية الصحية وخبراء في الذخائر والحرب. وكشف التحقيق أن الجيش الإسرائيلي "شن غارات جوية متكررة واسعة النطاق قرب مستشفيات يفترض أنها محمية بموجب قوانين الحرب"، حيث تظهر صور الدمار ومكان الضربات الجوية أنها كانت قريبة من 17 مستشفى على الأقل من بين 28 مستشفى في شمال غزة، وفي بعض الحالات استخدمت إسرائيل قنابل وزنها يزيد عن ألفي رطل، أي حوالي طن.
أما الشاهد على استراتيجية الدم هذه كان المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الأسبق، مايكل لينك، قال إن "حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين"، واختتم التحقيق بشهادة مدير وكالة الأونروا في غزة، توماس وايت، عبر منصة إكس ، الذي قال: "لا يوجد مكان آمن، ليس هناك مكان نذهب إليه"، مضيفا "الناس في غزة بشر وليسوا أحجارا على رقعة شطرنج".