صراع القوى في الفضاء السيبراني

المقالات
 د. ايناس عبد الهادي الربيعي
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية

لعبت التكنلوجيا دورا اساسيا في قوة الدول في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الدول الاخرى لتستخدم تطبيقاتها في النطاق المدني والعسكري على حد سواء ليكون الفضاء الالكتروني نطاقا جديدا ذو امتداد لنشاط الانسان في مجالات عدة ، فبعد ان شهد العالم تطورا متسارعا في تكنلوجيا المعلومات ادى ذلك التطور الى ظهور مخاطر امنية تزامنت مع النمو المكثف لتقنيات المعلومات لتبرز اهمية امن الفضاء الالكتروني الذي بات يلقى اهتماما متصاعدا في نطاق الامن الدولي في محاولة لمواجهة التهديدات الالكترونية المتصاعدة وما لها من تأثير على الطايع السلمي ومحاولة دفع الجهود الدولية لمنع عسكرة الفضاء الالكتروني ولا سيما في ظل تنامي حالة الفوضى في الاستخدام لتلك التقنيات ، فتطور العلوم والتكنلوجيا فرض حالة من الحد من استخدام الاسلحة التقليدية واللجوء لاستخدام اسلحة ذات تأثير محدد على البيئة ومجالها الحيوي ، الا ان التقدم التقني الذي شهده القرن الحادي والعشرين ساهم في تطور العديد من الاسلحة والالكترونية احداها ومن المتوقع ان ينتشر استخدام الاسلحة السايبيرية سواء بمفردها او بالارتباط مع اسلحة اخرى في ظل تطور اليات الذكاء الاصطناعي والتطور التقني المرافق له ليظهر للعلن صراع جديد يتمثل بالأنشطة العسكرية عبر الفضاء الالكتروني ليكون عنصر هام في ظهور اسلحة جديدة تمثل تحديا امنيا وغير تقليدي وهو ما يظهر الحاجة للبحث عن آلية للتعامل مع تلك التحديات ومواجهتها فالاستخدام السلبي للتقنيات الالكترونية في نطاق القانون الدولي العام وما يفرزه من تحديات بات يشكل خطرا على بنية العلاقات الدولية فهو يمثل نقلة نوعية من فضاء قانوني مبني على اساس الجغرافيا الى فضاء جديد يتحلل من ذلك الاساس محلقا نحو فضاء الكتروني ينتفي معه مفهوم الحدود بمعناها الجغرافي ، لذا تظهر اهمية اعادة النظر في المفاهيم التقليدية للسلطة القانونية والمتغيرات الخارجية والداخلية وتفاعلها في نطاق العلاقات الدولية في ظل تداخل تلك المفاهيم ليكون من العسير البت بما هو اختصاص دولي او ما هو اختصاص داخلي متجاوزا الحدود القضائية ، لذا وفي نطاق البحث عن امكانية تطبيق القانون الدولي في نطاق الهجمات السيبرانية نجد ان المحاولة لسد الفراغ التشريعي بذلك النطاق يبقى العمل في نطاق الالتزام بنطاق القواعد العامة المحققة لصالح الجماعة الدولية ككل في ظل وجود اتفاق عام على سريان احكام القانون الدولي على ما تمارسه الدول او غيرها من انشطة داخل النظام الدولي باعتبار ان القانون الدولي عام وذو نطاق تطبيق عالمي ، لذا ومن خلال البحث عن مدى مشروعية استخدامات الاسلحة السيبرانية ومدى تأثيرها على سيادة الدول ومدى اتفاق ذلك مع احكام القانون الدولي العام يتوجب علينا البحث عن ابرز استعمالاته في احداث دولية والتي من ابرزها استخدام تنظيم القاعدة له خلال هجماته على مصالح الولايات المتحدة بدءا من عام 2001 ليبرز دوره في عام 2007 في الصراع بين استونيا وروسيا وبين روسيا وجورجيا عام 2008 ومن ثم جاء الهجوم على برنامج ايران النووي بفيروس ستاكسنت عام 2010 ليمثل