"أهمية عنصر الزمن في حسم وأدارة الدعوى "
"أهمية عنصر الزمن في حسم وأدارة الدعوى"
بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي
تنظم القوانين المختصة الاجراءات الواجب أتباعها عند رفع الدعوى وتسجيلها لدى المحاكم المختصة والالية الواجب اتباعها عند نظر الدعوى بدأ من تعيين موعد المرافعة وأنتهاء بصدور قرار فاصل فيها ، ولاستعراض الاصول التأريخية لهذا الحق يمكننا القول انه يعود الى ( العهد الاعظم) (الماكناكارتا) في بريطانيا في العام 1215 والذي ورد فيه (اننا لت ننكر على انسان حقه في العدالة ولن نؤجل النظر في القضايا) وكذلك أعلان الحقوق لولاية فرجينيا الامريكية الصادر في العام 1776 والذي تضمن نصا صريحا على الحق في المضي بسرعة في اجراءات المحاكمة.
ومما لاشك فيه ان التطورات التي طرأت على مختلف مجالات الحياة باتت توجب معالجة موضوع الدعوى أنطلاقا من تلك التطورات وبما ينسجم مع تسارع وتيرة الحياة الامر الذي يتطلب معالجة بطء الاجراءات التي قد تستغرق سنوات ، ومن هذا المنطلق ظهرت الحاجة الملحة لتحديد مدة نظر الدعوى وحسمها أنسجاما مع التطورات المتسارعة للحياة دون ان يفوتنا الاشارة الى أهمية عنصر الزمن في حسم الدعوى ونتائجها ، الا ان ذلك يجعلنا في امام حالة ان الدعوى قد تتطلب سقفا زمنيا قد يتجاوز الوقت المحدد لحسمها لما يطرأ عليها من حالات الامر الذي يتطلب النهوض بموضوع حسم الدعوى بطرق أكثر تطورا بدءا من تسجيلها وصولا لحسمها، فالبطء في أجراءات التقاضي قد يجعل الحكم الصادر في نهاية الدعوى بدون فائدة لمضي فترة زمنية طويلة بين تأريخ أقامة الدعوى وأصدار الحكم الحاسم فيها ، الامر الذي يظهر حقيقة مؤكدة وبما لا يدع مجالا للشك بضرورة مراعاة عنصر الزمن لأهميته في حفظ الحقوق ومصالح أطراف الدعوى التي يخشى عليها من الضياع كليا او جزئيا جراء فوات الوقت ، فواقع العدالة يقتضي ان تكون في متناول طالبيها سواء في المكان او الزمان كما ينبغي ان تكون إجراءاتها سهلة ميسرة لا عوائق او قيود عليها ، لان ممارسة الحق في اللجوء الى القضاء يتطلب ابتدأ وجود قضاء منظم على نحو لا يجد المتقاضين أمامهم صعوبات من شأنها الحد من تطبيقه ، ولا سيما ان الاجراءات الاولى تكون بتماس مع الافراد ومتعلقة بشكل أساسي بنطاق الحقوق والحريات المطلوب حمايتها بموجب نصوص القانون، حيث ان نظام أدارة الدعوى يهدف الى أختصار الاجراءات الادارية والقضائية التي تؤخر الفصل في الدعوى، وتأسيسا على ذلك سنعمد لبيان محور بحثنا في محورين الاول نتناول فيه عنصر الزمن في الاتفاقيات والتشريعات والوطنية والثاني لبيان الهدف من نظام ادارة الدعوى مختوما بجملة من النتائج والتوصيات.
المحور الاول / عنصر الزمن في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية
تواترت الاتفاقيات الدولية في النص على سرعة أجراءات الدعوى بمراحلها المختلفة ومنها (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) الذي أكد في المادة (28) منه على : ( لكل فرد حق التمتع بنظام أجتماعي دولي تحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الاعلان) كما تأكد على الحق في محاكمة عادلة من ضمن جملة الحقوق الواردة في هذا الاعلان بنص المادة (10) منه ، اذ تعد السرعة في انجاز مراحل الدعوى الجزائية داخلة ضمن مفهوم المحاكمة العادلة ، وكذلك ( العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) لعام 1966والذي يعد خطوة مهمة على طريق حماية حقوق الانسان على النطاق العالمي ، حيث ورد في المادة (14) الفقرة (3-ج) ضرورة محاكمة المتهم دون تأخير لا مبرر له، في حين أوردت الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان لعام 1950 تأكيدها على هذا الحق في المادة (6/الفقرة 1) منها على وجوب أجراء المحاكمة خلال وقت معقول، في حين أوردت الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لعام 1978 النص الاتي: ( ان لكل شخص الحق في محاكمة تتوافر فيها الضمانات الكافية وتجريها خلال وقت معلوم محكمة مختصة).
