العمليات التجميلية بين المسؤولية الشرعية واللامسوؤلية
د . آمال علي الموسوي الاختصاص / القانون المدني
بعد التقدم الهائل في مجال جراحة التجميل، والتوسع بشكل لافت للنظر ، ومما لا شك فيه ان الانسان بطبعه يحب كل شيء جميل ويحرص على ان يظهر بمظهر لائق ومتناسق وجذاب ، ولكن يجب على الانسان ان لا ينقاد الى تلك الرغبة الجامحة الى اجراء بعض الجراحات في أجزاء جسمه غافلا مدى شرعيتها وعليه السؤال من خلال المراجع الدينية بهذا الخصوص هل يجوز اجراء هذه العمليات الجراحية التحسينية ام لا ؟
فتعرف العمليات التجميلية بانها مجموعة من العمليات التي تتعلق بالشكل والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية أو مكتسبة ظهرت في الجسم البشري ، وبمعنى آخر تلك الجراحة التي تعني بتحسين ( تعديل الشكل ) في جزء او أجزاء من الجسم البشري الظاهرة ، ويمكن القول هي اعمال جراحية تجري على أجزاء محددة من الجسم لا لغرض علاجي وانما لتحسين الشكل الظاهر ليكون الصورة الاجمل والشكل الاحسن .
فالعمليات التجميلية اما ان تكون ضرورية وهذه تكون مشروعة فمثلا تشوهات في الوجه نتيجة حادث طارئ كالحروق وحوادث السيارات ،أو إزالة عيوب خلقية ولد بها الانسان او قد يكون انحراف خلقي في الانف مما يؤدي الى صعوبة التنفس ، أو تشوه في الشفة اذا كان شكلها غير طبيعي ، او عمليات الاخصاب الصناعي لمعالجة العقم ، التي تكون في بعض الأحيان ضرورة لتصبح المرأة اماً والرجل اباً وتكون لهم ذرية ، فكل هذه الاعمال وما شابهها مجازه شرعا لاجراءها لوجود ضرورة أو لوجود ضررا يمكن رفعه .
واما العمليات التجميلية الحاجيه التي تدعوا اليها الحاجة فمثلا العيوب الخلقية المتعلقة بالفتاة فمثلا رفع الخدين اذا كان هناك تشوه خلقي ، أو اعوجاج في الفك ، او وجود شق في الشفة العليا او التصاق الاصابيع او شفط الدهون من مناطق معينة ، او زراعة الأعضاء فالزراعة فيها معنى جمالي ولكن ليس مقصودا بذاته وانما يمكن رفع الضرر هو المقصد الأصلي والتجميل تبعا له ، او تقويم الانسان من اجل العلاج فهذه الأنواع من العمليات التجميلية دعت اليها الحاجة فلا باس بأجرائها اذا ما قام بها طبيبة بالنسبة للمرأة وبهذا فهي جائزه شرعاً .
اما العمليات الجراحية التحسينية فهي التي تعني بجراحة الشكل لا يكون الغرض منها علاج بل تحسين الشكل إلى ما يمكن تحسينه فاذا كان التحسين لتشوه أو لرفع الضرر فهذا جائز شرعا اما اذا كان التحسين للمظهر الخارجي لتجديد الشباب والقضاء على مظاهر الشيخوخة أو ليبدو الشخص اجمل من السابق ، ونرى في ذلك الكثير من النساء قد توجهت الى اجراء عمليات عديدة منها تجميل الانف من العرض والارتفاع ، وتجميل الاذن بردها الى الوراء اذا كانت مقدمة ، او عمل الوشم ، او نفخ الشفتين ، او تجميل الحواجب برفعها او بتقصيرها ، فهذه الأنواع وغيرها التي لا تشمل على دوافع ضرورية ولا يوجد حاجة لها مما جعل بعض النساء ان تبتعد تدريجيا عن الرسالة الإنسانية التي أراد بها المرأة ان تكون غير متبرجة ، فالجمال هو جمال الروح والخلق والطباع والافعال المرضية لله وجمال العلم والعقل والمواقف لا في الاشكال والهيئات ، فالأصل أن تبحث المرأة في انسانيتها وكرامتها وعفتها وستر ما يمكن لها ستره وكيفية التقرب الى الله تعالى وتنتهج نهج( فاطمة الزهراء) عليها السلام فأنها القدوة لكل امرأة تبحث عن مرضات الله ، وهي المقياس في أساس كل الاعمال ، ويمكن القول ان المرأة التي ذهبت وراء تلك العمليات المبالغ بها جاء نتيجة الفراغ الفكري بكل ما يتعلق بأمور الدين والالتزام بما امر الله تعالى ، فاصبح هم النساء فقط ان تعيد صناعة وجهها والاسراف والعناية في المظهر والاهتمام المبالغ فيه فكيف تكون الاحلى بين اقرانها والاجمل حتى يقال عنها اجمل النساء واصبح هذا كل ما يشغل تفكيرها ، ولكن نرى ان كل هذه الاعمال اذا كانت لزوجها فهي مباحة لا بل تثاب عليها ولكن عليها اخفاءها على الأجنبي ، وعلى هذا الأساس اذا كانت العمليات التجميلية مرتبطة بأمر ضروري أو حاجي فلا تدخل ضمن نطاق المسؤولية ، اما اذا كانت غير ذلك للتجميل المبالغ فيه والتحسين من دون وجود ضرورة او حاجة او اضطرار فهي مسؤولة امام الله سبحانه وتعالى.
