الافراط في تمكين المرأة
يقوم مفهوم تمكين المرأة في الفكر الغربي على نزعة فردية أنانية، تسودها رُوح ذلك الفكر بمدارسه وفلسفاته المادية المتنوعة المدعاة الى المساواة دون العدالة بين الرجل والمرأة، وهي فلسفات تتصادم مع مفاهيم التسامح والإيثار والتضحية ووضع كل شيء في محله ، فالمطلوب من المرأة - وَفق هذه الفلسفات - أن تمكِّن لنفسها حتى ولو كان على حساب زوجها وأُسرتها، وأطفالها وبيتها، بغض النظر عن أي اعتبارات أو أي ملابسات أُسرية أو مجتمعية أو ثقافية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام وتشريعاته .وهذا مايسمى بالافراط في تمكينها ، والذي نلمسه من اتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التميز ضد المرأة)، التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 والتي تدعو الى مساواة الرجل مع المرأة بجميع الحريات وبدون أي قيود ،وبالخصوص ماجاء في المادة ( 2)والمادة ( 16) منها اذ تضمنت تلك المادتين على أبرز المخالفات الشرعية وعلى النحو التالي :
أولاً : بينت المادة الثانية من الإتفاقية على: أنه يجب على الدول الموقعة إبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها ، حتى تلك التي تقوم على أساس ديني وهذه مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية ، وبمقتضى هذه القوانين تصبح جميع الأحكام الشرعية ، المتعلقة بالنساء باطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها فالاتفاقية تنسخ الشريعة يقول الله تعالى : ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً )) [ النساء65 ] ، وهكذا تلغي الاتفاقية كافة المرجعيات التشريعة والدينية لتصبح هي المرجعية العليا
ثانياً : ان المادة ( 16) هي أكثر المواد خطورة في الاتفاقية ، والتي تمثل حزمة من المخالفات الشرعية اذ من الممكن ان يكون الرجل اما والام رجلا وتبادل الادوار من خلال تلك المخالفات وهي:
1- إلغاء الولاية ، فكما أن الرجل لا ولي له ، إذن – بموجب ذلك البند- يتم إلغاء أي نوع من الولاية أو الوصاية على المرأة ، وذلك من باب التساوي المطلق بينها وبين الرجل
2 ـ أن يحمل الأبناء اسم الأم كما يحملون اسم الأب ، والله تعالى يقول : (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )
3 ـ منع تعدد الزوجات ، من باب التساوي بين الرجل والمرأة التي لا يسمح لها بالتعدد ، والله تعالى يقول : (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) وقد علقت لجنة السيداو بالأمم المتحدة على تقارير بعض الدول الإسلامية بشأن التعدد بما يلي: «كشفت تقارير الدول الأطراف عن وجود ممارسة تعدد الزوجات في عدد من الدول ، وإن تعدد الزوجات يتعارض مع حقوق المرأة في المساواة بالرجل . . . ويمكن أن تكون له نتائج انفعالية ومادية خطيرة على المرأة وعلى من تعول ، ولذا فلا بد من منعه» .
4ـ إلغاء العدة للمرأة (بعد الطلاق أو وفاة الزوج) لتتساوى بالرجل الذي لا يعتد بعد الطلاق أو وفاة الزوجة ، يقول الله (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) أي قاربن انقضاء عدتهن
5ـ إلغاء قوامة الرجل في الأسرة بالكامل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)
6- إعطاء المرأة حق التصرف في جسدها: بالتحكم في الإنجاب عبر الحق في تحديد النسل والإجهاض والله تعالى يقول : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )) ،
إن امعنا النظر في نصوص الاتفاقية لفقهنا واجزمنا أن سيداو حرب ناعمة على جميع التشريعات الدينية ، مدعية أن أسباب الفروقات بين الرجل والمرأة تعود إلى أسباب تاريخية واجتماعية، وإن الفروقات البيولوجية والطبيعية الموجودة بين الرجل والمرأة (والتي يقرون بوجودها ) هي فروقات اجتماعية خاضعة لمنطق التطور وليست طبيعية فطرية منذ بدء الخليقة، فالاختلاف بين الذكر والأنثى ليس شيئاً من صنع الله عز وجل، وإنما هو أمر ناجم عن التنشئة الاجتماعية والبيئية التي احتكرها الرجل عبر الزمن ، فمفاهيم الزوج والزوجة والأبوة والأمومة مفاهيم ناتجة عن الواقع الثقافي والاجتماعي السائد، وهي نتاج تقاليد وتصورات خاطئة تحصر المرأة والرجل في أدوار نمطية .
