"تداعيات طريقة سانت ليغو المعدلة على الانتخابات العراقية لسنة ٢٠٢٣"
"تداعيات طريقة سانت ليغو المعدلة على الانتخابات العراقية لسنة ٢٠٢٣"
م.م عمر قصي عبدالله السردي/كلية القانون/جامعة الفراهيدي
م.م اية عبدالمحسن رحيم العتابي/ كلية القانون والعلوم السياسية/الجامعة العراقية
كانت ولا تزال مجالس المحافظات والاقضية والنواحي تستقطب حيزاً مميزاً من الاهتمام، بوصفها احدى المقومات الاساسية لنظام اللامركزية الادارية، وهي حجر الزاوية في الهيكل التنظيمي للوحدات الادارية المحلية في العراق. ومجالس المحافظات توسع من مشاركة المواطنين ودورهم في عملية الادارة والحكم، والتقليل من عبء الحكومة المركزية (أي كان نوع الحكومة)، عبر ما يمنح لها من اختصاصات تشريعية ورقابية على مستوى الرقعة الجغرافية للمحافظة، بمعنى التقليل من دور السلطة في الادارة والحكم، فوجود مجالس المحافظات هو انعكاس للحياة الديمقراطية والسياسية المتطورة داخل الدولة ونجاح النظام السياسي برمته هذا من جانب، ومن جانب آخر يجعل الشعوب اقرب إلى معرفة احتياجاتها وتطلعاتها المستقبلية، فمن هنا تنبعث الحاجة إلى انتخاب مجالس المحافظات والاقضية، إذ أشار المشرع الدستوري العراقي إلى احالة تنظيم انتخاب مجالس المحافظات بقوانين عادية في المادة (١٢٢/رابعاً) من دستور سنة ٢٠٠٥ النافذ.
وقد صدر فعلاً القانون الذي ينظم عملية انتخاب مجالس المحافظات، إلا وهو قانون رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ المعدل، وقد جاء هذا القانون كرد فعل على المشاكل التي ظهرت في الواقع حول مجالس المحافظات السابقة، ومن هذه المشاكل وخطرها هو قيام مجلس النواب العراقي بتمديد عمل تلك المجالس بعد انقضاء المدة القانونية المحددة لها في ٢٠١٧/٤/٢٠، لحين تحديد موعد للانتخابات الجديدة، وفق المادة (١٤) من قانون التعديل الثالث (لقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨) رقم (١٠) لسنة (٢٠١٨)، هذا الاتجاه الذي لم تؤيده المحكمة الاتحادية العليا العراقية عندما قضت بعدم دستورية المادة (١٤) من قانون التعديل الثالث لقانون المحافظات؛ لما له من حرمان افراد المجتمع من ممارسة حقهم في الانتخاب بصورة دورية كما ليست هنالك ضرورة من هذا التمديد وفقاً لأحكام المواد (٢/أولاً/ب/ج) و(٥) و(٦) و(٥٦/اولاً) و(١٢٢/ثالثاً) من دستور سنة ٢٠٠٥ النافذ(١)؛ إذ إنَّ القانون أقر باستمرار مجالس المحافظات السابقة في ممارسة عملها، وحدد موعد اجراء انتخاب مجالس المحافظات في ٢٠٢٠/٤/١، وفق المادة (١٣/أولاً/ثانياً) من قانون التعديل الاول (لقانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨) رقم (١٤) لسنة ٢٠١٩؛ لكن سرعان ما انهيَ عمل مجالس المحافظات السابقة وفق المادة (١) من قانون التعديل الثاني (لقانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨) رقم (٢٧) لسنة ٢٠١٩، انسجاماً مع البعد الدستوري والقانوني في وقف استمرار ولايتها التي تجاوزت الشرعية الانتخابية، كما عادت المحكمة الاتحادية العليا العراقية لتؤكد على ذلك في قرار لاحق لها(٢)؛ بالتالي انعكس هذا الأمر بشكل سلبي على واقع المحافظات، واصبح عضو البرلمان يلتجئ إلى توفير الحاجات والخدمات الاساسية للمواطنين، التي تدخل في صميم عمل مجالس المحافظات، تاركاً