المعالجة الشرعية والتشريعية للحد من ظاهرة الطلاق

المقالات

  د / آمال علي الموسوي 
الاختصاص / القانون المدني 
 
مقدمة 
   لقد برزت ظاهرة الطلاق في الآونة الاخيرة بشكل يهدد امن واستقرار المجتمع بصورة عامة  ، ويهدد  افراد الاسرة بصورة خاصة ، مما يؤدي الى التفكك وعدم الاستقرار ومن ثم تنتشر الانحرافات السلوكية من قبل افراد الاسرة ، كما ان الشريعة الإسلامية افصحت الى عدم محبوبية الطلاق وانه من الأمور المكروهه والمنبوذة في نظر الإسلام ، حيث يهتز العرش الإلهي لهذه الكلمة ، لذا  تعد ظاهرة  الطلاق ظاهرة سلبية بكل تفاصيلها في المجتمعات كافة بما تحمل في طياتها كثيرا من الغضب الإلهي فضلا عن الاضرار الذي تصيب افراد  الاسرة والمجتمع  .
  فالطلاق الذي شرعه الله سبحانه وتعالى كان لأسباب معينة وخاصة عندما تؤول العلاقة الزوجية الى طريق مسدود ومستحيل الاستمرار فيصبح الطلاق لا مناص له ، الا انه اصبح في ظل المجتمعات المعاصرة العربية ومنها الإسلامية ظاهرة مألوفة وطبيعية ، ومما لاشك فيه  ان اثارها خطيرة ، فقد سجل القضاء العراقي في السنوات الأخيرة عشرات الالاف من حالات تصديق الطلاق ، فضلا عن الاعداد الأخرى التي تقع ولا يتم تسجيلها خاصة في المناطق النائية  كالقرى والارياف. 
   وفي واقع الامر ان تداعيات الطلاق كثيرة سواء المتعلقة بالزوجين بالذات أو ما يحيط بهما من أقرباء او حتى المجتمع ، لكن الذي يهمنا هو المعالجة للحد من هذه الظاهرة غير المرغوبة ، التي أصبحت حديث العصر  وعلى الصعيدين الشرعي والتشريعي .
المعالجة الشرعية   
ونرى ان المعالجة الشرعية تبدأ بالرجوع الى المفاهيم القرانية التي جاء بها الله سبحانه وتعالى لتطبيقها  في العلاقة الزوجية ، والامتثال لاحكام الله ومسيرة الأنبياء عليهم السلام ومنها مسيرة ( فاطمة الزهراء ) عليها  السلام والسير نحو منهاجها في العلاقة الزوجية ، كما ان هناك حديث للرسول (ص) يشير الى كراهة الطلاق ( ان ابغض الحلال عن الله الطلاق ) .
فكثيرة هي الآيات التي تنبذ الطلاق وتجعل من امساك الزوج بزوجته احد المعالجات الشرعية بحيث تحث الزوج على ان يمسك زوجته ولو كرهها ومصداق كلامنا في قوله تعالى ( ... فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )  وكذلك المعالجة الثانية تكمن في  المحبة والمودة والرحمة  في العلاقة  الزوجية  فهي احدى المعالجات التي حث الله سبحانه عليها كما في قوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة  إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) يتضح من قوله تعالى ان المودة هي المحبة ، والرحمة هي الرأفة ، وان الرجل عندما يتمسك بزوجته اما لمحبته لها او لرحمة بها ، وأيضا جاءت المعالجة الثالثة بنص من القران وهي حسن العشرة   قال تعالى في محكم كتابه ( ... وعاشروهن بالمعروف ...) ، فالعشرة هي المخالطة التي تحقق الثقة بالنفس والطمأنينة في الحياة المشتركة  وعشره هادئة مبتعدة عن كل ما يبغض الله ، وهذا ما يتطلب بعض الأفعال والاقوال من الزوج ، وعليه يجب ان تكون أقواله لزوجته طيبه ولا يعبس في وجهها بغير ذنب وان قصرت في احدى واجباتها فعليه ان لا يكون فظا وانما لينا ولطيف  وقال رسول الله (ص) في هذا الشأن (  خيركم خيركم لأهله ، وانا خيركم لأهلي )  وفي مقابل ذلك يجب ان تكون الزوجة تسعى لإسعاد زوجها وان تطيع امره وان غاب حفظته وتشاركه آماله وآلامه ، وتصون ماله وترعى أولاده .
  ومن دواعي المعالجة الشرعية ا الأخرى التي أشار اليها القران الكريم هي (الإصلاح) كما في قوله تعالى ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا )، فعدم التسَرع بالفراق وطلب الطلاق  في حال تعرض العلاقة الزوجية للخلاف والشقاق فينبغي الرجوع إلى الحكم  العدل  لينظر في امرهما للتفاهم والإصلاح  للوصول الى الحلول الإيجابية ، كما ويجب التغاضي عن الهفوات والزلات التي لا  قيمة لها امام  استمرار الحياه الزوجية ، ويلزم كلا منهما ما يجب عليه  .
   كما ان بقاء الزوجة في دار الزوجية في عدة الطلاق الرجعي  فهي الأخرى من تلك المعالجات الشرعية  لتلافي الطلاق فيحق لها البقاء في دار الزوجية حتى تنقضي عدتها ومصداق قولنا في الآية الكريمة ( يا أيها النبي اذا طلقتم النساء ...... لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ... وتلك حدود الله ومن تعد حدود الله فقد ظلم نفسه ...) ، وهذا دليل ان من الافضل للزوجة ان تبقى في بيتها لكي تمتنع عن ارتكاب الأمور الخاطئة ، كما ان وجودها في نفس الدار  من الأمور التي تساعد في صفاء قلب الرجل ولينه وقد تراجع الزوجة نفسها في المسائل التي جعلتها اتخاذ هكذا قرار .