كما ان على المرأة بالذات التجَمل في حدود ما مسموح به ، ولكن يجب ان لا تبالغ بأمر التجميل واذا ارادت ذلك فيجب اخفاءه ومصداق ذلك في قوله تعالى ( وقل للمؤمنات ... ولا يُبْدِين زِينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ......وتوبوا إلى الله جميعا أية المؤمنون ) فالإشارة في هذه الآية صريحة فيما اذا ارادت المرأة المزيد من التحسين والجمال فان الشارع حرم ذلك ولكن أجاز لها فيما اذا كان التزين والمبالغة بالتجميل للزوج على انه يجب إخفاءه عن الأجنبي ، فالدين الإسلامي دينا كاملاً وشاملاً بحيث شرَع الله فيه احسن الشرائع ، الا انه لم يطلق العنان في ذلك وانما دعا الانسان الى ضبطها وفق حدود لا ينبغي تعدَيها وهذا التحديد في تلك النوع من العمليات التجميلية التحسينية جاء حرصا على إنسانية المرأة وصون كرامتها وعفتها ومكانتها في المجتمع فهي الام والزوجة والاخت والبنت ، فكلما كانت رافضة لما يغضب الله تعالى كان دورها في تنمية المجتمع كبير باعتبارها نصف المجتمع ، فصلاح المرأة واستقامتها والتزامها عامل مهم ومؤثر في صلاح المجتمع البشري عامةً والمجتمع الإسلامي خاصةً ، فتُعَد المرأة الملتزمة بما أمر الله نموذجا فريدا لتطبيق تعاليم الشرع حين تؤدي دورها في المجتمع بالتزامها وحجابها وتطبيقها للحكم الشرعي من المغالاة بفنون التجميل والتزين فالمرأة المبتعدة عن كل ما يبغض الله فهي تصنع بوجودها دعوة الى الله سبحانه وتعالى في الاخلاق والاستقامة ، فالإسلام يريد المرأة القوية والجميلة بعفتها والتزامها الإيماني لتكون نورا من انوار الصلاح في المجتمع .
وننهي المقالة هذه بمجموعة من الأسئلة فالسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هل ان المراكز المتخصصة للجراحة التجميلية تلتزم بفتاوي المراجع الدينية بحرمة بعض الاعمال ، وما مدى مسؤوليتها الشرعية والقانونية فيما اذا كانت غير مرخصة وسببت ضررا نتيجة اعمالها الخاطئة ، وكيف يتم التصدي لتلك الاعمال غير الجائزة شرعا ، وهل هناك دور للمشرع القانوني في تنظيم تلك الاعمال ولتلك المراكز التي تكون في بعض الأحيان غير مرخصة ، مع العلم ان الأصل في تلك الاعمال الاباحة ولكن يجب ان تكون هناك ضوابط وحدود معينة ، لذلك نأمل من المشرع العراقي ان يسن قوانين جديدة بنحو يحد من انتشار المراكز التجميلية من حصول الأخطاء نتيجة عدم التخصص في تلك العمليات ، كما نأمل من المشرع العراقي ايضاَ تشديد المسؤولية على أصحاب المراكز غير المرخصة ، كما نأمل أيضا من المشرع العراقي أن يضع نصب عينيه الاحكام الواردة في كتاب الله تعالى في هذا المجال وفي غيرها من المجالات لتكون أساس النصوص القانونية .