الشروع في المساهمة التبعية

المقالات

الشروع في المساهمة التبعية .

أ.د براء منذر كمال                م.د نورس رشيد طه

كلية القانون /جامعة تكريت            كلية الحقوق / جامعة النهرين  

توطئة :

عرف المشرع العراقي الشروع في المادة (30) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 (المعدل) , والتي نصت على أن : " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها .

ويعتبر شروعاً في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب جناية أو جنحة مستحيلة التنفيذ أما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة التي استعملت في ارتكابها مالم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لإحداث النتيجة مبنياً على وهم أو جهل مطبق .

ولا يعد شروعاً مجرد العزم على ارتكاب الجريمة و لا الاعمال التحضيرية لذلك مالم ينص القانون على خلاف ذلك .  "

تتمحور إشكالية موضوع المقال حول السؤالين الآتيين:-

1-هل أن أثر الشروع يسري على مرحلة المساهمة التبعية , أم أنه يقتصر على مرحلة البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة . ؟

2- هل أن عقوبة الشروع  تسري على المساهم التبعي الذي أوقف أو خَيّب أثر اشتراكه بإرادته , أو لسبب خارج عن إرادته قبل البدء بتنفيذ الجريمة ؟  سنجيب على هذين السؤالين عند الخوض في تفصيلات الموضوع .

يقصد بالمساهمة التبعية " قيام المساهم ( الشريك ) بدور ثانوي قبل تنفيذ الجريمة أو أثناء تنفيذها , و يتمثل دوره بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة بوسيلة يتم بها تنفيذ الجريمة أو إتمامها " . 

وقد عالج المشرع العراقي مسألة المساهمة التبعية في ثلاثة صور, وذلك في المادة ( 48) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ( المعدل)  والتي نصت على أن : " يعد شريكاً في الجريمة :

1-  من حرض على ارتكابها فوقعت بناءً على هذا التحريض .

2-  من أتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناءً على هذا الاتفاق .

3- من أعطى الفاعل سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده عمداً بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها . ومن هذا النص يتضح أن للاشتراك ثلاثة أركان و هي :-  الركن المادي و يتحقق بثلاثة صور وهي التحريض أو الاتفاق أو المساعدة .  و الركن المعنوي ويتكون من عنصرين وهما العلم والارادة , و يطلق عليه ركن قصد التدخل,  بمعنى أن يوجه الشريك إرادته للاشتراك في جريمة الفاعل الأصلي مع علمه بماديات الجريمة. و الركن الثالث هو الركن الشرعي أو ركن الصفة غير المشروعة للسلوك .

 

* نظم المشرع العراقي مسألة الشروع في الجريمة بشكلٍ عام , إلا أن هذا التنظيم لا يسري أثره على الشروع في المساهمة التبعية , أو الشروع في الاشتراك  , وهذا يتضح من نص المادة (30) من قانون العقوبات المذكورة في أعلاه  , إذ أن أحكام الشروع تقتصر على المساهمة الأصلية , وذلك لأن المشرع قد ركز على مرحلة البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة أوقف أو خاب أثره لسبب خارج عن إرادة الجاني . و هذا يعني أن الشروع لا يشمل المرحلة الأولى وهي مرحلة  المساهمة التبعية (التحريض أو الاتفاق أو المساعدة ) السابقة لمرحلة الشروع والتي تمثل مرحلة البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة  .

وعليه فلا شروع في المساهمة التبعية , وبعبارة أخرى لا شروع في الاشتراك وهذه هي إجابة السؤال الأول المطروح آنفاً .

