د.عبير نوري القطان ، دكتوراه قانون ، باحثة في المركز
مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية
ان واجبنا كقانونيين بيان سلبيات وايجابيات مشروع أي قانون يتم طرحه والتحقق من وجود نقص تشريعي يستوجب على أساسه طرح قانون معين يستدعي ان يصادق عليه البرلمان ؟
واحد هذه المشاريع هو قانون العنف الاسري الذي اريد تمريره على مجلس الوزراء اكثرمن مرة ولم يوافقوا عليه
بداية لو تمعنا بعنوان القانون فلا غبارعليه ، بل العكس هو عنوان يلائم القانون والعرف والإسلام ، ولكن لو تمعنا في مضمون هذا القانون ومايحويه من نصوص قانونية بصيغته الحالية يعتبر قانون تفكك اسري لما فيه من مواد مجحفة بالاسرة ومخالفة لاحكام الشريعة والدستور.
فمن الناحية الدستورية والشرعية ، القانون مخالف للدستور والشريعة الإسلامية لانه ينهي ولاية الاب على الاسرة التي قررتها الشريعة الإسلامية في ثوابتها المكفولة بالدستور والذي إشارة اليه المادة الثانية منه والتي جاء فيها (لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام ...)، وهذا القانون ينهي احد الثوابت في الإسلام وهي حق التاديب الذي اقرته الشريعة الإسلامية ، قال تعالى (... وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا...)،يعني أولا الوعظ والإرشاد ثم الهجر يتركها لتشعر بذنبها ثم أخيرا الضرب ولكن وفق ضوابط وله أسباب ،اما الضوابط فقد حددها الرسول الأعظم ص في الحديث الشريف (واضربوهن ضربا غير مبرح) وهو الضرب الذي لايترك اثرا على الجلد ولايكسر عظما للمضروب ولا يجرح جسما ولايسيل دما وان يقصد به التاديب والتقويم وليس التشفي ،واما سبب الضرب التاديبي هو تركها للبيت والامتناع عن فراشه (نشوزها)
وفي استفتاء للمرجع الأعلى بخصوص ضرب الزوجة جاء فيه:
(السؤال: الشارع المقدس لا يجوّز ضرب الزوجة الا لسبب، فما هي تلك الاسباب؟ ولو ضرب الزوج زوجته فما المقصود من الدية التي تجب عليه وما مقدارها؟
الجواب: يجوز اذا نشزت وامتنعت عن التمكين نهائياً ولم ينفع معها الوعظ والنصح ولم ينفع بعد ذلك الهجر في الفراش فيجوز ضربها من دون قصد الانتقام وذلك في ما اذا احتمل التاثير والا فلا يجوز ولابد ان لا يكون مدمياً ولا شديداً واذا اثر في اسوداد البدن او احمراره وجبت الدية وهي مال يدفعه لها ويختلف باختلاف التاثير.
وبخصوص ضرب التلميذ: (السؤال: نحن نعلم ان عقاب التلميذ بالضرب او التوقيف في المدرسة لا يجوز الا باذن ولي امره، لكن هذا الامر يصعب بالنسبة لاعداد التلاميذ وحيث إنه يصدر من بعض التلاميذ بعض التقصير في الانضباط داخل الصف وعمل فوضى ما يخلّ بالدرس فهل تاذنون لنا في تاديب المقصر ضرباً يناسب مقام التاديب من دون ضرر يعتد به؟
الجواب: لا محيص من مراجعة ولي التلميذ بشان تأديبه بالضرب، ولو كان استخدام الضرب للتاديب متعارفاً في مدارس البلد امكن اعتبار ادخاله في المدرسة موافقة ضمنية علي تأديبه بهذا الاسلوب وعلي كل حال لابد فيه من مراعاة الحدود الشرعية المبينة في الرسالة العملية).
وفي تجاوز الحدود الشرعية للضرب بخروج الدم والاذى الكبير جاء في الاستفتاء (فعل حرام وعليه دفع الدية ) أي الضارب عليه الدية .
