من البحر.. الى النحر
من البحر.. الى النحر
سيف محمد الحسيني. صحفي وباحث
تمثل نهاية شهر محرم الحرام من كل عام بداية لملحمة كبرى ,فما ان يهل هلال شهر صفر حتى يبدا المؤمنون بشد الرحال والتهيؤ لبدء رحلة العشق الحسيني, فمن منطقة رأس البيشة في اقصى الجنوب يبدأ المؤمنون والمؤمنات السير بخطى ثابته والابثار شاخصة والقلوب تائقة والعيون دامعة نحو كربلاء , وذاك هو حال كل من يسير نحو قبلة الاحرار واخيه ابي الفضل العباس والشهداء الذين اوفوا بعهدم له عليه وعليهم السلام .
لايمكن بحال من الاحوال اغفال حجم الاستهداف الذي تعرضت له زيارة الامام الحسين عليه السلام بشكل عام وزيارة الاربعين بشكل خاص , وحسبنا في هذا كل من يطلع على التاريخ وما تمت كتابته عن الجرائم التي ارتكبها السلاطين بحق الزائرين , فقطع اليد تاره وقطع الراس تارة تاره اخرى والسجن والتشريد وانتهاك الحرمات , وصولا الى الاساءة بالقول والفعل .
ولكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون , بعد سقوط نظام البعث الصدامي عام 2003 والذي كان يعدم كل من يشك بانه ينوي الزيارة , وكان وجود كتاب مفاتيح الجنان يعد جريمة كبرى لاشفاعة لها ولا استرحام فضلا عن كتاب ضياء الصالحين الذي يعد وجوده حكم مسبق بالاعدام على من يقتنيه ,وما لاقاه المؤمنين من ويلات من ذلك النظام الذي حارب كل ما له علاقة بالحسين عليه السلام وفكره وثورته وزيارته .
ان سقوط النظام شكل متنفسا للمؤمنين لاستئناف شعارهم التي حرموا منها من جراء السياسات الضالمة حيث انطلق المؤمنين لزيارة الاربعين بكل عنفوان وشوق فالسير الى ابا عبدالله مفخره وعلامة من علامات المؤمن , الا ان اعداء الانسانية واعداء ال بيت النبي محمد صل الله علي واله وسلم قد جن جنونهم فعلى مدار احد عشر عام منذ 2003 ولغاية 2014 والاستهداف للزيارة بشتى الطرق حيث اخذ مسارين المسار الاول هو التسقيط والاساءة للزائرين من خلال وسائل الاعلام وحتى الكلام العادي والمسار الثاني هو الارهاب والقتل والتفجير والقنص وما هو على تلك الشاكلة , الا ان ذلك كله لم ولن يثني الزائرين عن احياء الزيارة , وبدات مظاهر ازدياد وكثرة الزائرين بشكل واضح نتيجة عوامل ثلاثة العامل الاول هو نشوء جيل جديد من الذين تربوا على اخلاقيات الزيارة والعامل الثاني هو المواكب الحسينية التي خففت عن كاهل الزائرين مصاعب الطريق حيث توفر كل الاحتياجات من ماكل ومشرب وسكن واستراحة وعلاج , والعامل الثالث هو نجاح الزائرين ينقل الصورة الصحيحة الايجابية عن الزيارة التي شكلت عامل جذب لمختلف اقطار العالم الا ان الهاجس الامني كان مؤثرا بدرجة معينة على استقدام الزائرين الاجانب , وهنا يجب ان نؤكد ان المواكب الحسينية التي تنتشر على طول طريق الزيارة كان لها الاثر الكبير في دعم الزيارة والموكب عبارة عن سرادق تحتوي على مكان للاستراحة الزائرين ومكان لاعداد الطعام ومكان للمنام والخدمات فضلا عن عدد من المتطوعين الذين يسمون بالخدام للامام الحسين الذي يكون همهم وشغلهم الشاغل هو خدمة الزائرين كما ان المكواكب تقسم الى مواكب النساء والمواكب الرجال فضلا عن انواع متعددة فهناك مواكب الطبابة والعلاج وهناك مواكب تجهيز الخبز ومواكب صيانة عربات ذوي الاحتياجات الخاصة و الاطفال وهناك مواكب ثقافية تحتوي على معارض الصور ومسارح رملية واماكن عرض كل ما له اثر في توضيح معالم الثورة الحسينية وغيرها الكثير الكثير .