وأنطلاقا من ذلك فقد عمدت العديد من التشريعات الى التأكيد على سرعة الفصل في الدعوى وبما يحفظ حق الفصل في الدعوى خلال مدة معقولة ، ومنها التشريع الفرنسي والذي يمكن عده السباق في تبني هذا النظام منذ العام 1807 حيث منح قانون أصول المحاكمات الفرنسي الخصوم صلاحية تسير دعواهم خلال مرحلة التحقيق من خلال جمع الادلة مع تهميش دور قاضي التحقيق المنظور النزاع من قبله ، حيث تبرز سلطة الخصوم في فض النزاع وأقتصار دور القاضي على جلسة النطق بالحكم ، الا ان تلك الصلاحيات الممنوحة للخصوم أثرت في سلطة القاضي الامر الذي دفع المشرع الفرنسي الى التدخل لتنظيم أجراءات التقاضي من خلال أصدار المرسوم التشريعي رقم (30) (ق1) لسنة 1935 والذي أستحدث نظام القاضي المكلف بمراقبة سير المحاكمة وذلك من أجل النهوض بالسلك القضائي نحو الافضل وسد الثغرات السابقة وبقي هذا النظام معمولا به حتى صدور القانون الجديد في العام 1975 حيث منح القاضي المكلف بمتابعة سير الدعوى سلطة أكبر وأوسع من السلطة التي منحه اياها النظام السابق حيث منحه سلطة التحقيق بما فيها سماع الشهود وتعيين الخبراء وأستجواب الخصوم حيث منح بموجب ذلك التعديل سلطة فعالة في توجيه الدعوى انطلاقا من مبدأ ان القاضي موظف عام فلا يجوز للأفراد الاستقلال بمناقشة امور دعواهم او التدخل بعمل القاضي، ولم يكتفي المشرع الفرنسي بذلك فقد عمد الى سن قانون البراءة في العام 2000والذي أكد فيه على حق السرعة في الإجراءات حيث تم تخصيص فصل كامل في هذا القانون لغرض توضيح القواعد التي تحمي وتكفل السرعة في الاجراءات عبر مراحل الدعوى مع مراعاة الالتزامات الدولية المفروضة على الدولة الفرنسية وذلك لإدانتها لأكثر من مرة من قبل المحكمة الاوربية لحقوق الانسان لمخالفتها المادة (6) من الاتفاقية الاوربية المعنية بهذا الجانب.
اما في الولايات المتحدة الامريكية فنجد ان نظام أدارة الدعوى قد مر بمراحل عدة واكبت التطور الحاصل في جوانب الحياة ، حيث كانت تعرض اوراق الدعوى على القاضي في القدم دون ان يكون له اي معرقة بحيثياتها وهو ما كان يشكل عقبة كبيرة اثناء الفصل فيها الامر الذي دفع احد قضاة ولاية ميشغان بتعديل هذا الاجراء من خلال السماح للقاضي بالاجتماع مع اطراف الدعوى قبل نظرها بأسبوعين من أجل طرح وقائعها والادلة المقدمة فيها، وفي حال لم يتوصل الاطراف الى تسوية تنقل أوراق الدعوى الى المحاكمة ، وأستمر الحال هكذا الى ان تم تشكيل لجنة تتولى بحث الامور المتعلقة بالجلسات التي تعقد ما قبل المحاكمة وهو ما تمخض عنه أنشاء المركز القضائي الفدرالي، مع المصادقة على السماح بتعيين قضاة الصلح في المحاكم حيث تسند لبعضهم مهمة إدارة الدعوى المدنية ليتم تطوير عمل هذه الادارة وتعمم على ولايات مختلفة ، لتصبح آثر ذلك مهمة أدارة الدعوى المدنية أجراء تمهيدي قبل عرض الدعوى للمحاكمة من خلال التشاور مع أطراف الدعوى وتقصير الجدول الزمني لمراحل الدعوى حيث يعمد القاضي الى ازالة كافة العقبات خلال فترة معينة من الزمن للحد من طول النزاع وعرضها على قاضي الموضوع في حالة عدم توصل الاطراف الى المصالحة بينهم، ولم يقتصر الامر على ذلك بل ان هذا تأكد في الدستور الامريكي في التعديل السادس منه بالنص على : ( ان الحق في المحاكمة السريعة يعتبر حقا ذات طبيعة خاصة والتي تحقق المصلحة العامة في نفس الوقت).
