أثر مراكز البحوث والدراسات في زيادة الوعي المعرفي في المجتمع مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية ( أنموذجا )

المقالات

د . آمال علي الموسوي 
الاختصاص /  القانون المدني 
 
    شهد عالمنا العربي نهضة كبيرة في انشاء العديد من  مراكز البحوث والدراسات لتقديم الكثير من الخدمات المختلفة ، وتعد هذه المراكز بحد ذاتها ظاهرة متميزة في الدول المتقدمة  حيث تشكل هذ المراكز المصدر الأساسي للمعلومات المختلفة والتي يستفيد منها الباحثين في كافة المجالات وغير الباحثين ،  ومصنع للأفكار ومصدرا للمعلومات بما تقدمه من معرفة متخصصة ومعلومات ثقافية فضلا عن التحليلات والتقييمات والتعليقات والروئ  المستقبلية ، والأفكار والنظرة الشخصية  لدى الكاتب او الباحث  اتجاه بعض القضايا ، مما أدى الى زيادة الوعي المعرفي من خلال اطلاعهم على الأبحاث والدراسات والتعليقات والتقارير المتعلقة بمواضيع ذات أهمية كبيرة . 
   ويبدو من خلال هذه المقدمة لابد من تعريف لمراكز البحوث والدراسات فيمكن تعريفها بانها تلك الجماعات او المعاهد المنظمة بهدف اجراء بحوث مركزة وهادفة لتقديم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وفي مجالات الاجتماع والسياسية والقانون والتكنولوجية بشكل خاص ، او قد تعرف بانها عبارة عن مراكز مؤسسات بحثية هدفها الأساسي توفير البحوث والدراسات المتعلقة بقضايا المجتمع الهامة وتكون هذه المؤسسات غير ربحية وان كانت تملك منتجا وهو الأبحاث والدراسات ، كما انها تركز اهتمامها على تطوير المهارات البحثية ، وقد وصفت بحق بأنها  بنوك التفكير او خزانات  أو مصانع للأفكار ، وعليه فهي تعد احد المرتكزات الأساسية لانتاج البحث العلمي والدراسات المعمقة  ، حيث أصبحت هذه المراكز في الاونه الأخيرة لا تقتصر على تقديم دراسات قانونية سياسية اكاديمية تحليلية نقدية بل صارت تشمل معالجة مشاكل مهمة ومؤثرة سلبا على المجتمع ، فضلا عن قديم المشورة لصانعي القرار سواء على مستوى الدولة ام القطاع الخاص . 
   ولتطوير الواقع الحالي ورفع مستوى الثقافة والنهوض وتقدم الشعوب نحو تحقيق أهدافها  ، تعد تلك المراكز مؤشرا واضحا للمنجزات الثقافية وفق المنظور المعرفي وعنوانا للتقدَم في رسم السياسات ، ودراسة القضايا والمشكلات التي تواجه الافراد والمجتمع والدولة ، من خلال توظيف البحث العلمي في خدمة قضايا المجتمع بما يدعم عمليات صنع القرارات ورسم السياسات ، حتى أصبحت جزءا من المكونات الثقافية ،  وضرورة لوجودها من الحاجة لها ومن أهم هذه الضرورات هي  المواضيع المتعلقة بالسياسة والقانون والقضاء والتربية  بأعتبارها الطريق الأمثل لايصال المعرفة ، ومن شأنها أيضا تضاعف مستوى الوعي لدى الافراد العاديين والباحثين في كافة المجالات ، فهي تملك مفاتيح المعرفة التي لن يتسنى الحصول عليها دون بحث علمي ودراسات تحليلية لكونها ادوات مراكز البحوث والدراسات .
    كما ان بعض المراكز وعلى سبيل المثال (مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية ) اهتم بشكل خاص بالدراسات الاستراتيجية التي تعد من أهم ركائز العمل الأمني لكونه يمثل الركن الرئيسي لأصحاب القرار حيث تمكنهم من التعرف على الواقع وتطلعات المستقبل ،كما انها تختص بتحليل الأوضاع العامة للدولة عن طريق دراسة البيئة الاستراتيجية ومن ثم الوصول الى الحلول المناسبة والى نتائج ومقترحات توضع نصب اعين أصحاب صانعي القرار لاتخاذ ما يرونه مناسبا ً ، فضلا عن اتخاذ الخطوات اللازمة لرصد الخطر والتنبيه  ، ومعرفة التوجهات والأفكار من خلال القراءات في تعديل الدستور وبعض النصوص القانونية التي لا نجد فيها حلولا او معالجة لبعض الحالات ،  
