قراءة قانونية في ترسيم الحدود العراقية - الكويتية د. ايناس عبد الهادي الربيعي
قراءة قانونية في ترسيم الحدود العراقية - الكويتية
د. ايناس عبد الهادي الربيعي
تتمتع الحدود بمميزات ذات أبعاد سياسية وجغرافية كان لها الأثر الأكبر في تكوين الحدود الدولية عبر التاريخ، إذ تعد الحدود العربية أصدق مثال على ذلك كأمر فرض كواقع حال على تلك الدول إذ لم تشارك في تخطيطها أو وضعها، وتعد مشكلة الحدود بين العراق والكويت المشكلة القديمة الحديثة، إذ لم تكن تفصل الأراضي العربية حدود خلال فترة الاحتلال العثماني الذي امتد قرابة أربعة قرون، اذ كان العراق وحدة إدارية واحدة ، اذ ان أساس المشكلة يتطلب عرض المشكلة من الناحية التاريخية ومن ثم بيانها من بعد أحداث 8 أب 1990 وبعدها نتطرق لعمل لجنة الحدود كالآتي:-
اولاً:- تاريخ النزاع بين البلدين
وقعت الكويت تحت الحماية البريطانية في عام 1899 بعد توقيع اتفاقية بين بريطانيا وشيخ الكويت لاستقلالها عن ولاية الدولة العثمانية، وبموجب هذه الاتفاقية لم يعد للوالي العثماني سلطة عليها، لأن الانكليز تولوا أدارة علاقاتها الخارجية بموجب اتفاقية الحماية المعقودة بين الطرفين وفي عام 1913 تم عقد اتفاقية بين بريطانيا والدولة العثمانية لتعيين حدود الكويت وقد أدى اندلاع الحرب العالمية الاولى لعدم تصديق تلك الاتفاقية، إذ كلف (جي ام لولمير) صاحب كتاب ( الكويت في دليل الخليج السفر التأريخي والجغرافي) والذي عاش في منطقة الخليج في القرنين الثامن والتاسع عشر من قبل نائب الملك البريطاني في عام 1915 بوضع كتاب عن الخليج فأصدر كتابه (دليل الخليج) المشار اليه اعلاه ، والذي صدر الامر بمنع تداوله ، حيث تناول في كتابه هذا السياسة البريطانية المستقبلية في المنطقة كما رسم خرائط عديدة لبلدان كانت قائمة ومازالت وتحدث عن اتفاقات سرية لبريطانيا وخطط ستنفذ لاحقاً ومنها تناوله للكويت وتناوله لدلالات قوية على عودتها للعراق وذلك في الصفحة (1504) من كتابه، إذ تناول حادث قتل شخص بريطاني الجنسية وراء سور يحيط بالكويت طوله 750 متراً وهو يحدد المنطقة التي سكنها ال صباح في أواخر القرن الثامن عشر ومطالبتهم للحكومة العراقية دفع التعويض لبريطانيا.
ولقد كانت معاهدة عام 1913 بين بريطانيا والعثمانيين هي أول محاولة لترسيم الحدود في الخليج وهو الأمر الذي لم يحز على رضا العراق في أي وقت لاحق، وفي عام 1922 قامت بريطانيا بترسيم الحدود بين السعودية والكويت بموجب اتفاقية وانشاء منطقة مشتركة بين الطرفين وقد اتخذت تلك الاتفاقية معاهدة عام 1913 بين البريطانيين والعثمانيين أساساً قانونياً لها ، وفي العام 1923 قام البريطانيون بتحديد الحدود الكويتية والتي اعلن العراق حينها مواقفته عليها وفي كل ذلك كان البريطانيون يحددون تلك المناطق وفق الخريطة البريطانية التي قام بوضع الحدود عليها البريطاني بيرسي كوكس، والتي لم تكن تتمتع بأي صفة قانونية بل اسبغت عليها تلك الصفة، فلم يكن ذلك مجرد خط وضع على الخارطة بل هو تغير لكل مسارات الاحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة، إذ أن تلك الحدود لم تلق القبول من الجانب العراقي فهي خطوط وهمية أوجدها الاستعمار لا أصل لها على أرض الواقع، وفي عام 1961 قام العراق بمحاولة لضم الكويت ولكن التدخل العربي حل الأزمة بصورة سلمية وفي عام 1963 اعترف العراق بالحدود الدولية للكويت، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار الخلاف حول الحدود بين الأعوام 1961 و 1988 و1990 وآخرها قيام العراق باجتياح الكويت وهو الأمر الذي أنتج أثاراً سلبية في المنطقة والدولتين، إذ تخلل النزاع العديد من الوثائق الدولية والتي تعد الاساس القانوني للحدود بين الدولتين ومنها قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993 والموافقة النهائية على تقرير لجنة الحدود المشكلة من قبل الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين العراق والكويت.