اما المشرع المصري فقد تبنى هذا النظام منذ العام 1883 في المواد (51-67) من قانون المرافعات الاهلي للعمل به امام المحاكم الجزائية ومحاكم الاستئناف ، الا ان العمل به لم يستمر لعدم نجاحه ليتم الغائه بالأمر العالي الصادر في 31 اب من العام 1892 بعد عشر سنوات من تطبيقه ، ليتم اعتماد نظام قاضي التحضير الذي الغي بالقانون رقم (100) لسنة 1962 ، ليتم ابتداع نظام قاضي التحضير الذي اوجد نظاما لتحضير الدعوى في قلم كتاب المحكمة والذي الزم المدعي بان يرفق في صحيفة دعواه جميع ما يؤيد دعواه ومطالبته القضائية مع مذكرة شارحة لها، على ان يودع المدعى عليه مذكرة بدفاعه مرفقة بجميع المستندات المؤيدة لدفعه ، ولان الدعوى يتم تحضيرها في قلم المحكمة فقد نص القانون على ان المرافعة تتم في اول جلسة ، الا ان تلك الاجراءات قد تمتد لفترة تقارب الثلاث سنوات الامر الذي دفع باتجاه ان يعمد المشرع الى اعادة النظر بنظام تحضير الدعوى وأسترجاع العمل بنظام قاضي التحقيق وحصر العمل بنظام قاضي التحضير في الدعاوى المنظورة امام المحاكم الاقتصادية والتي تم العمل بقانونها منذ العام 2008 حيث تضمن هذا القانون اثنى عشرة مادة تناولت الية العمل بالقانون وتشكيل هيئة المحكمة واختصاصاتها دون ان يفوتنا الاشارة الى تبنى ذلك كمبدأ دستوري في المادة (68) من الدستور المصري للعام 1971 والتي تنص على ( ...تكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في الدعاوى....) والتي تقابلها المادة (74) من دستور عام 2012 والمادة (97) من دستور عام 2014 ومن هذا المنطلق بات مبدأ ملزم لكافة سلطات الدولة بان تسعى كل منها ان لا تكون حائلا في حصول المتقاضين على حقوقهم.
اما التشريع العراقي فلم يكن بمعزل عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة بسرعة الفصل بالنزاعات المعروضة امام القضاء ،بالعودة الى لقانون أصلاح النظام القانوني رقم (35) لسنة 1977 والذي تناول سرعة حسم القضايا بالنص على : ( السرعة في حسم القضايا بتقليص مدد التبليغ والطعن وتطوير أساليب التبليغ وتهيئة أجهزة ترتبط بالمحاكم مباشرة تقوم بهذه المهمة وأيجاد وسائل فعالة تحول دون تأجيل المحاكمات بلا مبرر) ، اما قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (699) لسنة 1987والذي صدر نتيجة لتذمر المواطنين من تأخير حسم الدعاوى ، حيث بادر المجلس الى إصدار قراره المشار اليه اعلاه ، والذي تضمن في الفقرة (2) منه ألزام وزارة العدل إصدار تعليمات السقوف الزمنية الخاصة بحسم الدعاوى في المحاكم وبالفعل صدرت التعليمات (رقم 4 لسنة 1987) التي أثمرت نتائج في غاية الأهمية وتم القضاء على ظاهرة تأخير إجراءات ، ليعدل اثر ذلك بالقرار رقم (18) لسنة 1997 من خلال عقاب من يتسبب في تأخر حسم الدعوى ومنح القاضي المختص صلاحية فرض الغرامة على الموظف او المكلف بخدمة عامة عند تسببه في تأخر حسم الدعوى لعدم قيامه بإجراءات التبليغ او عدم الاستجابة لطلبات المحكمة في المواعيد المحددة لها دون ان يحول ذلك من اتخاذ الاجراءات الانضباطية وفق القانون بحقه ، اما قانون المرافعات المدنية المرقم (83 ) لسنة 1969 في المادة (62) منه فقد أقر المشرع على حضر تأجيل الدعوى لأكثر من مرة لنفس السبب الا للضرورة، اما المادة (28) من القانون اعلاه فقد عاقبت القائم بالتبليغ اذا كان بطلان التبليغ ناشئا عن تقصيره وان اعادته سيسهم في تأخر حسم الدعوى ، اما المادة (93) من قانون الاثبات رقم (107 ) لسنة 1979 النافذ فهي تنص على ان يحكم الشاهد بغرامة اذا تبلغ بالحضور امام المحكمة للإدلاء بشهادته وتخلف عن الحضور دون عذر مشروع وتأمر بإحضاره جبرا عن طريق الشرطة لان عدم حضوره قد يتسبب بتأخر حسم الدعوى، اما القاضي الذي يتسبب بتأخر حسم الدعوى وتجاوز السقف القانوني المقرر دون سبب مشروع فيمكن التشكي منه وفقا للتشكي من القضاة المنصوص عليه في قانون المرافعات المدنية ، بالإضافة الى نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23) لسنة 1971 النافذ في المواد (51-86) منه بما يتعلق بإجراءات الدعوى الجزائية .