إن محاولة ربط الاختلاف بين المرأة والرجل بالأساس الثقافي والاجتماعي هو تمهيد لتغيير الشكل الطبيعي للأسرة ، مما يؤدي فيما بعد إلى تقبل فكرة أن يكون الرجل أماً، أو أن تكون الأسرة مكونة من رجلين أو امرأتين، من هنا نفهم التركيز الشديد في أدبيات الأمم المتحدة على ضرورة تغيير الأدوار النمطية للعلاقات بين الجنسين وقد تحفظ العراق عالى بعض نصوص الاتفاقية والتي انحصرت في المواد الست التالية:
المادة (2): وتتعلق بحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية.
المادة (9): وتتعلق بقوانين الجنسية.
المادة (16): وتتعلق بالزواج والعلاقات الأسرية.
المادة (29): وتتعلق بالتحكيم بين الدول الأطراف.
ولكن هل يحق للعراق التحفظ على هذه الأتفاقية أو سواها بعد أن صادق عليها وخصوصا بعد ان اكدت المادة 8 من الدستور العراقي لعام 2005 على احترام العراق لالتزاماته الدولية ؟ ان الجواب على هذا التسؤال يمكن ان يستخلص من النظر الى طبيعة التحفظ في الاتفاقيات الدولية بحيث لاينافي الغرض منها ، فالمادة 19 من اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات لعام 1969 التي وأن اجازت للدول التحفظ عند انضمامها إلى اتفاقية ما ,اشترطت ألا يكون هذا التحفظ منافي لموضوع الأتفاقية وغرضها وكذلك ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 28 من اتفاقية سيداو نفسها والتي تنص ( أنه لايجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيا لموضوع الأتفاقية وغرضها ) فإذا كان غرض هذه الأتفاقية وهدفها القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق فإن التحفظ على المادة التاسعة والمادة السادسة عشر وبقية التحفظات يعتبر منافي لغرض الأتفاقية وموضوعها، وعليه فان تحفظات العراق على مواد الأتفاقية غير قانونية وغير مقبولة لأنها مخالفة للغرض الذي أسست من اجله اتفاقية سيداو.
وبالمقابل نجد ان من ادعت المساواة بين الرجل والمرأة واشنطن نفسها هي واحدة من بين عدد قليل من الدول في العالم، التي لم توقّع حتى الآن على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي لا تزال تعاني من مشاكل بارزة في حماية حقوق المرأة، وتواجه النساء التمييز في التوظيف والرواتب ،ففي تقرير جاء فيه ان النساء يحصلن على 77 سنتاً مقابل دولار كامل للذكور، أما النساء الأمريكيات من أصول إفريقية فهن يكسبن 62 سنتاً مقابل كل دولار للذكور، والنساء من أصول لاتينية يكسبن 54 سنتاً مقابل كل دولار لزملائهن من الذكور، ووفق تقرير اخر جاء فيه إن النساء هن ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية، وتفقد نحو 3 نساء في الولايات المتحدة حياتهن كل يوم جرّاء العنف المنزلي.
وتعدّ المرأة العاملة في القوات المسلّحة الأمريكية، وعلى نطاق واسع، ضحية للاعتداء الجنسي، مما حدا بوسائل الإعلام إلى الادّعاء بأن الجيش الأمريكي لديه ثقافة الاغتصاب.
هذا الافراط في تمكينها جعل الرجل يسيطر على المرأة ، وينال منها ما يريد باسم الحريّة والمساواة.
المجتمع الغربي والشرقي اليوم يعيش أقصى درجات الانحطاط والتميّع والفساد ، وخير دليل على ذلك شهادة البعض عن هذا الفساد والانحراف الذي كان سببا طبيعيا في أن تجري المرأة هذا الجريان في حياتها ، حيث انعدام الروابط العائليّة ، فما أن تبلغ البنت سن الرابعة عشر حتى يتوجّب عليها أن تسعى وراء سدّ حاجاتها ، والحصول على ما يكفل لها ذلك لانها كالرجل لاتوجب لها نفقة .
فالمرأة في الجتمع الغربي وإن حصلت على بعض الحقوق من جانب معيّن ، إلاّ أنّها فقدت كرامتها وشرفها وعزّها من جانب آخر. فالرجل لا ينظر لها إلاّ نظرة تبعيّة ، يسخّرها لما تقتضيه مصلحته ، فينال منها ما يريد لسدّ جوعه الجنسي ، وينبذها عند شبعه ، يجعلها مادة للدعاية المحضة ، يجعل صورتها على كلّ بضاعة بائرة : على الملابس ، السكاير ، قناني المشروبات ، وحتى على الأحذية ، وغيرها من السِلع.