وعلى الرغم من صدور العديد من الخرائط من قبل الجانبين والتي تحدد سيادة كل من الطرفين إلا أنها لم تكن تحظى بالقبول من الجانب العراقي لكونها تعد تكراراً لخارطة بيرسي كوكس والتي اوجد الحدود عليها بإرادته المنفردة والتي لا يمكن أن يعول عليها بأي أثر قانوني، واستمرت المطالبات العراقية بشأن الحدود الجنوبية والتي رسمت بشكل يضر بمصالحه، وبالرجوع لعام 1951فإن استمرار المطالبات العراقية دفع بريطانيا إلى تأكيد اهتمامها بالعراق وقررت وضع خط جديد للحدود الامر الذي لم يضف جديداً على ما تم تحديده سابقاً وهو ما لاقى ترحيباً من الجانب الكويتي والرفض من العراق واشترط تأجير جزر وربة وبوبيان للموافقة على هذا العرض وهو ما رفضته الكويت، ولم تنته المشكلة حتى باتفاق عام 1963 الذي كان نتيجة المفاوضات بين البلدين واستمر الأمر كذلك الى حين توقف الحرب العراقية - الايرانية وحضور وفد من قبل الجانب الكويتي لبغداد والمطالبة بإنهاء مشكلة الحدود بين البلدين، الا ان الامر لم يتم التوصل فيه لحل تلك المشكلة ما دفع العراق في 24 أب 1990 الى اعلان قرار ضم العراق للكويت، الذي كانت تبعاته مدمرة للجانبين كان من نتائجه صدور القرار (687/1991 ) لترسيم الحدود العراقية – الكويتية، الذي لحقه القرار( 833 /1992) والذي اقره مجلس الامن بخصوص العراق والكويت على الرغم من وجود العديد من المآخذ على هذين القرارين وكذلك على أعمال اللجنة المشكلة من قبل الأمم المتحدة .
ثانياً:- مشكلة الحدود بعد أحداث أب 1990
بعد الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 أصدر مجلس الأمن العديد من القرارت التي تخص مشكلة الحدود وهي:-
القرار( 660 ) والقرار( 687 ) والقرار( 773 ) والقرار( 833) ، اذ يعد القرار( 660 ) اول قرار يصدر عن مجلس الأمن يقرر عودة الاطراف للحدود المتفق عليها قبل الاحداث، وهو ما يمثل اعترافاً من مجلس الامن بالحدود الدولية بين العراق والكويت واعترافاً بالاتفاقيات للأعوام 1913 و 1923 و 1961، أما القرار( 687 ) في 1990 أشار في الفقرة (أ) منه على أن أساس عمل لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت هو الاتفاق المعقود بين الطرفين في 4 تشرين الاول من عام 1963 والمرفقات بذلك الاتفاق من وثائق وخرائط بإشارة منه للخارطة المعدة من قبل المندوب الانكليزي بيرسي كوكس التي أصبحت هي الأساس لكل ما تلاها من خرائط اعدت فيما بعد للحدود محل النزاع، الا انه لا يمكن تجاهل أن ذلك يعد سابقة خطيرة لمجلس الامن، ان يصدر قرار يلزم فيه بتحديد الحدود وفق الية معينة والذي يتعارض مع طبيعة عمله من اتاحة الفرصة للاطراف للتفاوض والعمل على ضمان حرية الحدود الدولية، على الرغم من دفع العراق بعدم استكمال تصديق تلك الاتفاقية لتتمتع هي وملحقاتها بالقيمة القانونية، ألا أن ذلك الدفع قد اهمل، وتم العمل على اعتماد الخريطة البريطانية كأساس لعمل لجنة ترسيم الحدود ولم تتح للعراق الفرصة لبيان موقفه القانوني، وهنا تثار مسالة القيمة القانونية لتلك الخارطة؟ لقد انكر الجانب العراقي ان يكون محضر الاتفاقية غير المصادق عليه قد تضمن أي خارطة، كما أن المجلس قد وسع من صلاحيات لجنة ترسيم الحدود من خلال طلبه من اللجنة تخطيط الحدود البحرية وهو الامر الذي لم يدخل في صلاحيات تلك اللجنة ابتداًء، اذ صدر القرار المرقم ( 773 ) عن مجلس الامن والذي عمد في الفقرة الثالثة منه الى توسيع صلاحيات اللجنة المشكلة لترسيم الحدود البحرية ومنحها صلاحية ترسيم الحدود البحرية بنصها على: (يرحب ايضاً بقرار اللجنة أن تنظر في الجزء الشرقي من الحدود، الذي يشمل الحدود البحرية، في دورتها المقبلة، ويحث اللجنة على إن تخطط هذا الجزء من الحدود في أقرب وقت مستطاع فتكمل بذلك عملها)، إذ لم يتم النص على هذا الامر في مهام اللجنة وفق تقرير الأمين العام الذي لم يتضمن مسألة تحديد الحدود البحرية، ومن الجدير بالذكر ان العديد من الاعتراضات صدرت عن الاعضاء كذلك في داخل مجلس الأمن بعد إصدار المجلس قراره رقم( 833 ) الذي يخص الحدود البحرية الذي صدر بعد تشكيل اللجنة واكمال عملها في ترسيم الحدود.
