نحاول في المقال ان نستعرض عمق هذا المرض ( الموت السريري لإرادة الانسان في المجتمع الإسلامي ) في جسم الانسان، ولابد من التفكير في علاج هذا المرض بتلك الدرجة من العمق ، إن حالة انعدام الإرادة هي حالة مرضية أصاب بها المجتمع الإسلامي بالذات، نتيجة حرب الانحطاط الفكري ،والاختلال في المسيرة ، وتقليد الغرب ،واللاوعي الديني ، واللامبالاة ، والجهل بكل ما يدور حولنا ، والاهتمام المتزايد بمغريات الحياة فقط دون الاخذ بنظر الاعتبار بكل ما يدور في العالم كقضية فلسطين مثلا ، فلابد لهذه الإرادة أن تستفيق من نومها السريري لتنهض وتواكب احداث العصر، فيجب تحريكها نحو الجهاد لاسيما الجهاد بالنفس والمال ، فهدف الإسلام هو أن تكون للإرادة دور فعال في تغيير الواقع ، فالإرادة من اهم القوى التي منحنا الله إياها والتي من خلالها يكون التخطيط لتجاوز العقبات .
فالموت السريري هو مصطلح طبي يعني موت دماغي عندما يتوقف الدماغ عن العمل بشكل كامل مع بقاء الجسم على قيد الحياة عن طريق الأجهزة الطبية ، فالدماغ هو المسؤول عن ضبط وظائف الجسم اللاإرادية مثل نبض القلب وضغط الدم ، اما الموت السريري لارادة الانسان هو توقف دائم لنشاط إرادة الانسان ، كما يكون فاقد الادراك والقدرة على التفكير وعدم التبَصر بكل ما يحيط حوله ، فيرى الظلم ويسكت ، ويشاهد الحالات السلبية ولا يتأخذ لها موقف بل بجانب الخطأ ويسير معه ، فلابد من التصور والتدبر والتصميم ومن ثم التنفيذ التي تعد اهم مرحلة ، فالتنفيذ ينقل الإرادة الخاملة من تصميمها الداخلي الى الحيز الخارجي .
فالمجتمع الإسلامي يعاني من الخمول ويحتاج الى إرادة وعزيمة ، فالإرادة هي قوة موجودة في نفس الانسان تمَكن صاحبها من اعتماد أمرا بعد ما تمر بمراحل ، ولتحمل هذه الإرادة روح الرفض للواقع البعيد عن اهداف الدين والظلم والفساد ، فالمجتمع الفاقد للإرادة لا يحقق النهوض والتحرر من التخلف والفساد سواء كان هذا الفساد سياسي او اجتماعي ، فلابد من الافاقة وتغير الوضع الفكري والروحي والسلوكي للإنسان كما قال تعالى في محكم كتابه ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، فتحدثنا الآية الكريمة عن تغيير النفس عن طريق الإرادة ، فنهوض الإرادة وصلاحها هي مصداق الوعي الديني والعمل الإسلامي ، فالإرادة الصادقة لم تكن موجودة ، والعزيمة نحو اصلاح النفوس مفقودة في زمننا الحاضر ، فجهاد النفس اعلى مراتب الجهاد ، فالذي لا يريد ان يقدم او يضحي من وقته او ماله او جهده فانه لا يستحق التأييد الإلهي بالتوفيق الرباني ، فموت الإرادة او ضعفها تعني إن الانسان يفقد عزيمة قلبه الايمانية ، فكلما كانت إرادة الانسان محصنة بالأيمان والتقوى كلما كان اقرب الى الله تعالى .
فهذه الإرادة يجب أن تكون فعالة في التأثير والتعمير والإصلاح وتغيير ما امكن تغييره والمسابقة في التقرب الى الله ، فالأمة الإسلامية ما زالت تعيش حالة غيبوبة الإرادة عن الوعي الإسلامي والابتعاد عن اهداف الإسلام ، فلا يمكن للإرادة ان تنهض وتحقق اهداف الإسلام ما لم تستفيق من النومة العميقة وتتصدى لمعالم الانحراف والضياع وفقدان الهوية الإسلامية .
ويمكن أن تتم المعالجة لهذا المرض وهو مرض (الموت السريري لإرادة الانسان في المجتمع ) ، هو ان تجعل من ارادتك مشروع قائد في التصدي لكل أنواع الباطل ،وتجعل منها مشروع للوعي الديني والاجتماعي والسياسي ، وكذلك لمواجه التحديات خصوصا على المستوى الفكري وغيرها التي تواجه المجتمع الاسلامي، فلا تدع ارادتك خاملة ،ولا تتركها للشيطان ، فالإرادة تصنع المعجزات فقوة ارادتك وتصميمك نحو الصلاح فستكون بها اقرب الى الله ، وواجه الصعوبات وتغلب على كل افعالك التي لا ترضي رب العالمين بجعل ارادتك مسخرة لكل أنواع الخير والصلاح ، فكلما كنت اكثر ايماناً وتقوى وعزيمة كلما كنت اكثر استعدادا لاداء دورك في تغيير الواقع فضلا عن ان تكون ارادتك مبنية على الفهم والتبصر والايمان والتقوى والطاعة لله ، فكل التغييرات والحركات الإصلاحية تعتمد على الإرادة الفعالة وقوة العزيمة ، فالإرادة التي لا تعرف السبات هي موضوع التغيير ومقتضى المشاريع الإصلاحية الهادفة لبناء الإسلام على مر التاريخ .