يمكن النظر الى زيارة الاربعين بين حدين تاريخين هما ما قبل 2014 وما بعدها فقد ذكرنا انفا ما قبلها وهنا نذكر مابعدها حيث مثل دخول الحشد للميدان العراقي واخذ دوره بالعمل الامني والعسكري الذي القى بظلاله على الامن بشكل عام وامن الزيارة بشكل خاص حيث بات استهداف الزائرين امر مستبعد بل يكاد لا يذكر منذ قيام الحشـــد الشـــــعبي بتامين الزيارة جنبا الى جنب من القوى الامنية والعسكرية , ولا ننكر هنا عظيم الدور الذي ادته القوى الامنية والعسكرية في ما مضى ان دخول الحشد شكل فارقا لا يمكن مقارنته بما سبقه , حيث انهى الحشد الاستهداف للزيارة لاسيما الجانب الامني في مناطق حزام بغداد وجرف النصر ( الصخر ) اذ اصبح الطريق امن بشكل كامل , ان التحسن الذي حدث ساهم باستقدام الزائرين من مختلف دول العالم وهذا امر هم كون رسالة وثورة الامام الحسين عالمية وشاملة لكل الاحرار اذ اخذت الوفود الاجنبية تحيي الزيارة وتجيء من مختلف الاصقاع لاحياء الزيارة حيث ان الكثيرمن الزائرين هم من اصحاب المكانات العلمية من اساتذه وفلاسفة ومفكرين ونذكر منهم المفكر والفيلسوف الروسي الكسندر دوغين الذي تاثر كثيرا واوصى بدراسة فكر الامام الحسين وثورته ضد الظلم وفهم السر من هذه الثورة الفذه,
مع هذا النجاح كله بقى جانب الاستهداف الثاني فبعد القضاء على الاستهداف العسكرية بقي الاستهداف الاعلامي ومحاولة الاساءة من خلال محاطات فضائية ماجورة وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي وقد لاحظنا كثيرا مقاطع فيديو لاشخاص يسيؤون للزائرين لاسيما الاجانب منهم فقد ظهرت في السنتين الاخيرتين حالات ان يقوم احد الشباب في العادة بالاساءة بالقول او الفعل للزائرين الاجانب مستغلا عدم فهمهم للغة التي يتحدثها من اجل اهانتهم او الحط من كرامتهم ومن ثم بعد يوم او يومين ينشر نفس الشخص اعتذار حيث تكررت هذه الحالة كثيرا ولا يخفى على المتابع ان هذه الحالات مدفوعة الثمن وهي باتت تتكرر بشكل غير مبرر من قبل الشراذم والارذلون ممن استحبوا الظلاله .
لقد كان بالتوازي مع كل الاستهداف الذي جرى ويجري ,هناك مشروع ثقافي يزداد يوما بعد يوم فالمواكب الثقافية الكثيرة ومعارض الصور والمسارح الرملية و العروض القصيرة , فضلا عن فضلاء الحوزة المنتشرين على مدار طريق الزيارة لتوضيح الامور واعطاء المشورة والاحكام الشرعية للمؤمنين فضلا عن محطات تحفيظ القران الكريم والمجسمات التي تذكرنا بالشهادة والشهداء الذين استلهموا التصحية من سيد الشهداء واصحابة كل ذلك كان جانب المقاومة لكل تلك السلوكيات المنحرفة التي تستهدف الزيارة والشعائر الحسينية التي تنيسر الطريق نحو طريق الهداية وسفينة النجاة.
والسلام على الحسين وعلى ابا الفضل العباس وعلى علي ابن الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى احباب الحسين وعلى من سار على نهج الحسين عليه السلام