واما دية الضرب الخارج عن الحد الشرعي فهي :
١-دية الازرقاق مثقالان و ربع المثقال من الذهب.
٢-دية الجرح الذي يسلخ الجلد ولاياخذ من اللحم يكفي فيها ٥٢ مثقال و نصف مثقال من الفضة.
٣-دية انحراف الانف فيها الحكومة ولاباس بالتصالح على ١٠٠ مثقال من الفضة.
فهل للمسلم العارف باحكام الشريعة الإسلامية يجرؤ على الضرب الخارج عن الحق التاديبي مع علمه بمقدارالدية ؟
كما ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في المادة 41 منه اقرحق التاديب والتي جاء فيها (لاجريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق :
(..تاديب الزوج لزوجته وتاديب الإباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ماهو مقرر شرعا وقانونا او عرفا...) اذا حق التاديب مقرر شرعا وقانونا وعرفا ولكن وفق ضوابط وهذه الضوابط لم يحددها قانون العقوبات بل احالها على الشارع المقدس ، فحق التاديب سواء عن طريق الضرب او الترك لايؤدي الى الأذى الجسدي بالاحمرار او الاسوداد والتلف وانما هو اشعارهم بالذنب فقط والا كان تعنيفا يعاقب عليه فاعله شرعا وقانونا وكذلك قضاء، فالقضاة في المحاكم عندما ينظرون في قضية خاصة بامور التعنيف الجسدي للزوجة يحيلون القضية الى الفحص الطبي فاذا تبين من التقرير الطبي ان الزوجة متعرضة للاذى بسبب ضرب الزوج سوف يدينه ، وقد يستعين بشهادة الشهود بالرغم من عدم وجود جروح واثار ، الا انه أيضا سوف يدينه كونها تعرضت للعنف المعنوي بسبب الضرب امام الشهود مما سبب اليها الإهانة ولم يكن للتاديب ،فالاذى سواء كان جسدي ام معنوي يحاسب عليه القانون ويعد مرفوضا .
كما ان هناك راي للمحكمة الاتحادية في 2007 جاء فيه (حق التاديب لايعني العنف الاسري المقصود)، أي ان العنف هو ماتجاوز حق التاديب ،وقد تكفل القانون والشريعة محاسبة من تجاوز هذا الحد .
ولو تمعنا في نصوص مشروع قانون العنف الاسري لوجدنا عدة إشكالات :
بالنسبة للمادة الأولى والتي بينت معنى العنف الاسري جاء فيها (العنف الاسري :كل فعل او امتناع عن فعل او التهديد باي منهما يرتكب داخل الاسرة يترتب عليه ضرر مادي او معنوي )، أي ان كل فعل من الاب او الزوج يعد تعنيفا وكذلك الامتناع عن الفعل ،فلو هجرها وترك الحديث معها لتاديبها لنشوزها ، او قد ينزعج الاب من ابناءه فيمتنع عن الكلام معهم لتاديبهم يعد ذلك تعنيفا يوجب تحريك الدعوى ضد الاب او الزوج !!
وبدلا من حل النزاع بين افراد الاسرة انفسهم وان كان بدفع الدية سنكون امام دعوى وفضائح وقد يكون كل ذلك نتيجة امتناع عن فعل كالسكوت !!
