قانون الحق والتصدي للباطل
د . آمال علي الموسوي
لم تلتف القوانين الوضعية الى سن قانون وهو من اهم القوانين في الحياة البشرية ، إلا وهو قانون الحق والتصدي للباطل سواء بالتصرفات القانونية او المدنية او المعاملات المالية أو غير ذلك ، فالحق سواء كان العمل به قولا أو فعلا لابد من الدفاع عنه ومساندته ، والتصدي لكل أنواع الباطل يجب مقارعتها بكل الطرق ، فهو قانون في الواقع غير معروف لدى التشريعات الوضعية ، بل مبتعدة هذه التشريعات في تنظيم هكذا قانون ، فهذا النوع من الصراع بين الحق والباطل ليس وليد اليوم بل له جذور تاريخية وخصوصا في وقتنا الحاضر لا نزال نعيش في زمن المحنة والابتلاء واضطراب الآراء واختلال السير والخوف من قول كلمة الحق لئلا نخسر مكانتنا المادية ، ونجد في هذه الأيام كثرة الباطل وقله أصحاب الحق سواء من الافراد العاديين ام من الحكام في عصرنا .
لقد تحدث القران الكريم في سور عديدة حول هذه الحقيقة وهي الصراع بين الحق والباطل ، وبين الكفر والايمان حيث لا يسعنا بذكرها كلها ونذكر البعض التي جاءت تفصح عن الصراع بين الحق والتصدي للباطل والامثلة والنماذج كثيرة تشهد على ذلك ، فمن هذ الآيات قوله تعالى (... كذلك يضرب الله الحق والباطل ...) ( الرعد : 17) وقوله سبحانه وتعالى (.. ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ..) ( الكهف : 56) وقوله أيضا ( ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ..) ( محمد : 3) ، وكما في الآية الكريمة ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) ( الانفال : 8) ، وكذلك قوله ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ( الاسراء : 81) ، ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.. ) ( الأنبياء : 18 ) فان هذه الآيات كانت دليلا واضحا على مسار التاريخ وحقيقة الصراع بين الحق والباطل ، فهذا القانون ما هو الا معركة بين الخير والشر وبين الإسلام والجاهلية وبين الكفر والايمان ، وبين كل ما يرضي الله وكل ما يغضب الله ، فالحق يفصل بين تشريع ما جاء به البشر وبين تشريع رب البشر ، فقول الحق سيف قاطع ، والحق يعلو ولا يُعلى عليه.
فقانون الحق والتصدي للباطل نجد له مصاديق كثيرة وردت في الاحاديث النبوية الشريفة ومنها قول للنبي ( ص) في تنظيم شأن قول الحق وجعلها من اعظم الجهاد حيث قال ( إن من اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ، وهناك قول آخر للإمام علي (ع) ( من أبدى صفحته للحق هلك ) .
والمتتبع لتاريخ الإسلام لا يعجزه ان يقف على حقيقة مفادها ان الصراع بين الحق والباطل فهو صراع بين الخير والشر هناك نماذج كثيرة تذكر شهدت صراع الحق والباطل ومن أهمها الصراع بين رسول الله (ص) وبين دعاة الجاهلية ، كما نذكر الصراع الذي دار بين موسى عليه السلام الداعي الى الحق وبين فرعون الطاغي والمتجبر ، كما يشهد التاريخ وفي يومنا هذا نماذج أخرى للصراع ومنها المقاومة الفلسطينية في حرب غزه فقد نصر الله تلك المقاومة رغم القوة العسكرية الهائلة التي يتمتع بها أعداء الله فالنصر حليفها لكونها صاحبة حق تدافع عنه ولكون اعدائها أصحاب باطل ، كما لي أن اذكر نموذج آخر للدفاع عن الحق وازهاق الباطل فكان مثالاً رائعاً في نصرة الحق وحماية المقدسات ، كما في ابطال الحشد الشعبي ضد داعش فالله نصرهم نصرا عزيزا .
