هجرة العقول في حداثة العصر

المقالات

الدكتورة امال علي الموسوي ، باحثة في المركز
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
يمثل العقل حجر الأساس للمعرفة الإنسانية ، فهو مناط التكليف واساس صحة العبادة وشرط في حصول العلم ورضا الله عز وجل ،فالعقل صفة للإنسان يحصل بها العلم ليعمل به، والحث على التفكّر والتدبر ،وقد حث القران الكريم على إعمال عقله ودعاه الى نبذ الجمود والهجرة والتعطيل ، كما استعمال العقول قائد الى النجاح والصلاح واختيار الأفضل ، فالإسلام يرتفع بتوجه العقل بالتفكير ويعلى شأنه وجعل الله العقل مصدرا من مصادر المعرفة ومدخلا للتعرف على احكام الله فهو السبيل لاستجلاء معاني الكتاب الحكيم ولاكتشاف الخصائص التي تميز الانسان عن سائر المخلوقات وحقائق التجدد والابداع ، فجعل الله العقل للفهم والنظر والتعقل في كافة الأمور ، فضلا عن ان العقل مصدر التشريع واتخاذ القرار للوصول الى حقائق جديدة ومطلوبة .
فقد رافقت الحداثة هجرة العقول في جوهر الأفعال حيث ا اصبح الانسان يعيش فاقدا للعقل وبالتالي فقدان الهوية الشخصية ، وبات المجتمع الحداثي متطور ومنفتح على ثقافات متنوعة وينقاد بشكل لا شعوري الى اتجاهات الثقافة الغربية التي لا تمت بصلة للدين الإسلامي ، فمسألة الحداثة تعني تغييرا وتطورا وتبديلا وابتكارا وتجديدا ، فالحداثة في المفهوم الغربي هي حداثة نسبيا اما حداثة القران فهي حداثة مطلقة ومستمرة أي ان القران لا يتعرض الى الأفكار والحلول الجزئية .
كون الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يحيط بجميع جوانب الحياة الإنسانية ، فالحداثة يجب ان تنطوي تحت مذهبا تربويا وثقافيا للوصول الى حركة النهوض وتطوير العقل والذات والابداع ليكون هدف الحداثة هو تغيير أنماط التفكير والعمل باتجاه يقربنا الى الله تعالى ، والتغيير هنا يتمثل بان يكون عقلانية يهدف الى التمسك والانقياد نحو ما امرنا الله به بكافة التفاصيل .
ولابد من الربط بين اسلامنا فكرا ومنهاجا وبين حداثة العصر التي نعيش فيه ولا مفر من الالتزام بالدين الإسلامي وحداثة العصر ، فيمكننا من خلال التوجه بعقولنا وتفكيرنا ان نقود ركب الحداثة ونواكب حداثة العصر بمراضات رب العالمين .
مما يلاحظ ان الحداثة في الوقت الحاضر تتعارض مع المفاهيم الإسلامية ، فقد نفي تطبيق احكام الله ، فاصبح الفكر البشري غير راغب للالتزامات الشرعية واحكامها فالحداثة لا يمكن بها جمع الدين وبين مظاهر التحديث غير المقبولة ،فالدين له صفات المبادئ الثابتة التي لا تتبدل في كل زمان ومكان ، وهذا ما يتعارض مع مبادئ الحداثة النسبية المتغيرة التي منحت للإنسان أدوات حاولت بها الابتعاد عن الايمان والعقيدة الإسلامية ،وان المجتمع في الأزمنة الجديدة فاقد السيطرة لإخضاع العقل لأحكام الله تماماً.
فلابد من التوجه نحو انتصار العقل ورفض الحداثة التي تخالف الأفكار الدينية ، فنظرة أصحاب الحداثة هي نظرة عدائية نابعة من فكرة ان الدين يحجم او يقيد دور الانسان ويقيد حريته وامكاناته ويقف عائقا دون تطور الانسان في ميادين الحياة ، الا انه لا يصدق على الإسلام دين العقل والابداع والحضارة التي غيرت مجرى البشرية ، ويجب ان يحكم الانسان عقله وذاته .
ويبدو ان روح الفكر الإسلامي المرتبطة بروح الإسلام وتشريعاته المتكاملة يمكن ان تقدم مشروعا حديثا يقف امام الاحكام والمفاهيم القرآنية التي يجب ان نتبعها دون نقص او اجحاف او ملل كونه مستند على أساس ثابت وهو تطبيق مناهج القران الكريم وتعاليمه في الواقع وتطبيقه في حياة الانسان ، فالحداثة المرجاة هي التي تحكم العقل وتسعى الى هدم كل ما يخالف الله سبحانه وتعالى مستشرقة حداثة الفكر الإسلامي ، ونرى ليس المشكل في الحداثة ذاتها ، فلتكن هناك حداثة ولكن بثبات العقول الراسخة بالدين والإسلام والقيم والمبادئ فضلا عن ذلك يجب توجيه الحداثة الى حداثة الافكار والمفاهيم القرآنية والرجوع دائما الى ما يكلفنا الله به من التزامات التي تقربنا من الله تعالى حتى لا تكون هناك تعارض بين الحداثة والعقل ، كما يجب علينا عدم الانصياع نحو حداثة الغرب واللجوء الى حداثة العقل نحو الرؤية بكل المفاهيم الإسلامية .