دور المجني عليه في إتمام الجريمة الواقعة عليه
يعد الاستفزاز الخطير أحد أهم العوامل النفسية المؤدية للسلوك الإجرامي , إذ أن للاستفزاز دوراً كبيراً من شأنه تحفيز الجاني على ارتكاب جريمته , والتي يرتكبها بقصد رد الاعتداء الظالم الواقع عليه , وهنا يثار سؤال : متى يكون للمجني عليه دوراً في اتمام الجريمة الواقعة عليه ؟.
نجيب على هذا السؤال بالقول أن للأسلوب السيء أو المعاملة السيئة المستفِزة الصادرة من المجنى عليه دوراً كبيراً في جعله محلاً لجريمة الجاني , إذ سيكون المجني عليه والحالة هذه جانباً ومجنياً عليه في آن واحد ، يكون جانياً بحسب السلوك الاستفزازي الصادر منه ضد الجاني بكونه أول من بدء في السلوك الإجرامي والذي يكون بصورة اعتداء معنوياً في الغالب و يكون مجنياً عليه نتيجة لوقع الجريمة عليه من قبل الجاني المٌستَفز ، فيكون المجني عليه بأسلوبه المُستفِز قد مهد الطريق للجاني لارتكاب الجريمة بحقه , ولا يحق للمجني عليه والحالة هذه المطالبة برد اعتباره من خلال تحريك الشكوى الجزائية بحق الجاني، لأنه وبتصرفه السيء قد أعلن تنازله عن حقه في تحريك الدعوى الجزائية ضد مرتكب الجريمة بصورة غير مباشرة ، أذ يعد اعتداءه الظالم الواقع على الجاني مانعاً من موانع العقاب، فعلى الرغم من أن الجريمة لا تزول ، إلا أن العقاب لا ينفذ بحق الجاني احتراماً لمبدأ العدالة من جهة ولحق الجاني في حماية نفسه أو الدفاع عنها من جهة أخرى وبغض النظر عن صورة الدفاع سواء كان بصورة فعل أو قول .
وقد نظم المشرع العراقي هذه المسألة بنص المادة (٤٣٦/ ٢) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل والتي نصت على " ولا عقاب على الشخص إذا كان قد ارتكب القذف أو السب في حالة غضب فور وقوع اعتداء ظالم عليه " .أذ جعل المشرع العراقي الاعتداء الصادر من المعتدي ضد الجاني مانعاً من موانع العقاب ، فلا مسؤولية على الجاني الذي يرتكب السب أو القذف بحق المجني عليه الذي استفزه بأسلوبه أو بتصرفه السيء . ونحن من المؤيدين للمشرع العراقي بموقفه هذا ونرى بأنه كان موفقاً أكبر توفيق في تنظيمه لهذه المسألة بغية الحد من السلوكيات أو الاعتداءات الظالمة الصادرة من المعتدي ( الشخص الذي صار محلاً جريمة السب أو القذف) ، فهو المسؤول عن تصرفاته السيئة وهو من يتحمل تبعاتها ، بشرط أن يؤدي الاعتداء إلى جعل الجاني في حالة من الغضب ،و أن يكون الاعتداء الواقع على الجاني ظالماً، و أن لا يكون الجاني هو المسبب للاعتداء أو أن يكون سبباً لوقوع الاعتداء الظالم عليه .
وفي مناسبة أخرى فقد جعل المشرع العراقي الاستفزاز الخطير عذراً مخففا للعقوبة ، بحسب ما جاء في المادة ١٢٨/ ١ والتي نصت على " .... يعتبر عذراً مخففاً ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة أو بناءً على استفزاز خطير من المجني عليه بغير حق ". أي بمعنى أن الجريمة الواقعة تحت تأثير الاستفزاز الخطير يمنح مرتكبها امتيازاً قانونياً يظهر بصورة العذر القانوني المخفف للعقوبة . وتجدر الإشارة إلى التطبيقات الواقعية المتعلقة بهذه المسألة ، فهناك الكثير من الوقائع التي يكون سببها المجني عليه، وعليه من باب العدالة أن يتم التركيز على دور المجني عليه في وقوع الجريمة ، فهناك الكثير من الجناة الذين لا يعتدون على غيرهم ولا يجرؤون على تعريض الآخرين للأذى ، ولكن حجم الضغط النفسي الذي تعرضوا إليه قد دفعهم إلى ارتكاب الجريمة ، فلا شيء يحدث من لا شيء .