    فيعد مركز وطن الفراتين بمثابة المخزن والوعاء لذاكرة التاريخ الإنساني في ابعاده المختلفة ، فضلا عن رسم وصناعة القرارات ، وفي واقع الامر فهي مؤسسة بحثية تغطي الشأن المحلي العراقي بشكل أساسي ومن ثم الدراسات الإقليمية ، حيث يعمل المركز على مساهمات جادة في مجال البحوث والدراسات الاستراتيجية ، الأمنية ، الاقتصادية ، القانونية ، الاجتماعية  فهو نموذج لنتاج تقافي ومعرفي لا بل منجز حضاري فيعكس اهتمام الباحثين بالعلم والمعرفة واستشراف الرؤئ  وافاق المستقبل ، كما يعد مركز وطن الفراتين وليد الواقع لتطوير وتأكيد الوسط العام ، كما انه تخطى دوره التقليدي بإصدار ونشر البحوث والمقالات والدراسات والتحليلات فضلا عن إصداره مجلة علمية فصلية تتناول مواضيع متعلقة بالمجتمع والدولة ، بل وصل الى مرحلة تزويد صانع القرار بالمعلومات والتحليلات المختلفة  ، فهو يقدم  خدمة جليلة للإنسانية على اعتبار ان هذه المراكز تركز على أهم المواضيع في المجتمع سواء كانت قانونية ، اجتماعية ، سياسية ، استراتيجية  لتضع المعالجات والمقترحات ليتمكن المتلقي من الاستفادة .
   ونرى ان مشاركة المراكز في رسم السياسات العامة ومساعدة صانع القرار مسألة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها ، فالهدف الأساسي من وجود المراكز البحثية هو هذا الغرض ، إذ لا يمكن لأي مؤسسة أخرى غير مراكز البحوث ان تمارس هذا الدور ، لذلك أصبحت تلك المراكز جزءا لا  يتجزأ من العلمية الثقافية فهو أسلوب الحياة الجديد ، كما انها تساعد  في إشاعة روح البحث العلمي والتعامل مع القضايا الساخنة ورعاية المبدعين والمهتمين بتطوير المركز وتوفير الفرصة للراغبين في البحث والكتابة والتأليف أيضا ، وهذا ما لمسناه في مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية حيث أتاح لنا الفرصة في نشر البحوث والمقالات ، كما لي ان اسجل شكري وتقديري لمدير مركز  وطن الفراتين ( الدكتور حيدر عبد الرضا الظالمي ) للاستعانة بالنخب العلمية والكفاءات  والخبرات ،والشكر موصول  لكل القائمين في هذا المركز لدورهم الفاعل في المسيرة العلمية والثقافية لتحقيق الأهداف المرجوه. 
   ولاجل بناء مراكز متميزة وتحمل هوية واضحة في العمل ليستفيد من نتاجها المجتمع والدولة نوصي ببعض المقترحات  بهذا الشكل الاتي :
أولا / نتأمل من المشرع العراقي وشعورا من الجهات التشريعية بدور مراكز الأبحاث واهميتها في انتاج أبحاث لتسهم في تكوين الحلول المناسبة والمعالجات في الازمات التي يتعرض لها البلد ، اهتماما كبيرا بمراكز البحوث والدراسات . 
ثانيا /  نأمل من المشرع انشاء هيئة او مجلس او أي تسمية أخرى داخل الدولة وبموجب تشريع خاص أو ضمن البنية التشريعية لمراكز الأبحاث تتولى الاشراف على عمل المراكز البحثية فيها وتقييمه وتشخيص الباحثين المتميزين ، ويمكن اعطاءهم هدايا رمزية بما بذلوه من جهد ، أو دعمهم ماديا أو معنويا ليتسنى للمركز استقطاب عدد من النخب العلمية المتميزة بالأداء . 
ثالثا / رسم اطر التعاون مع مراكز بحثية خارج البلد للاستفادة من التطورات العالمية لخدمة اهداف التنمية الشاملة ، مع ضرورة توسيع مراكز البحوث باليحوث التطبيقية العملية  التي تعالج مشاكل المجتمع ، والابتعاد عن البحوث الوصفية ودفع الباحثين للتغلغل بمشاكل الواقع وتقديم الحلول لها .