وهو ما تأكد في قانون أدارة الدولة لسنة 2004 في نص المادة (15/ الفقرة و) من خلال النص على ( ان الحق بمحاكمة عادلة وسريعة وعلنية حق مضمون) ، في حين عمد المشرع العراقي الى أحاطة ذلك الحق بالحماية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 حيث أشار اليها في باب الحقوق والحريات ، حيث نصت المادة (19/ثالث عشر) على : ( تعرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعا وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم...) ليكون بذلك قد ثبت الاسس الدستورية لسرعة حسم الدعوى بدءا منذ اجراءاتها الاولى.
المحور الثاني / الهدف من نظام أدارة الدعوى
أخذت بعض الدول بنظام أدارة الدعوى والذي يعد نظام يختصر الكثير من الوقت والجهد للخصوم والقضاء في ذات الوقت ، حيث يعتمد هذا النظام على وضع أسسا من شأنها أختصار الوقت والاجراءات وهو الامر الذي يتحقق من خلال وضع آلية تسجيل الدعوى وتبادل اللوائح بين أطراف الدعوى قبل المرافعة مع أتاحة أمكانية فرصة المصالحة بين الخصوم عبر التسوية قبل الخوض في أصل الدعوى.
وانطلاقا من ذلك فان الهدف من تبني نظام ادارة الدعوى يمكن ان يلخص في عدد من النقاط يمكن ان نلخصها على النحو الاتي:
اولا- مواكبة التطور العلمي: - لا يمكن للمشرع ان يتجاهل التطورات الحاصلة في القوانين وادخال الحلول البديلة للمنازعات وهو ما يوجب تطوير المهارات الضرورية لاستيعابها واستخدامها من قبل القضاة والمحامين على حد سواء عبر ادخال اساليب جديدة تتماشى مع القوانين السارية ومواكبة للتطور العلمي توظف وبما يخدم اجراءات التقاضي واسلوب ادارة الدعوى وذلك من خلال عقد الندوات وورشات العمل التي تخصص لتطوير نظام ادارة الدعوى من خلال اتباع اساليب جديدة تتمثل بتنظيم جدول يحدد جميع الاجراءات التي يجب ات تتخذ خلال نظر الدعوى بدءا من فتح باب المرافعة وحتى جلسة النطق بالحكم ، وتماشيا مع ما تم ذكره ندعو الى السعي نحو تطبيق المحكمة الالكترونية وهو ما يتطلب تنظيم الهيكل العملي والاداري والاجرائي لتلك المحكمة.
ثانيا- الزام الخصوم بحصر البينة : - ان الزام الخصوم بتقديم عريضة الدعوى مرفقة بالبينات المؤيدة لادعاء المدعي والمدعى عليه من بينات شخصية وقائمة بإسماء الشهود دفعة واحدة في بداية اجراءات التقاضي للحد من المماطلة والتسويف وتقصيرا لأمد النزاع الامر الذي ينعكس ايجابا على عمل قاضى الموضوع الذي يقع على عاتقه حصر نقاط الاختلاف والاتفاق وتلافي الجدل غير المبرر امام قاضي الموضوع وتكريس وقت قاضي الموضوع لبحث الامور القضائية بعيدا عن الامور الادارية.
