خطر المخدرات في تغييب العقل البشري واثرها على المجتمع.

المقالات

 

بقلم الدكتورة / امال علي الموسوي

باحثة واكاديمية في مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية

 

تشكل المخدرات خطرا يهدد الكثير من أبناء المجتمعات مستهدفا بشكل خاص الشباب منهم من اجل تحويلهم من قوة وطنية منتجة وفاعلة الى قوة مدمرة تهدم حركة ذلك المجتمع ، فالشباب هم محور التنمية والتقدم ،  بل وصل الامر الى درجة استخدامه كسلاح خفي في الحروب بين الدول مستهدفا تغييب عقول الشباب بل امتد ليشمل صغار السن ، وتعتبر مشكلة تغييب منظومة العقل البشري من المشكلات التي تؤثر في بناء المجتمع وافراده لما يترتب من اثار اجتماعية ونفسية واقتصادية سيئة تنسحب على العقل البشري وبالتالي على المجتمع ، كما تتضح خطورة هذه المشكلة في اثر سلوك المتعاطين على الأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الذي يعيشون فيه ، كما تعد خطورة المخدرات حالة مرضية في كون المتعاطين يشكلون خطرا على حياة الاخرين من حيث  انهم عنصر قلق واضطراب لأمن المجتمع ، فضلا عن انهم يشكلون خطرا كبيرا على انفسهم، وبالتالي يشكلون خطرا على كيان المجتمع وامنه  .

   واهم مخاطر تعاطي المخدرات هو تغييب فاعلية منظومة العقل البشري عن مهمته الأساسية وهي قيادة وتوجيه السلوكيات البشرية باتجاهات غير صحيحة  من خلال تأثير منتجات المخدرات على العقل ،لقد أشار القران الكريم على حرمة المخدرات من خلال الآية الكريمة ( يا أيها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) فيتضح من هذه الآية ان المخدرات تلتقي مع الخمر في علة التحريم  كما ان الإسلام حرم  المخدرات بأنواعها المختلفة التي تفقد الوعي وتغيب العقل لأنها تتعارض مع احكام الله ، ولما لها من مضار كبيرة، مما تسبب في تدهور قوى الفرد الجسمية والنفسية بمختلف وظائفها  ، وقد وصف النبي (ص) المخدرات  من الخبائث لأنه وصف الخمر بانها ام الخبائث فان هذا الوصف ينطبق من باب أولى على المخدرات لأنها اشد ضررا من الخمر ، فالشريعة الإسلامية جاءت للمحافظة على ضروريات الحياة الخمس والتي تشكل كينونة الانسان المادية والمعنوية وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال .

 فالعقل اهم مقصد من هذه المقاصد فهو مناط التكليف الشرعي فمن فقد نعمة العقل رفع عنه التكليف ، إذ هو ليس بأهل له ولا بقادر عليه ، وعند النظر لأثار المخدرات يتضح انها تشكل خطرا واضحا واعتداء سافرا وتهديدا قاطعا  ومذهبه للعقل ومعارضه للدين الذي ينهي ويمنع كل ضار بالفرد والمجتمع ، فمتعاطي المخدرات لا يملك تفكيرا سويا ولا اتزانا ثابتا ولا قدرة على حسن التفكير بكل ما يدور حوله ، وتدمير قدراته الادراكية والوعي والاستبصار وفقدان هويته الشخصية وعجزه عن العمل والإنتاج فهو يبيع نفسه ويبذل ماله باحثا وقاصدا لقاء حتفه بأبشع الصور ،   لان المخدرات تذهب العقل الذي هو من اعظم نعم الله على عباده ، واذا ذهب عقل الفرد فهو احد ضرورات الأساسية لحياة الفرد ، لذا جاءت الشريعة الإسلامية مشرعة  بتحريم المخدرات بكافة اشكالها وانواعها ومحرمة لكل ما يؤدي الى الحاق الضرر بها ، فمصداق هذا الكلام نجده في الآية الكريمة حيث قال تعالى في سورة البقرة ( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ) فيتضح من خلال هذه الآية ان الدين من اهم النظم،  والعقل  هو المنظومة التي من شأنها ان تؤدي وظائف الحياة

فمع تدهور الظروف الاجتماعية وضعف الوازع الديني لدى الفرد وعدم قيام الاسرة او المدرسة  او المؤسسة بتوضيح  مخاطر المخدرات وشرح الاوامر والنواهي الدينية  وشرح بعض المفاهيم المتعلقة بالمخدرات  واثرها على الفرد والمجتمع ، اما تأثيرها على المجتمع فيكمن ان زيادة جرائم العنف بين الافراد في المجتمع بين السرقة والاغتصاب والقتل وغيرها من الجرائم التي يقوم بها المتعاطي بدون وعي وعدم القدرة على التركيز وتأثير هذه المادة على العقل مما ينتج انهيار أخلاقي بسبب انتشار السلوكيات الاجرامية والتصرفات العدوانية اتجاه الاخرين  في المجتمع

 فالخطورة تكمن عند الابتعاد عن احكام الله سبحانه وتعالى ، والسير نحو الضلالة والمتاهات  مما أدى الى انتشار هذه الظاهرة الأكثر تعقيدا وخطورة على الفرد والمجتمع ، فلابد من نشر التوعية الدينية والثقافة الصحية من خلال عقد الندوات بالتعريف بمخاطر تداول تلك السموم وتعاطيها ومدى انعكاس تأثيراتها الهادمة على الفرد والمجتمع ،كما يمكن المشاركة والتضامن بين المجتمع والدولة من خلال عدة وسائل منها دور الاعلام المرئي والمسموع والمقروء وشبكات التواصل الاجتماعي ،  ودور المؤسسات الاكاديمية والدينية بالوعي والإرشاد والنصح  .

اما موقف المشرع العراقي فقد تأخر في اصدار قانون يعاقب به على جريمة تعاطي المخدرات والاتجار فيها ، الا انه  في 2017 اصدر لنا قانون يعاقب على جريمة تعاطي المخدرات في المادة (32) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 ، وهذا لا  يكفي فلابد من تضافر الجهود ووضع دراسة متكاملة وحلول تشريعية ورسمية تقتلع هذه الظاهرة من الجذور وتخلص العراق من شرها .