فالقارئ لهذه الكلمات قد يتبادر الى ذهنه السؤال التالي ؟
كيف لنا ان نطبق نصوص هذا القانون ( قانون الحق والتصدي للباطل ) ، وللإجابة عن ذلك :
فيمكن لنا تطبيق هذا القانون باتباع ما يلي :
أولاً / تحكيم ضمائرنا لان الضمير هو صوت الحق ، ويعلو على كل الجدالات والمناقشات العقيمة ، فهو الذي يوجه النفس البشرية نحو الصواب ، كما هو الوجدان الذي يتمتع بالقدرة على التمييز بين الحق والباطل والخير والشر وهو ليس شأناً ذاتياً وانما هو جملة من المعايير والتوجيهات التي تعني التربية الخلقية ، فالضمير نبراس للعقل، فيجب الوقوف الى جانب الحق مدافعا عنه ومكافحا لتحقيقه ، وبهذا فهو سار في الطريق المرضي لله تعالى، وان للضمير محكمة تدخل في نفوسنا وتبقى يقظة لتفرق بين الحق والباطل لتحكم بالعدل ولا تنتصر لغير الحق ، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها واخفاءها ان الحق هو المنتصر في النهاية ، وان الباطل وان حقق انتصاراً فهو انتصار آني ووقتي ، فالضمير نعمة من الله لبناء كل ما هو إيجابي في الحياة فهو المراقب الأمين والدليل الأصيل والقاضي الذي يحكم بالبراءة ام بالإدانة ، فاذا ما كانت ضمائرنا ذكية وقوية تفرق بين الحق والباطل فنحن نسير في طريق الله .
ثانيا / تربية النفس التربية الحسنة كي تبقى في اطار قول الحق ولو كره الكافرون ، ولابد من تربية النفس على الجرأة والقوة الداخلية وايمانك الصادق لكي تقولها بدون تردد ولا خوف ولا شك وتنطقها بكل ثبات واباء ورسوخ ، فالإنسان الحر لا يخاف لومة لائم .
ثالثا / الثبات والصبر والايمان ، ويجب ان تتم الاستعانة بهما للأخذ بأسباب نصر الحق ، حيث ان المؤمن لا يكون مؤمنا الا اذا وقف مع الحق ودافع عنه ولو كان على نفسه ، وقد كانت وصية الامام علي للحسنين (ع) ( كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ) ، وان انصار الحق سلاحهم الايمان قبل ان يكون سيفا او صاروخا .
رابعا / التقوى وتعني التقوى وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه ، فهي الحذر من الامتناع من قول الحق ، فهي ملازمة للعمل بطاعة الله تعالى بنية مخلصة لا يشوبها شك ولا رياء ، فالدفاع عن الحق ونصرته هي سبب لقبول الاعمال ، فالإنسان المتقي هو الذي يقاوم الباطل بكل ما يمتلك من قوة ، وينتصر على مفاسد الدنيا ، وبهذا يصبح من انصار الحق .
خامسا / البصيرة والرؤية بعمق ، فيجب على الانسان اذا ظهر الحق والباطل وعرف الجانب الذي معه الحق فالواجب على كل مسلم ان يكون في جانب الحق وأهله ومناصرته والتجافي عن الباطل وحزبه والسعي وبذل كل الجهود في ازهاق الباطل ، فيجب ان تكون لدية بصيرة وفرقان يفرق به بين الحق والباطل .
ونحن نرى ان قانون العمل بالحق والتصدي للباطل، ما هو الا توفيق من رب العالمين ، ولابد من مراجعة منظومتنا الفكرية للمحاورة مع النفس حواراً داخلياً واعياً مراعياً في كل عمل التوجه الى جانب الحق في نصرة المظلوم ومخاصمة الظالم حاملا صفة اعلاء كلمة الحق والصدق والإخلاص والايمان للوصول لمرضات رب العالمين .