ذلك نقلة في اسلوب الهجمات السيبرانية ، ليبرز الدور الاكبر عام 2011 وما كان له من اثر بالغ لمواقع التواصل الاجتماعي في الثورات العربية في مطلع ذلك العام ، لتظهر الرغبة في السيطرة عليه بعد تصاعد موجة الاحتجاجات في معظم الدول الاوربية وفي الولايات المتحدة الامريكية لذا بدء العمل بالاستخدام المعاكس لتلك التقنيات من خلال اتباع استراتيجية متدرجة لانهاك الخصم للتغلب عليه عبر التسلل وسط السكان وزعزعة ثقتهم بمؤسسات الدولة وتحويلهم لأرضية بديلة عن المواجهة المباشرة من خلال شحن الرأي العام تطبيقا لفكرة اسقاط النظام من الداخل عبر التأثير النفسي والمعنوي في قطاعات واسعة من الشعب لتعمق بذلك التبعية الاقتصادية والثقافية للخارج والتغريب ، وهو ما يؤدي تبعا للتأثير في نمط انتشار القوة في النظام العالمي والهيمنة على قرات الدول من قبل الدول المهيمنة لتكون في مرمى الخطر لإمكانية اختراق انظمتها الدفاعية من خلال شبكات الاتصال والمعلومات الا ان ذلك التهديد لا يقتصر على دولة بذاتها فهو تهديد يشمل الجميع لتصبح الهجمات السيبرانية حروب تعمل على تقويض النظام العالمي عبر استخدام اسلحة غير مرئية تمتلك القدرة على التدمير الشامل دون ادنى تهديد للبنى التحتية الحيوية او حياة الانسان بالضرورة على الرغم من امكانية حدوث ذلك فهي اعمال تقوم بها دولة تحاول من خلالها اختراق اجهزة الكومبيوتر والشبكات التابعة لدولة ما بهدف الاضرار بها او تعطيلها وهو ما يظهر الطابع الدولي لهجوم كذلك ، فلا تحتاج تلك الهجمات سوى منصات بسيطة وغير مرئية وجهاز كومبيوتر ثابت او محمول او هاتف محمول وموقع على شبكة الانترنت ومحرك للبحث واحدى شبكات التواصل وخادم افتراضي لتشكل بمجموعها منصات اطلاق ليتم استخدامها من اي مكان ومن قبل اي شخص كالقراصنة والمتطرفين او موظف ساخط على شرك

 منافسين او دول تتنافس فيما بينها ، لتستخدم تلك الاسلحة للحصول على عنصر المفاجأة في ميدان المعركة فالاستخدام المتقن لتلك الاسلحة يمكن الخصم من شت هجمات استباقية تأثر على قدرات الخصم وتخترق كيانه الالكتروني معتمدة على انواع متطورة من الفيروسات وهجمات الهكرز المنسقة لتتحرك تلك الاسلحة عابرة للحدود الدولية بشكل يجعل عملية استخدام الهجمات السيبرانية سياسيا امر يمكن وصفه بالإرهاب دون ان يحمل طابعا اخلاقيا بقدر ما يعبر عن نمطها الفني ولا سيما ان الهجمات ترتكز على مهاجمة البنى التحتية المعلوماتية الخاصة بدولة اخرى، لتدخل بذلك في اطار الحروب الغير متكافئة فمن يبادر بالهجوم هو الطرف الاقوى بغض النظر عن قوته وقدراته العسكرية التقليدية اذ لا يتطلب تنفيذها سوى وقت محدود يتسم بالقصر وفي زمن قياسي عادة ليبقى مصدرها مجهولا مع بث الرعب والخوف ولا سيما في ظل الجهل بحجم الخسائر الفعلي لتكون بذلك اسلوب عسكري غير نمطي لإدارة الصراعات المسلحة ولا سيما في ظل اشراك منظمات غير حكومية وافراد مدنيين ليصبح بذلك الاشتراك في الحرب على نطاق واسع يصعب تحديد حجمه وابعاده مع كونه يتطلب جنودا مؤهلين علميا وتقنيا لاستخدام تكنلوجيا المعلومات ، لذلك يتطلب الحصول على دعم دولي للحد من تلك الهجمات وتحجيمها الوقاية منها الا ان ذلك الامر ليس باليسير فمن الصعب تقديم دليل او اثبات لتورط طرف ما في الهجوم وهو