الأمر الذي يثير مسالة القيمة القانونية لما صدر عن تلك اللجنة من اعمال تتجاوز صلاحيتها وخصوصاً الخرائط التي قامت بإعدادها، هل تعد الخرائط الصادرة عنها كنتيجة لممارستها عملها في ترسيم الحدود ذات قيمة قانونية؟ هل يتماشى ذلك مع قواعد القانون الدولي؟ للإجابة عن هذه التساؤلات يمكن أن نقف على آراء مندوبي كل من فنزويلا والبرازيل وممثل الصين وغيرهم من خلال ان مندوب فنزويلا اكد عدم شرعية اعمال اللجنة لكونها تتعارض مع المبدأ العام الوارد في المادة (33) من الميثاق والتي تؤكد لجوء أطراف النزاع في هكذا احوال للتفاوض للوصول لحل التغلب على خلافاتهما، اما مندوب البرازيل فقد أكد أن هذا الأمر هو خارج صلاحيات مجلس الامن وعده تطوراً خطيراً لتجاوز المجلس لاختصاصاته في هذا المجال، وأن مسالة ترسيم الحدود يجب تسويتها مباشره من قبل الدول المعنية مباشرةً وهو الأمر نفسه الذي اكده ممثل الصين.
كما اعترض ممثل المفوضية الأوربية السيد (جيرد نوتمان ) في تقريره للمفوضية حول أعمال اللجنة وتجاوزها لصلاحياتها.
ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن اللجنة عند قيامها بمهمتها في ترسيم الحدود بين الطرفين قد تجاوزت المهام المحددة لها ابتداء الامر الذي يعدم القيمة القانونية لأعمالها والذي يكون مفاده أن الخريطة التي قد تم إعدادها من قبل تلك اللجنة للحدود المشتركة لا تتمتع بأي قيمة قانونية وهو ما نؤيده فإصدار مجلس الامن للقرار رقم ( 833) يعد تجاوز لصلاحياته بهذا الشأن وإن تعلق الأمر بالأمن والسلام الدوليين ، فالعلاقة بين الدولة والمنظمة الدولية تنحصر بدور المنظمة في التنسيق دون التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما اكدته محكمة العدل الدولية والميثاق في المادة الثانية في الفقرة الأولى منها والسابعة، لذا فان تدخل المنظمة في شؤون الأعضاء من الدول من دون مراعاة مبدأ حسن النية قبل الشروع في هذا التدخل يعد اخلالاً جسيماً بمبدأ المساواة الذي كفله الميثاق.