   طبعا من وجهه نظر شخصية نرى ان من اهم الأسباب التي تؤدي الى الطلاق هو الابتعاد عن اللجوء الى احكام الله لحل كل مشكلة تعترض الزوج والزوجة ، وإصرار كل منها انه هو الصح والطرف المقابل هو الخاطئ بل يبقى احدهما مصرا  انه لم يكن خاطئا ، ويرى نفسه كأنه معصوم من الخطأ وهذا كارثة الكوارث .
اما المعالجة التشريعية  
  لم نجد هناك معالجة تشريعية حقيقية  للحد من ظاهرة الطلاق على الرغم من وجود ضرورة اجتماعية وقانونية تحتم مراجعة المنظومة التشريعية ومن أهمها قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 الذي سبب العديد من الإشكاليات مما أدت الى تعقيد المشاكل الاسرية ،  لا سيما ان القانون لا يجرم الطلاق خارج المحكمة ، وأصبحت المرأة كلما واجهت صعوبة  توجهت الى القضاء لتطلب الطلاق ونسيت  أن الله يجزيها ويضاعف حسناتها كلما صبرت على  اعوجاج زوجها ، لابد من وجود تشريعات تدابيريه  واحترازية للمحافظة على كيان الاسرة بدلا من هدمها ، فاختلال منظومة القيم وعدم احترام هذه الرابطة بحاجة الى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة  سواء الفرد او المجتمع الى جانب دور التشريعات ومنها القانون العراقي .
ومن المعالجات التشريعية التي يمكن للمشرع ان ينظر اليها ويجعلها نصوصا او تعليمات او توجيهات ، ومنها  أن الالتزام بما امر الله به سواء للزوج او الزوجة، والاختيار الصحيح والمناسب  واتباع الأسس الشرعية في اختيار الزوج أو الزوجة ،كما يمكن  اتباع منهج المرونة والصبر والتسامح والتحمل فهي من السبل التي تساعد على استمرار الحياة الزوجية بدون مشاكل  ، والابتعاد عن الغضب والعصبية التي تزيد عن حدها ، فيجب ان يكون في تفكير الطرفين الأولاد فيجب على كلاهما التحمل من اجل الحفاظ على الاسرة واستمرار السير الى نهاية الطريق ، ويجب على الزوجين الاحترام المتبادل ، اما بالنسبة للزوج فيجب عدم اللجوء الى الضرب والاهانة والسب والشتم عندما تكون الأسباب تافه ، وكما في حالة وجود  خلاف او مشكلة  واخطأ أحدهم بحق الاخر فالاعتذار مطلوب فهو طريق من الطرق لحل اصعب المشاكل بدلا من الإصرار والتكبر والكبرياء بالنفس ، كما ويمكن تطويق الخلافات بين الزوجين ، فتطويق الخلافات امر ضروري اذ لا تخرج عن الحدود الضيقة داخل بيت الزوجية  ، ويمكن دخول باحثة اجتماعية متخصصة لمساعدة الزوجين للحد من المشكلة التي الت الى انتهاء العلاقة الزوجية . 
  وان تجريم الطلاق خارج المحكمة احد الحلول المساهمة في الحد او اغلاق باب لعدد كبير من حالات الطلاق ، كما يمكن تشريع قانون يمنع من كان غير مؤهل للزواج ، بمعنى الاعمار المبكرة قد يكون الوعي غير متكامل ، فلابد من النضوج العقلي ، كما  لابد من حملات توعية ضخمة بخصوص موضوع الطلاق وما بعد الطلاق قد تكون الاثار خطيرة اكثر ، مما يترك اثرها النفسي والاجتماعي ونحن في مجتمع قد ينظر الى المرأة المطلقة نظرة غير مقبولة ، وعلى جميع الجهات سواء افراد عاديين ام مختصين بذل  محاولات كبيرة  وبشتى الطرق  والضغط على الزوجين لإجراء الصلح بينهما بعد المعالجة وإيجاد الحلول لمشكلاتهم . 
   ومن المعالجات أيضا ان يبذل القضاة جهودا كبيرة وعدم الاستعجال في الحكم للمقبلين على الطلاق من خلال التأجيل لغرض إعطاء فرصة لكلاهما في الرجوع عن قرارهما كما ويمكن للمحكمة  ان تعمل على وجود مصلح او باحث متخصص في المسائل الاجتماعية ومنها الطلاق واعطاءه مساحة واسعة لثني المقبلين على الطلاق كما كان في تعليمات رقم ( 4) الصادرة في عام 1985  ، ولكن في بعد عام 2003 ، اصبح دور الباحث شكلي لا يؤدي دوره بشكل فعال .
   كما ونقترح في سبيل المعالجة للحد من ظاهرة الطلاق، ايضاً سن قوانين تعمل على رفع المستوى الثقافي للمتزوجين وتشجيع الزوجين للاهتمام بالاسرة ، فضلا عن احداث دورات تدريبية اجبارية للمقبلين على الزواج لغرض التوعية والتبصير والفهم  والثقافة ، لان المسؤولية قد تكون كبيرة  ولن يتحملها احد الطرفين .
  فالهدف الأساسي من الزواج هو بناء اسرة متماسكة لتكوين جيل صالح  وكما قال الرسول (ص) ( تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش ) ، فاذا انتهى الزواج بالطلاق فأن هذا يؤدي الى خلاف الأهداف المرجوة من الزواج  .