ثالثا- اختصار اجراءات التقاضي: - ان ادارة الدعوى تعد مرحلة من مراحل التقاضي اذ تعد الخصومة القضائية عملية مركبة تبدأ من تأريخ أقامة الدعوى وتنتهي بصدور الحكم الامر الذي يؤكد ان اختصار اجراءات التقاضي امام قاضي ادارة الدعوى يجعل مهمة قاضي الموضوع عند وصول اوراق الدعوى اليه أيسر في النطق بالحكم بوقت اسرع ، حيث يشرع مباشرة بإجراءات المحاكمة لكون أوليات الدعوى وردت اليه متكاملة بما فيها من دفوع وطلبات تعود لأطراف الدعوى الامر الذي يؤدي الى وضوح الطريق امام قاضي الموضوع وتحديد جوهر النزاع، وهو ما يسد الطريق على الخصوم بعدم التقيد بمدة محددة للرد على عريضة الدعوى وتمكنه من تأجيل الدعوى لأكثر من مرة لنفس الغاية .
الخاتمة
يتضح مما تقدم ان نظام أدارة الدعوى المدنية من الانظمة المعمول بها في العديد من التشريعات المقارنة لما حققته من مزايا في تحقيق العدالة من خلال تقسيم العمل الاجرائي الى جزئيين يهدف الاول الى تهيئة ملف الدعوى وتدقيق محتوياته ومراقبة تلك الاجراءات ، والثاني تسهيل الحوار بين أطراف النزاع لحل الخلاف وديا بالصلح او الوساطة ،حيث ان السيطرة المبكرة على الدعوى المدنية ومراقبة صحة الاجراءات قبل الشروع في السير بإجراءات المرافعة يحقق جملة من المزايا والتي من أبرزها القضاء على ظاهرة بطئ اجراءات التقاضي من خلال بناء علاقة تعاون بين الخصوم لكشف مجريات الامور لقاضي ادارة الدعوى وصولا لحسم النزاع بعيدا عن الخوض في تفاصيل من شانها عرقلة السير في الدعوى وتأجيلها وتلافي الجدل غير المبرر امام قاضي الموضوع.
لذا أصبح من الضروري أن يتدخل المشرع العراقي لسد الفراغ التشريعي المتعلق بهذا الجانب ، ولإمكانية تطبيق هذا النظام في التشريع العراقي من خلال تعديل قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83 ) لسنة 1969 النافذ لاستحداث فكرة إدارة الدعوى في التشريع العراق وبلورتها بشكل واضح والنص على ذلك ضمن نصوص القانون المشار اليه والقوانين الاجرائية ذات الصلة من خلال اعتمادها وجعلها من ضمن الإجراءات المتبعة في تسجيل الدعوى المدنية والسير فيها اختصارا للجهد مع مراعاة الطبيعة الخاصة للمجتمع العراقي ، والتي يمكن من خلالها استحداث قاضي أدارة الدعوى المدنية عبر الاقتباس من القوانين المقارنة وتكيفها بالشكل الذي يتلائم وطبيعة التطبيق العملي وبما يحقق الغاية من تعديل القوانين ذات الصلة ، وانطلاقا من ذلك نجد ان القوانين التي يمكن عدها مرشدا في هذا التعديل قانون الاجراءات المدنية الفرنسي في نصوص القانون انف الذكر لتدرج ضمن النصوص القانونية لقانون المرافعات المدنية والقوانين الاجرائية الاخرى ، دون ان يفوتنا التنويه على منح القاضي الموكل اليه أدارة الدعوى في حالة اعتماد ذلك التعديل المقترح الصلاحيات التي تمكنه من ادارة الدعوى والتي تمثل قصورا تشريعيا لدى القوانين المقارنة التي اعتمدت هذا النظام منذ عقود مضت واتضحت لديها نقاط القصور لتلافيها عند اجراء التعديلات المطلوبة ، وفي هذا الاطار ندعو الى السعي نحو تطبيق المحكمة الالكترونية وادخالها الى المشهد القضائي العراقي مع النشر الوعي القانوني بهذا التوع من المحاكم والعمل على تشريع قانون ينظم المجال الاجرائي والعمل الاداري بهذه المحاكم لتحقيق العدالة الاجرائية.