لماذا يعيد تنظيم "داعش" انتاج نفسه؟
الباحث حيدر الجنابي
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
بعد ثلاث سنوات من الحرب ضد تنظيم ما يعرف"بالدولة الإسلامية" تمكنت القوات العراقية والحشدين الشعبي والعشائري والبيشمركة الكردية وقوات التحالف الدولي من انهاء الخلافة الاسلامية التي اعلنها عام 2014 وانتزاع سيطرته على ثلث مساحة العراق التي اقتضمها بين ليلة وضحاها بوجود الاف المجندين من المؤمنين بفكر التنظيم المتطرف والمستغلين لسطوته.
الا ان تلك الجهود لم تمحِ ما بقي من قوته الايدولوجية، إذ استأنفت التنظيم كما في كل مرة نشاطه في العراق وسوريا وبلدان اخرى بعد ان استغنى عن فكرة الخلافة واتجه صوب اسلوب "حرب العصابات" لتحقيق الانهاك للقوات الامنية العراقية من خلال الخلايا الخاملة التي تعمل وفق اسلوب حرب العصابات بأعداد قليلة وضربات موجعة بسرعة ومباغتة خاطفة تعيد للانصار الثقة بدولتهم المهزومة.
ومع مقتل كل زعيم للتنظيم يتبرعم زعيم اخر يقود الجموع وفق استراتيجية مغايرة بعض الشيْ لمن سبقه وفقا لمقتضيات الاوضاع وتكتيكات المعركة، ولكن ما هي المقومات التي تعيد التنظيم المتطرف للحياة؟
في الواقع هناك جملة مقومات تجعل التنظيم يقف من جديد مع كل مرة يسقط فيها جراء الضربات الموجعة وهي:
اولا: الايمان بفكرة الحاكمية الالهية وتكفير الانظمة والمجتمعات.
تؤمن داعش بافكار التيار الجهادي الذي يدعو الى اصلاح المجتمع عبر قلب انظمة الحكم من خلال العنف المسلح واحياء الحاكمية الالهية وهذا التيار يمثله الاخوان المسلمين ومنظرهم سيد قطب صاحب كتاب "معالم في الطريق" المصدر الرئيس للجماعات المتطرفة. كما يتبنى المتشددون مبدأ السلفية والمقصود بالسلفية عندهم هو من سلك طريق السلف في ارجاع الاحكام الشرعية الى القرآن الكريم والسنة النبوية.
وبوجود هذا التيار المتطرف الذي ولد من تزاوج التيارين الجهادي والتيار السلفي فأنه يمكن للصواريخ والاسلحة المتطورة ان تنتزع سيطرة المتشددين على الارض وتوقف العجلات المفخخة لكنها لن توقف انتقال فكرة الحاكمية الالهية ولا تكفير الانظمة السياسية والمجتمعات، حيث يرى السلفيون ومن بينهم "ابو محمد المقدسي" الذي يعد احد ابرز منظري السلفية الجهادية على مستوى العالم، ان الديمقراطية نظاما كفريا يناقض الاسلام ويعلل ذلك بأنها تعطي حق التشريع للبشر وليس لله تعالى، ويذهب ابعد من هذا الحد حينما يعد الديمقراطية دينا، ويؤلف في نقدها كتابا تحت عنوان "الديمقراطية دين" ويوجه رسالته الى المؤمنين بها " يا عبيد القوانين الوضعية، والدساتير الارضية، و يا ايها الارباب المشرعون، انا نبرأ الى الله منكم ومن ملتكم كفرنا بكم وبدساتيركم الشركية.
ثانيا: الايمان بالجماعة لا الرموز : لاتعتمد داعش على الشخصيات والرموز بشكل كبير ففقدها للرموز لا يؤثر كثيرا، فهي تعمل بشكل كبير على روح التنظيم و رمزيته اكثر من اعتمادها علىى الشخصيات، فمقتل ابو عمر البغدادي ومن بعده ابو بكر البغدادي لم يوقف نشاط التنظيم.
الاضطرابات في الشرق الاوسط: لن يجد التظيم مكانا افضل من بيئة الشرق الاوسط لاعادة انتاج نفسة سيما في العراق وسوريا وليبيا وتونس حيث الامن الهش الذي اعقب الربيع العربي والازمات السياسية الداخلية المتجددة في هذه البلدان.