ونجيب على السؤال الثاني بالقول أن عقوبة الشروع لا تسري على سلوك المساهم التبعي سواء  قام بإيقاف أو تخييب أثر سلوكه الإجرامي بإرادته , أو أن الإيقاف أو التخييب قد حصل لسبب خارج عن إرادته. كون أن المشرع العراقي لم ينص على الشروع في التحريض أو الشروع في الاتفاق أو الشروع في المساعدة , وإنما جاء في النص عبارة " البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة ", وهذه العبارة تدل على المساهمة الأصلية, وذلك استناداً للمادة (47 /ف2) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 (المعدل ) والتي نصت على أن : " من ساهم في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فقام عمداً أثناء ارتكابها بعمل من الأعمال المكونة لها " , وعليه وبما أن الجاني في الشروع يقوم بالبدء في ارتكاب عمل من الأعمال المكونة للجريمة , فهذا يدل على أن الشروع يقتصر على المساهمة الأصلية دون التبعية , كون أن المساهم التبعي لا يشرع في ارتكاب أي عمل من الأعمال المكونة للجريمة , و إنما يقتصر دوره على البدء بعمل التحريض أو الاتفاق أو المساعدة , وهذه الأعمال جميعها تندرج في مرحلة التحضير السابقة لمرحلة البدء بارتكاب عمل من الأعمال المكونة للجريمة  . و عليه لا يسري أثر الشروع على المساهمة التبعية كونها أعمال تحضيرية , فلا شروع في المساهمة التبعية , ولا يعاقب المساهم التبعي على شروعه في الاشتراك  .

*و هنا تجدر الإشارة إلى موضوع " الاشتراك في الشروع " لتمييزه عن موضوع      " مقالتنا وهو الشروع في المساهمة التبعية أو ( الشروع في الاشتراك ) "  , لتجنب الخلط ما بين الموضوعين .

فقد نظم المشرع العراقي مسألة الاشتراك (المساهمة التبعية )  , ولم يشترط لتحققه وقوع الجريمة المقترنة به بشكلٍ تام , و أنما يتحقق الاشتراك في الجريمة حتى لو وصلت الجريمة إلى حد الشروع  ,  بمعنى أن الاشتراك يتحقق في الشروع , والجريمة التامة على حدٍ سواء  .

*و لا تتحقق مسؤولية الشريك في حالة عدوله عن الاشتراك , بشرط أن يزيل بعدوله  كل آثار  المشاركة التي قام بها قبل ارتكاب الجريمة مثال ذلك : أن يقوم المساهم التبعي (ج) بسحب المفاتيح المصطنعة التي سلمها إلى المساهم الأصلي (ي) لتنفيذ جريمة السرقة بها , قبل وقوع الجريمة . فلا مسؤولية على الشريك في هذه الحالة كونه أزال اثار اشتراكه قبل البدء في تنفيذ الجريمة .

* وحتى يكون المساهم التبعي شارعاً في الجريمة , ولكي يسري أثر عقوبة الشروع عليه يجب أن يكون لديه قصد التداخل في الجريمة , بمعنى أن يكون قصده متجهاً إلى تحقيق ذات الجريمة التي يقصد المساهم الاصلي ارتكابها ,  وهذا يتحقق عندما تكون هناك رابطة ذهنية واحدة , تتوحد بموجبها أرادة الفاعلين الأصلي والتبعي لارتكاب الجريمة , ويكون قصدهم في تنفيذها واحداً , و مثالها أن يتفق المساهم التبعي (م) مع المساهم الأصلي (ط) على ارتكاب جريمة اصدار صك بدون رصيد   فيبدأ (ط) بالجريمة بناءً على ذلك الاتفاق , إلا أن سلوك الجاني يتوقف إلى حد الشروع في الجريمة . فهنا يكون المساهم التبعي شريكاً في الشروع ويعاقب بذات العقوبة التي سيعاقب بها المساهم الأصلي .ومثال آخر على موضوع  الاشتراك في الشروع كما في حالة قيام المساهم التبعي (د) بمساعدة أو بتحريض المساهم الأصلي (و) أو بالاتفاق معه على ارتكاب جريمة قتل بحق (ص), فيشرع (و) بارتكابها  إلا أن سلوكه يوقف إلى حد الشروع في القتل نتيجة لتدخل (ن) وقيامه بإسقاط السلاح من يد الجاني قبل انطلاق الرصاص منه .