وأصبح من المحتّم عليها أن تسعى وراء لقمة العيش بأىّ عمل كان ، حتى أنّها تبيع شرفها وكرامتها مقابل ذلك ، ففي إحدى التقارير المرفوعة سابقاً إلى البرلمان البريطاني :
إنّ كثيراً من الزانيات في لندن لسن من المحترفات المتفرّغات لهذه المهنة ، وإنما هنّ من صغار الموظفات ومن طالبات الجامعات أو من المعاهد ، اللواتي يمارسن البغاء إلى جانب أعمالهن ليحصلن على دخل إضافي يمكّنهن من الإنفاق عن سعة على الثياب المغرية وعلى مستحضرات التجميل.
لذلك شاع الفساد والانحلال في هذه المجتمعات ، فهم لا ينظرون إلى المرأة إلاّ أنها اُلعوبة في أيديهمم يتمتّعون بها متى شاؤوا. وقلّت نسبة الزواج الشرعي هناك ، فقد جاء في مقال نشرته إحدى الصحف الألمانية : إنّ الأولاد الصغار بين ١٤ ـ ١٦ سنة الّذين يتأهلون للعمل يقولون حينما يبحث أمر الزواج أمامهم : أنا أتزوّج؟ لماذا؟! إنني أستطيع الحصول من أي فتاة في العمل على كلّ ما اُريد دون أن أتزوّجها.
وفي بعض الإحصائيات الصادرة عام ١٩٦٦ م في بريطانيا :
إنّ واحدة من كلّ خمس من الإنكليزيات اللواتي تجاوزن سن الخامسة عشر لا تزال عذراء ، ويتوقّع علماء الاجتماع في سنة ١٩٦٧ م أن تفقد العذرية معناها في انكلترا. وأصبحت الفتاة عندهم لا تعبأ إن سلب شرفها واُعتدي على كرامتها ، بقدر ما يهمها الجانب المادي الذي سيطر على الحياة اليوميّة تماماً. ففي ألمانيا الغربية اعتدى اثنى عشر شاباً في يوم واحد على بنت عمرها ١٤ سنة ، وبعد انتهاء عملية الاغتصاب توجّهت هذه الفتاة إلى الشرطة لتخبرهم بفقدان محفظتها!!!
وكنتيجة طبيعية لهذا المسلك كثرت الجرائم والاعتداءات وأصبحت شيئاً مألوفاً عندهم ، ففي ألمانيا الغربية لا يمر يوم واحد دون أن تُقترف جريمة غصب واعتداء.
بل وأصبح الشذوذ الجنسي عندهم عملاً مقبولاً ، لا معارض له ، ففي اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية يوجد نادي تنتشر فروعه في كبريات المدن الألمانية ، وهو يدير عمليات تعارف غير مشروعة بين أعضائه من الرجال والنساء ، كما تتم عن طريقه عمليات تبادل مؤقت للزوجات.
أما بريطانيا فتنغمس في الفجور إلى حدود مذهلة ، حتى إنّ الدعوة إلى إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجال استطاعت أن تظفر بالاباحة في مجلسي اللوردات والنوّاب ، وبارك هذه الإباحة معظم الشعب الإنكليزي وعلى رأسه أساتذة الجامعات والأطباء والمفكّرون ، بل وحتى رجال الكنيسة! ومن هذا يتضح جليّاً أمام كلّ منصف وواع مدى الانحطاط الذي وصلت إليه المرأة عندهم ، فكرامتها مسلوبة وشرفها مباع ، وهي تعيش في الرذيلة بما لهذه الكلمة من معنى.
ان الغرب افرط في حقوق المرأة وتمكينها عندما نادوا بالمساواة كونها سيناريو ومخطط ضد العدالة في جميع المجالات وكانت النتيجة كما بينا .
والحل الوحيد هو تمكين المرأة علميا وتثقيفها وتكاتف الجهود في نشر الوعي والثقافة الإسلامية بشتى الطرق المتاحه دون الاستهانة بطريق منها، ونبذ الثقافة الغربية ثقافة الابتذال والمجون بتصاريح قوية والمحافظة على قدسية الأماكن المقدسة حتى يكون المبتذل والمبتذلة على علم بانهم غير مرغوبين ومواجهتهم بوجوه مقفهرة حفاظا على سلامة ماتبفى من قيمنا ومبادئنا الإسلامية والا سياتي يوم حتى الكلام نحاسب عليه وتسيطر أفكار اهل الفسوق على أفكار جميع نسائنا ويكون صوت الحق شاذا وهو مانلمسه حاليا من البعض ، فان لم يحارب وبقوة وشجاعة من قبل المتمكنين سيتمكن منا ، والله المستعان على ذلك.