إعلان الخلافة "التمكين": يرى محللون ان الخلافة الإسلامية التي اقامها التنظيم في العراق وسوريا قدمت له خدمة كبيرة ،حيث تم تعليم جيل جديد وشاب من الجنود عسكريًا وأيديولوجيًا. ويغذي سقوط الخلافة في سورية والعراق خطاب "داعش" حول أزمة الأمة ونضالها ضد 'الصليبيين' في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن نهاية الخلافة لا تعني بالضرورة نهاية الجهاد باسم الخلافة، كما يؤكد ابو بكر البغدادي" ان معركتنا اليوم هي معركة استنزاف ... وإن العدو بحاجة إلى أن يعرف أن الجهاد مستمر حتى يوم القيامة، وأن الله أمر المسلمين بالجهاد ولم يأمرهم بتحقيق النصر"
المنافسة مع القاعدة: نشأ الخلاف بين القاعدة و"داعش" مع إعلان الخلافة، وكان واضحا في خطب كل من البغدادي زعيم "داعش" وايمن الظواهري زعيم القاعدة، بالنسبة للقاعدة فداعش (خوارج او طائفة مرتدة بشوكة) اما بالنسبة لداعش فالقاعدة (صحوات عملية ومرتدة)، وهذا الخلاف يغذي اصرار الدولة الإسلامية للإبقاء دائما على كيانها في العراق وسوريا منعا لصعود القاعدة.
قدرة التنظيم على تقليم اطرافه الميته: عام 2015 ظهر تيار (الحطاب)، أو ما يطلق عليه (التيار الحازمي) وتحدث حول حكم المتوقف في تكفير المشركين، وأن الحكم بالتكفير من أصل الدين وليس من لوازمه، وكفّر القاطنين في ديار الكفر، فعمد أبو بكر البغدادي آنذاك، الى استئصال هذا التيار وحكم بإعدام زعميه "أبو جعفر الحطاب" وأخضع باقي عناصره للسجن والاستتابة.
ومع بروز أفكار أشد تطرفاً قرر البغدادي تشكيل ما يسمى بـ “لجنة الرقابة المنهجية” التي عقدت جلسات استنطاق للشرعيين، كانت تنتهي بالاستتابة أو الإعدام.
قدرة التنظيم على العمل الى جانب عناصر تختلف معه ايدلوجيا: يرى الدكتور هشام الهاشمي ان "داعش" تضم ثلاثة انماط من المقاتلين:
النمط الاول: جهاديون فكرا وعملا وهدفا، وهم اعضاء تنظيم القاعدة السابقين.
النمط الثاني: ما يطلق عليهم بالمضطهدين، وهم المعتقلين السابقين في سجون الحكومة العراقية ومن قبلها القوات الامريكية، ومن ذوي ضحايا العنف الطائفي في العراق، والمسحوقين تحت آلة التهميش والاقصاء والتمييز الاثني.
النمط الثالث: فهم مقاتلو المصلحة او الوصوليون، وهم الساعين في عود عقارب الساعة الى الوراء الى ما قبل عام 2003 وافشال المشروع الامريكي بالعراق واستهداف رموز التطبيع مع ايران وهم يستخدمون تنظيم داعش كحصان طروادة. ولا يستغني التنظيم عن هؤلاء لمصالح تتعلق بالطرفين، مثل "جيش الطريقة النقشبندية" التابعة لنائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري، وضباط الجيش العراقي السابق من البعثيين حيث ولدت علاقتهم مع الدولة الإسلامية بين جدران سجن "بوكا" الذي ضم كبار قادة تنظيم القاعدة والبعثيين.
استطاعت داعش ايجاد مفاهيم ناعمة كمفهوم "البعثي التائب" وهذه بإمكانها نقل عناصر البعث من ايدلوجية العلمانية الى ايدولوجية السلفية المتطرفة.
خاتمة
ان تحقيق الانتصار العسكري على التنظيم لا يمكن ان يوقف انبعاثه مرات ومرات، فانهاء وجود التنظيم لايعني اضعاف قوته الايدلوجية فالخطوة الاولى في تجنيد المقاتلين تبدأ بغرس الافكار يليها التدريب العسكري والاعداد الشرعي، ومادامت الفكرة حاضرة في عقول المؤيدين والمتعاطفين مع التنظيم تبقى عملية التجنيد مستمرة عبر انتقال الافكار وتلك عملية تبدو اسهل بكثير من حمل السلاح سيما في ظل وجود الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كنت لا تستطيع القتال يمكنك على الاقل اعطاء البيعة،
اذن يكمن الحل في مكافحة التطرف وذاك يتطلب اعداد استراتيجية مواجهة غير عسكرية "قوة ناعمة" تتمثل بمعالجة اسباب الظاهرة انطلاقا من جوانب عديدة سياسية ودينية واجتماعية، على الصعيد السياسي يتوجب العمل مع جميع الاطراف الداخلية والخارجية المؤثرة في البيئة العراقية بهدف تذويب المشكلات السياسية التي تضعف جهود مكافحة الارهاب، كما يتوجب العمل على توفير المناخات الملائمة للتعايش السلمي بين جميع المذاهب والاديان من قبل رجال الدين عبر تدعيم دور الدولة ونبذ التشدد والأصطفافات المذهبية، اما اجتماعيا فيمكن العمل على مكافحة الفقر والحرمان.