وعليه ومن باب أولى و قبل البدء في تنفيذ العقوبة بحق الجاني لابد من البحث في مسببات الجريمة ، والتركيز على دراسة حالة المجني عليه , فضلاً عن دراسة العلاقة السابقة التي تربطه بالجاني قبل ارتكاب الجريمة ، ومساءلته عن اعتداءه الظالم المتمثل بالمعاملة السيئة أو السلوك السيء الصادر ضد الجاني، أن ثبت بأن استفزازه يمثل أحد الأسباب المؤدية إلى الإجرام , وهذا ما يسمى بعلم دراسة الضحية . و يدل الاعتداء الظالم على الخطورة الإجرامية لدى المجني عليه ، كما أنه يلقى الضوء على قابليته الخطرة واستعداده الاجرامي المتمثل في قدرته على استخدام اسلوب الاستفزاز الذي من شأنه التأثير على ارادة الجاني ودفعه إلى ارتكاب الجريمة وفي ضوء ما تقدم نود الإشارة إلى الإرادة الآثمة تكمن في نفس كل انسان وبصرف النظر عن طبيعتها , وعن كيفية التعامل معها، أو التعبير عنها ، فالخير والشر ضدان يتواجدان في نفس كل انسان استناداً لقوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) ومن هذه الآية الكريمة يتضح بأن عامل الفجور أي عامل الشر هو المسيطر على تصرفات الانسان لأن النفس بطبيعتها أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، فلا يزكي الأنفس إلا الله ، ولا ينقذ الإنسان من الوقوع في الخطأ والرذيلة غير ضميره الحي العامر بالإيمان ، و أن الناس ليسوا سواء و لكل إنسان درجة للتحمل والاستيعاب يمكن توظيفها لاستيعاب ما يصدر من الآخرين من تصرفات سيئة بحقه، فهناك من يستطيع كظم الغيظ ، وهناك من لا يحتمل ذلك , مما يجعله ذلك قريباً من دائرة الإجرام في حالة تعرضه لاستفزاز لا يستطيع التكيف معه ، فلكل فعل رد فعل، فإذا ما نفذت طاقة تحمل الانسان فسنجده يتصرف خلافاً للمألوف ، فليس من العدالة أن يلقى اللوم على الجاني وحده , ومن دون البحث في أسباب الجريمة , والتي قد تكون تصرفات المجني عليه أحد أسبابها .
وبخصوص ما ورد في أعلاه ندعو الجهات المعنية إلى التأني في اصدار الاحكام الجزائية لحين الانتهاء من كافة الاجراءات اللازمة لكشف الجريمة ومرتكبها نظراً لأن الاستعجال في اصدار الأحكام يمس بمبدأ العدالة , وله أثر في نفوس المحكوم عليهم , ويؤدي إلى زعزعة ثقتهم بمن يطبق القانون بوصفه ساعياً في تحقيق العدالة , و بالمقابل ندعو الجهات المعنية بتفعيل خاصية الإسراع في اتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص إجراءات التحري وجمع الأدلة والتحقيق الابتدائي , وبإجراءات البحث في أسباب الجريمة ومسبباتها ، حتى لا يكون هناك ضحايا للعدالة , قد يدفعهم الظلم الواقع عليهم إلى السعي وراء الانتقام ممن تسببوا في ظلمهم , والذي بدوره سيعزز من حالة الانتقام الفردي وسيجعل البلاد في حالة من التخلف والرجعية , كونه يمس بالنظام الاجتماعي السائد فيها .