ما يصعب ايجاد ضمانة لأجماع دولي للتعاون في مكافحة هذه الحروب او فرض عقوبات دولية على طرف ما عندما تكون دولة معرضة لانتهاك سيادتها او نطاقها الجغرافي اذ تتمكن الاسلحة السيبرانية من تجاوز تلك القيود وتنفيذ هجمات ذات مدى طويل وبسرعة البرق دون الحاجة للاحتكاك بالخصم اضف الى ذلك القدرة على العمل بسرية من خلال نسج هالة من الغموض حول جهود التسليح تلك وهو ما يمثل تحديا في امكانية السيطرة عليها خلافا للسلاح التقليدي لذلك يعد السلاح السيبراني سلاح غير قاتل بالعادة وغير مرئي فهجوم تلك الاسلحة يمكن ان يتم دون الحاق ادنى ضرر بالبنى التحتية او الانسان وهو ما يعد امتياز لها مقارنة بالأسلحة التقليدية الا ان ذك لا ينفي امكانية تسببها بدمار شامل عبر هجمات ذات اثر مادي الا ان امتيازها الاول هو امكانية استهدافها لمنشآت يصعب استهدافها بالنيران نظرا لبعدها الجغرافي والحماية المتوفرة لها او لوجودها ضمن تجمعات سكانية بخطر ضئيل على حياة السكان مقارنة بالهجوم العسكري ليمثل ذلك نوعا من الانتقائية مقابل عشوائية الاسلحة التقليدية وان كانت تلك الميزة ليست مترافقة دوما مع هجمات كتلك ، فهجمات كتلك ممكن ان تكون ذات طابع فيروسي تتصل باستنساخ تلك الفيروسات لنفسها الامر الذي يمثل تحديا للطرف المقابل لصعوبة احتواء ذلك الهجوم الذي تم بجهد محدود وتأثيرات كبيرة وبكلفة رخيصة وبقدرة تحكم عالية ، تكون المشكلة الاكبر عند دخول سباق تسلح من هذا النوع تحديد ماهية تلك الاسلحة التي يمتلكها الاخرون وهو ما لا يمنح المجتمع الدولي القدرة التدخل لاحتواء ما يمكن ان تتسبب به من مشاكل فلا مجال للتفتيش كآلية للرقابة كما هو الحال في نطاق الاسلحة النووية وذلك لسرية تلك النشاطات ولا سيما ان التوقعات تشير الى انه هناك ما لا يقل عن (120) دولة تقوم بتطوير اسلحة سيبرانية مع تطوير طرق التجسس واستخدام الانترنت كسلاح لاستهداف اسواق المال وانظمة الكومبيوتر الخاصة بالخدمات الحكومية ومن اهم الدول التي تمتلك قدرات لهجمات الكترونية هي الولايات المتحدة والصين وروسيا واسرائيل وفرنسا وبريطانيا والهند والمانيا واقرب مثال على ذلك اتهامات الولايات المتحدة لروسيا باختراق شبكتها الالكترونية واعتبار روسيا تشكل خطرا على امنها واتهام وكالة ناسا الفضائية للصين باختراق نظم معلومات اقمارها الصناعية في الفضاء الخارجي وهو ما تنفيه الصين مع توجيه من قبل ايران وروسيا للولايات المتحدة في حين تعد السويد وفنلندا واسرائيل من افضل الدول جهوزية لمواجهة الهجمات السيبرانية مقارنة بالولايات المتحدة التي تجري سنويا محاكاة التعرض لحرب الكترونية يطلق عليها عاصفة الحواسيب تخصص ميزانية ضخمة لمواجهة تلك التهديدات قدرت عام 2012 بخمسمائة مليون دولار، لذلك ومما تقدم تبرز الحاجة للدعوة لوضع اتفاقية دولية لتأمين وحماية الاستخدام السلمي للفضاء الالكتروني كما هو الحال في قواعد القانون الدولي التي تطبق بين الدول لتعتمد كقواعد العلاقات بين الدول في نطاق التكنلوجيا الرقمية وهو ما نجده قابلا للتطبيق كمعالجة قانونية وان كانت غير كافية الا ان البدء بخطوة في سبيل وجود اطار قانوني كلي يغطي تلك الحالات امر ليس بالمستحيل بل هو اضمن طريقة لوضع معالجة شاملة تتوافق مع احكام القانون الدولي .