ممارسة اختصاصه سواء في الجانب التشريعي أو الرقابة على الجهاز الحكومي. ولئن تأملنا قانون انتخاب مجالس المحافظات رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ المعدل، نجد أنه اعتنق العديد من المبادئ الاساسية، التي يمكن استخلاصها من الملامح التي سار عليها قانون الانتخاب والتي نجدها تارة تتماثل مع قانون الانتخابات السابق رقم (٣٦) لسنة ٢٠٠٨، وتختلف عنه تارة أخرى، سواء من حيث الانتخاب أو الترشيح أو النظام الانتخابي والدوائر المتبعة في هذا القانون، غير أن اعتناق طريقة سانت ليغو المعدلة العراقية لها أثر كبير على مشاركة اغلب المواطنين، وعزوفهم عن اختيار من يمثلهم في مجالس المحافظات، فوفق هذه الطريقة المعدلة يتم قسمة عدد الاصوات الصحيحة التي يحصل عليها كل حزب سياسي في الانتخابات على الارقام الفردية (١،٧-٣-٥-٧ … الخ) ولغاية آخر عدد فردي بقدر عدد المقاعد المراد توزيعها، ثم يجري البحث عن اعلى رقم من نتائج القسمة ليعطى له مقعداً، وتتكرر هذه الحالة حتى يتم استنفاذ جميع مقاعد الدائرة الانتخابية، وما يؤخذ على هذه الطريقة انها تتيح للاحزاب الكبيرة فرصة الحصول على اكبر عدد من المقاعد؛ لما تمتلكه من ثقل سياسي ورمزي في الحياة السياسية والقدرة على ابعاد منافسيها من سدة الانتخابات المحلية، مما سيخدمها في تشكيل تحالفات قوية لانتخاب المحافظين ورئيس مجلس المحافظة، في حين انها ستؤثر نوعاً ما على الاحزاب الصغيرة في الحصول على المقاعد في مجلس المحافظة، خصوصاً إذ كانت هذه الاحزاب في بداية عملها وتسعى لاثبات وجودها أمام الجميع، إذ ما قورنت مع طريقة سانت ليغو القديمة المتبعة في السويد والنرويج، إذ يتم قسمة عدد الاصوات الصحيحة التي يحصل عليها كل حزب سياسي في الانتخابات على الارقام الفردية (١-٣-٥-٧ … الخ)، الذي من شأنه أن يساهم في فوز الاحزاب الكبيرة والصغيرة والمتوسطة؛ لكن بنتائج متفاوتة، مع صعوبة تحقيق التوافقات السياسية واتخاذ القرارات، فضلاً عن صعوبة تشكيل التحالفات، وهي ما تم اعتمادها سابقاً في انتخابات مجالس المحافظات.
من جانب آخر إذ ما نظرنا في تقليص عدد مقاعد كل محافظة عراقية وفق ما جاء به قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ المعدل، لوجدنا أن لها أثر على نتائج الاحزاب السياسية في الانتخابات، إذ مع اعتناق طريقة سانت ليغو العراقية (١،٧) سوف تقل مقاعد الاحزاب الكبيرة؛ لكن تبقى في المركز الاول متقدمة على بقية الاحزاب، وتحرم الاحزاب الصغيرة من الحصول على مقعد، وتضر أو تقلل من نسبة الاحزاب المتوسطة في الحصول على المقاعد، وكلما زاد تقليص عدد المقاعد زاد أثرها على هذه الاحزاب وعدم حصولهم على المقاعد في المحافظة، على عكس من طريقة سانت ليغو القديمة.
مما تقدم نرى أن اعتناق طريقة سانت ليغو المعدلة العراقية في انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها ٢٠٢٣/١٢/١٧، لا يخدم الاحزاب السياسية الناشئة والصغيرة وامكانيتها في التحول من المعارضة إلى الادارة والحكم، ويخرق مبدأ المساواة بينها وبين الاحزاب الآخرى، سواء في حالة عدم تقليص عدد مقاعد كل محافظة أو تقليصها؛ لذلك كان الأولى اعتناق طريقة بديلة تكن عادلة في احتساب اصوات الانتخابات وعدم ترك هذا الأمر للاهواء والمصالح الحزبية لتعلقه بعموم المواطنين.