المسؤولية الدولية عن الاغتيال السياسي

المقالات

المسؤولية الدولية عن الاغتيال السياسي

بقلم / د. ايناس عبد الهادي الربيعي

 مما لا شك فيه ان الجرائم السياسية تعد من أخطر الجرائم التي تؤدي إلى أنتهاك أمن الدولة الداخلي والخارجي، فالجريمة السياسية عرفت بادئ ذي بدء في المجتمعات منذ بدء العصور القديمة حتى عصرنا هذا ، بدءا من العصور التي كانت فيها القبيلة هي الممثل الرئيسي للمحكمة والقائمة على مصالحها السياسية، وصولا إلى الدولة في شكلها القديم كالدولة الفرعونية في مصر، وبما لا يدع مجالا للشك بأن الجريمة السياسية كانت من أخطر الجرائم التي تهدد أمن الدولة.

فن البديهي ومنذ أن بدأت التجمعات البشرية بالظهور في التاريخ لأول مرة، بدأت ملامح النزاع والقتال تتبلور بين الجماعات الحاكمة آنذاك، فخلال تلك الفترة أتسم الفرد بكونه هو السلطان الحاكم، فلم يكن ثمة دساتير تنظم وتحمي حقوق الأفراد وتصون الشرعية وتحدد الحقوق والواجبات، وبناء على ذلك كان القوي يحطم الضعيف ويستولي على أملاكه من أراض وثروات دون أية وازع من ضمير أو احترام للحياة البشرية ، ولذلك كان يجب الاخذ بالحسبان عندما  ظهرت أولى معالم الدولة ظهرت الحاجة لوجود قائد يستلم قيادة تلك المجتمعات في حالات السلم والحرب، لتكون النتيجة الحتمية للحروب التي يخوضها هذا القائد ويخرج منها منتصرا  هو الولاء المطلق لشخصه، حيث أصبح الولاء مطلق لهذا القائد المنتصر هو الحاكم على مجريات الامور، ومن هنا تشكلت أولى ملامح تلك الجريمة حيث برزت الجريمة السياسية، فمجرد ان يبدر أي مساس من قبل الأفراد بهذا الولاء يصبح هذا التصرف جريمة سياسية شديدة الخطورة يستوجب أيقاع أقسى العقاب بمرتكبها، ليستمر الحال على ذلك طوال قرون عدة وصولا إلى القرون الأولى من العصر الحديث، والتي شهدت انقلابا ملحوظا في النظر إلى طبيعة تلك الجريمة وتكييفها القانوني ، اذ باتت تقنن القوانين والتشريعات التي تنظم تلك الجرائم بتفصيلاتها، إلا أن هذا الواقع لم يستمر طويلا، فما أن أطلت الثورة الفرنسية بإشراقاتها أصبح هناك مفهوم جديد لتلك الجريمة  وهو ما كان يمثل النتيجة الحتمية لتلك الحقبة الزمنية لكثرة التقلبات السياسية والاجتماعية حينها، ومن هذا المنطلق أصبح العالم يشهد عدة صور وأشكال للجريمة السياسية، من أهم هذه الصور والأشكال جريمة ( الاغتيال السياسي ) أو ما يسمى بالقتل العمد.

ولكون الدول ومؤسسات المجتمع الدولي والمنظمات الدولية كانت وما تزال في سعي مستمر للاستقرار، وإشاعة ثقافة الأمن والسلم على المستويين الدولي والوطني، ونتيجة لصوت الشعوب الداعي إلى نبذ النزاعات، ولأن الجريمة السياسية والاغتيال السياسي موضوع هام شغل ألباب المفكرين على مر العصور، فالأصل ان الجريمة السياسية انها جريمة صرفة تنطوي على المساس بإحدى المصالح السياسية والتي تقوم أركانها المتمثلة بالدافع والهدف وطبيعة الحق المعتدى عليه لتكون بذلك تمييزا لها عن غيرها من الجرائم لتظهر الى حيز الوجود كجريمة مركبة تتمايز عن غيرها من الجرائم الصرفة عبر مساسها في الوقت ذاته بمصلحة سياسية وأخرى عادية ليكون أصدق مثال عليها هو الاغتيال السياسي، ومن زاوية أخرى تعددت نماذج الاغتيال السياسي عبر التأريخ ، حيث كانت بداية هذا النوع من الجرائم أستهداف لأشخاص اذ لا يتوقف الاثر التدميري المادي والمعنوي لتلك الجرائم على نتائج بعينها تنتج عن ذلك الاغتيال بشكل مباشر والتي من أخطرها الاغتيالات التي ترتكب من قبل الجماعات الدينية المتطرفة الطامحة للسيطرة على أدوات التغيير السياسي في مجتمعاتها وهو ما يدفعنا للبحث عن أنواع ذلك الاغتيال والذي يتراوح بين الاغتيال المباشر او الاغتيال بواسطة العملاء المحليين او بواسطة الرسائل المفخخة  او التفجير عن بعد او بواسطة الطائرات او بواسطة الحقن السامة او الاسقاط من علو شاهق او بالإهمال الطبي كإحدى تلك الصور وهو يشير الى الكم الهائل من انواع تلك الاغتيالات حول العالم والاستمرار في استخدام هذا النوع من القتل خارج أطار القانون كأداة لتصفية الخلافات السياسية وهو عادة ما يعبر عن وجود أقصى درجات التوتر التي تدفع الاطراف الى اللجوء الى أحدى تلك الوسائل لتصفية حساباتها ، والتي تتباين دوافعها الى دوافع عسكرية او سياسية ، ففي غياب نظام محاسبة المجرم وشركائه، وتفاوت كبير في موازين القوى العسكرية على المستوى الدولي،  تتحول منظومة القيم القانونية والاخلاقية إلى نص مجرد في عالم الغاب.

وبالنظر الى النطاق الحالي للازمات في جميع انحاء العالم يشعر الكثير من المعنيين بأنهم مضطرون للإقرار بأن المسؤولية عن حماية السكان والافراد قد فشلت على الرغم من تطور المبدأ وتصميم التدابير العملية من أجل التنفيذ الكامل له الامر الذي يتطلب تحديد الخطوات التالية في تفعيل مبدأ الحماية لمستقبل خال من تلك الجرائم في ظل تراجع النزعة الدولية وانحسار احترام القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان والانقسام السياسي في هيئات صنع القرار الرئيسية مثل مجلس الامن الدولي وتوفر مستوى من الانهزامية بشأن تفعيل قواعد تلك الحماية

كحقيقة مثيرة للقلق في ظل ظهور جماعات مسلحة كتنظيم داعش الارهابي الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق السكان المدنيين والتي يمكن عدها جرائم أبادة جماعية الامر الذي يدعو لتفعيل الجهود المبذولة في العقد الماضي لتطوير هيكلية وطنية وأقليمية لدعم تلك الجهود مع تجاوز نقاط الخلاف لوضع أسس لأجراء جماعي في أطار تفعيل أجراءات الحماية ونظام المسؤولية عن تلك الجرائم على الرغم من ان العائق الرئيسي لا زال يتمثل في المصالح السياسية وهو ما يظهر الحاجة الى إيجاد سبل لاتخاذ أجراءات جماعية حسنة التوقيت وحاسمة وهو ما يفتح المجال امام جهات فاعلة على الصعيد الوطني والاقليمي للأخذ بزمام المبادرة حيث ان العمل الجماعي والمنسق يمكن ان يحدث فرقا في تنفيذ وأفعال نظام المسؤولية عن الحماية المرجوة.