ثالثاً:- لجنة ترسيم الحدود
بعد صدور قرار مجلس الامن المرقم( 687) قام الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقريره والقاضي بتشكيل لجنة من خمسة أعضاء اثنان يمثلان كلاً من العراق والكويت ويقوم الامين العام بمهمة اختيار الثلاثة الباقين، على أن يكون احدهم رئيس اللجنة إذ عين السيد (مختار كوسا انجادجا ) وزير خارجية إندونيسيا السابق رئيساً للجنة، وبعد استقالته عين السيد (نيكولاس فلنكوس) خلفا له وهو المدير العام المساعد لمكتب العمل الدولي ، مع الاشارة لاختيار العراق السفير (رياض القيسي) ممثلا له في اللجنة في حين قامت الكويت بإختيار سفيرها في فرنسا (طارق رزوقي) ممثلا عنها ، وحددت اللجنة مهامها بموجب نظامها الخاص والذي أكدت فيه أن قرارات اللجنة تعد نهائية، كما بينت أن عمل اللجنة هو ترسيم الحدود البرية بين الطرفين وتصدر قرارتها بالأغلبية وفق المادة الخامسة من نظامها الداخلي، مع بيان تكاليف اللجنة يتحملها الطرفين كل من العراق والكويت مناصفة، كما حدد القرار (687) صلاحية اللجنة بترسيم الحدود بين الطرفين بالاستعانة بالخرائط المرفقة بالرسالة الموجهة من المملكة المتحدة وايرلندا الشمالية لمجلس الأمن، كما حدد الأمين العام اختصاصات اللجنة بترسيم الحدود بين البلدين وذلك باستخدام التكنلوجيا الحديثة لهذه المهمة على ان تودع التقارير النهائية لإعمال اللجنة لدى الطرفين والامم المتحدة بعد تصديقها لأحالتها لمجلس الامن وحفظها في محفوظات الأمم المتحدة.
عقدت اللجنة (11) دورة تشمل (82) اجتماعا، وقد بينت اللجنة في أولى دوراتها أنها تقوم بمهمة تقنية وهي ترسيم الحدود وفق القرار (773) باعتماد الصيغة المتفق عليها في عام 1963 وهو نفس التحديد الذي اعتمد في اتفاقية عام 1913 ، حيث ينص القرار اعلاه على أن : ( ان اللجنة من خلال عملية تخطيط الحدود لا تقوم حاليا بإعادة توزيع الاراضي على الكويت والعراق بل مجرد أنجاز العمل التخطيطي الضروري لقيام لاول مرة بوضع تحديد دقيق لإحداثيات الحدود الواردة في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق بشأن أعادة اعلانات الصداقة والاعترافات والمسائل ذات الصلة والموقع في الرابع من تشرين الاول من العام 1963 والى ان ينجز هذا العمل في الظروف الخاصة التي تلت غزو الكويت وعملا بالقرار (687/1991) وتقرير الامين العام عن تنفيذ احكام الفقرة (3) من هذا القرار).
أن الأمر الذي يثير قانونية أعمال تلك اللجنة هو تجاوزها لصلاحياتها وهو الأمر الذي اثاره رئيسها المستقيل من خلال تحفظه على صلاحيات تلك اللجنة من خلال بيانه أن الحدود بعد الساحل أمر لم تتم الاشارة إليه في الرسائل المتبادلة بين الطرفين في عام 1932 وأتمت اللجنة أعمالها بنفس الاسلوب نفسه والذي يثير التساؤلات عن طبيعة تلك اللجنة وتشكيلها، إذ أنها شكلت من طرف ثالث وليس باتفاق الطرفين وهو الأمر السائد في هكذا نزاعات من أن يلجأ الى تشكيل لجنة مشتركة باتفاق اطراف النزاع كما أن تجاوز اللجنة لصلاحياتها المصرح بها يثير التساؤل عن مدى قانونية اعمالها والزامها للأطراف على الرغم من تغطيتها بالصيغة القانونية من قبل المجتمع الدولي، كما أن مسالة عدم تساوي التمثيل في دورات اللجنة يمثل ثغرة في مبدأ في مبدأ المساواة في التمثيل في تلك اللجنة وهو الامر الذي ينفي مسألة العملية التقنية المصرح بها لتكون عملية سياسية بحتة، ومن ثم فمن وجهة نظرنا ان الخرائط الناتجة من عمل تلك اللجنة قد منحت الصفة القانونية بغطاء دولي لتكتسب الشرعية التي منحها اياها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (200) لسنة 1994 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3537) في عددها الصادر في 10/11/1994 والذي أمثل العراق بموجبه لقرارات مجلس الامن والاعتراف بالحدود الدولية بين الدولتين كما رسمتها لجنة الامم المتحدة المكلفة بترسيم تلك الحدود وفقا للخرائط التي أصدرتها تلك اللجنة والمودع نسخ منها لدى الامم المتحدة في المكتبة الرقمية لمقر الامم المتحدة .