الأول من أيار، عيد العمال أم عيد الموظفين؟
الأول من أيار، عيد العمال أم عيد الموظفين؟
التدريسية: جمانة جاسم الاسدي/ باحثة دكتوراه في قانون العمل
ابتداءً وقبل كل ذي بدء وبمناسبة حلول 1 أيار/عيد العمال العالمي، أتقدم بالتهاني والاماني لجميع العاملين بيومهم العالمي والذي اتمنى لهم فيه رزقًا حلالًا طيبًا يغنيهم عن سؤال الناس ويكفيهم ما يؤمن رغيد العيش، وكما اتمنى منهم العمل بجد واخلاص واجتهاد طاعةً لله وتقربًا لوجهه الكريم أولًا وقبل كل شيء، وخدمةً لوطننا العزيز وللمواطنين.
كثيرًا ما يثار التساؤل المتعلق بسبب شمول الموظفين العموميين بعطلة عيد العمال! وحول كون هذا اليوم هو للاحتفاء بالعمال ممّن هم في غير سلك القطاع العام، وهذا ما سنحاول إن نجيب عنه في هذه السطور أن شاء الله، وفق رؤية شرعية تشريعية.
في حقيقة الأمر ومن حيث المبدأ يعتبر المفهوم العالمي للعامل شاملًا للموظفين العاملين في القطاع العام بمختلف صنوفهم المدنية والعسكرية، وفي القطاع الخاص والتعاوني والمختلط على حدً سواء، فبالأساس هو لا فرق بينهما في المعنى، ولكن درج في المفهوم القانوني إن من يعمل في القطاع العام يطلق عليه لفظ موظف وينطبق عليه قانون معين يختلف بحسب جهة انتسابه وعمله الوظيفي، ومن يعمل في القطاع الخاص يطلق عليه لفظ عامل، وهناك معنى آخر درج أن من يعمل في وظيفة مكتبية هو موظف، ومن يعمل عمل ميداني وبجهد جسماني، أو حرفي فهو عامل.
العامل = الموظفين العموميين + الاجراء الخاصين + المستخدمين للخدمة.
واذا ما أردنا تدقيق الأمور في المنظور الشرعي والتشريعي سنجدهما يجمعان بين هذه الشخصيات باعتبارهم عاملين في خدمة لقاء اجر أيًا كان نوعه، ولأنه المصدر الطبيعي للكسب الطيب الحلال فنجد أن الإسلام الحنيف قد أولاه أهمية وعناية خاصة، فذكره الله سبحانه في محكم كتابه الكريم أنه: "هو الذي جعل لكم الارض ذلولًا فمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" (سورة الملك الآية 15)، وقوله جلا سبحانه: "ان الذين امنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا" (سورة الكهف الآية 88)، وكذا قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (سورة التوبة الآية 105)، فيتضح لنا من التفسير الظاهري للآيات الكريمة أنها جاءت شاملة للعمل الديني التعبدي لوجه الله، وللعمل الدنيوي المتجسد في الاعمال الصناعية والتجارية والفكرية وغيرها طلبًا للرزق والسعة.
العمل وعلى الرغم من كونه هو وسيلة الإنسان لاستحصال الرزق والمعيشة إلاّ أنه في نظر الله طاعة والتقوى فيه وفي مزاولته هو عبادة مقبولة، فعن حبيبنا الصادق الأمين (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: "من أمسى كالًا من عمل يده أمسى مغفورًا له"، وعن الأمام علي (عليه السلام): "الشرف عند الله بحسن الاعمال لا بحسن الاقوال"، وعن الأمام زين العابدين (عليه السلام): "إن أحبكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملًا، وإن أعظمكم عند الله عملًا أعظمكم فيما عند الله رغبة"، وعن الأمام الصادق (عليه السلام): "اعملوا قليلًا تنعموا كثيرًا".
وبهذا الصدد نذكر أنه لم يسبق أن جاء أي تشريع سابق على الإسلام سواء أكان سماويًا أو وضعيًا ليعطي حق العمل أي نصوص كالتي اعطاها الدين الإسلامي، وما جاء من بعده من تشريعات خاصة بالعمل فهي ليست وليدة الدوافع الإنسانية أو الحب في الإنصاف والعدالة، أنما نتيجة طبيعية لثورات العمال ضد أصحاب العمل أو ضد سياسة الدولة بعد إن استشرى استبدادهم وطغيانهم، أو خوفًا من تفاقم مشاكل العمال معهم وخطورة التكتلات التي انضموا إليها.
أما على الصعيد التشريعي فنلاحظ إن الدستور العراقي النافذ لسنة 2005م وفي مواده قد ضمن هذا الحق للعراقيين وكفله بشكل صريح لا يقبل الشك أو التأويل في الوظائف العامة أو القطاعات والمشاريع الخاصة، مع التزام الدولة وكفالتها بتوفيره للقادرين على العمل وفقًا لإمكانياتها، وإمكانيتهم الشخصية والدراسية والعمرية والجنسية، وبما لا يخالف النظام العام والآداب العامة، وبهذا المعنى نجد أن المادة 16 نصّت على أنه: "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لذلك"، والمادة 22 من الدستور نصّت على أن: "حق العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة".
كما وبين الدستور كفالة حرية الانتقال للأيدي العاملة بين الاقاليم والمحافظات(م24) وهذا ما نلاحظه ينطبق على الموظف والعامل، ولم يغفل حرية التعامل في اختيار العمل للمواطن العراقي حيث نصّت المادة 37 بفقرتها ثالثًا على تحريم العمل القسري والعبودية...إلخ، ومنع ذلك في قانون الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012م في المادة الأولى بفقرتها أولًا منه، وفي قانون العمل رقم 37 لسنة 2015م في المادة 11 بفقرتها ثانيًا.
تأسيسًا على كل ما سبق وتأسيسًا على قاعدة الاجتهاد الشرعية التي تقول أن: "العبرة بشمول اللفظ وعمومه"، والقاعدة القانونية التي تذهب إلى أنه: "المطلق يجري على أطلاقه"، نؤكد قولنا بشمول لفظ العامل على كل من يقوم بعمل لقاء أجر، وسواء أكان عمل حرفي، وظيفي، مكتبي، مهني، جسدي، فكري، في القطاع الخاص أو القطاع العام، فهو عامل في نظر الشريعة، وإنّ اختلفت التسميات في القوانين الوضعية التي تحكم أعمالهم، فهو للتميز بين أوضاعهم القانونية وما يتولد عنها من حقوق والتزامات متبادلة.