كما ان المادة 12 بينت المخبر الذي يحق له رفع الدعوى حيث جاء فيها (على الموظف او المكلف بخدمة عامة او كل من قدم خدمة طبية او تعليمية او اجتماعية او المنظمات غير الحكومية المختصة في حال يشتبه معها وقوع جريمة عنف اسري الاخبار الى الجهات المتنصوص عليها في المادة 11 من هذا القانون )،أي ان المخبر له الحق في تحريك الدعوى اذا شاهد الاب يضرب ابنه او الزوج يضرب زوجته سواء كان الضرب داخل البيت او خارجه فبمجرد رؤية الموقف عليه الاخبار ، وفي الوقت ذاته ليس له الحق في تحريك الدعوى اذا كان المضروب اجنبي عن الضارب ليس زوجته او ابنه ، اتسائل من أولى بمن ؟!!، فهل المخبر أولى من الاب بابنه او من الزوج بزوجته؟
كما ان هذا المخبر اعطته المادة 12 الصلاحية المطلقة في تحريك الدعوى امام الجهات التي نصت عليها المادة 11 من القانون نفسه والتي جاء فيها (لكل من تعرض للعنف الاسري او من ينوب عنه قانونا التقدم بشكوى الى أي من أولا :قاضي التحقيق المختص ،ثانيا:الادعاءالعام ،ثالثا: مديرية حماية الاسرة ، رابعا:المفوضية العليا لحقوق الانسان) ، وبذلك أصبحت قضايا العنف الاسري قضايا عامة وليس خاصة وهذا مايتعارض مع نص المادة 3/3 من قانون الاحكام الجزائية العراقي والتي جاء فيها (لايجوز تحريك الدعوى الجزائية الا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانونا في الجرائم الاتية ...3-السرقة او الاغتصاب اوخيانة الأمانة او الاحتيال او حيازة الأشياء المتحصلة منها اذا كان المجني عليه زوجا للجاني او احد اصوله او فروعه ولم تكن هذه الأشياء محجوزا عليها قضائيا او مثقلة بحق لشخص اخر ...)
فبالرغم من وجود الخلاف الا انه من الممكن حله دون توسعته ، ولكن وللأسف مع قانون التفكك الاسري لاتحرك الدعوى اذا كان من وقع عليه الفعل اجنبي وتحرك اذا كان ابني او زوجتي
واما المواد 15 و20 فقد تكلما عن دور الايواء حيث يحق للغريب ان يرفع على الاب او الزوج دعوى لياخذوا ابنه او زوجته الى دور الايواء التي تنادي بها منظمات المجتمع المدني مع اشخاص من نفس الاعمار ومراهقين وووالخ ،فالكلام مؤلم ويطول ولنا مقالا خاصا ان شاء الله بخصوص دور الايواء قريبا .
فوفق هذا القانون تم سلب حق التاديب والتربية من قبل الاب والمعلم فاصبح المدرسة والبيت لايؤدب ، ولكن من يؤدب؟!! هل دور الايواء ستؤدب ؟
نحن لانحتاج الى هذا القانون بتاتا ، فحالات العنف الاسري في بلادنا لم ولن ترقى الى ظاهرة كما هو الحال في اميركا وشعوب الغرب ، فنحن امة ليس بدوية وانما تقتدي بالمعصومين عليهم السلام من خلال التعاليم التي تطرح في مجالسنا فهم نعم القدوة لنا ، وان كان هناك قصور من البعض في الاقتداء لعدة أسباب منها البيئة والتربية ومنها مايزرعه الغرب من فساد وانحطاط فكري لينتزع منا الهوية الإسلامية المحمدية ، الا ان هذا كله لايستطيع الوصول بنا الى ظاهرة العنف الاسري ، وانما هي مجرد حالات من الممكن تلافيها ومن خلال عدة توصيات أهمها :
1- من الممكن تعديل قانون حق الزوجة المطلقة في السكن رقم 77لسنة 1983 ليشمل المعنفة ونعطيها حق السكن بدلا من دور الايواء والتي لنا فيها كلام يطول في مقال اخر
2- تربية وتعليم الأولاد حتى لو كان بجهود خاصة وان يتخلل المناهج الدراسية تعاليم إسلامية خاصة بالتعامل مع الاخرين والحد من العنف الاسري
3- ندوات ومؤتمرات وورش تثقيفية لعلاج سوء الخلق ونشر التعاليم الصحيحة والتعريف بمكانة الانسان عند الله عز وجل رجلا كان او امراة
4- والاهم من كل التوصيات هو التمسك بالتعاليم الإسلامية والعمل بها حقيقة ونبذ تعاليم الغرب المنحطة بإرادة حرة قوية حتى لايصل بنا المطاف الى معالجة السيء بالاسوء وأخيرا اسال الله لي ولكم الهداية والثبات ونعوذ به من الفتن والمحن