رؤية تحليلية في خطورة هجر القران

البحوث

رؤية تحليلية في خطورة هجر القران

بقلم الدكتورة / امال علي الموسوي

باحثة واكاديمية

في مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية

 

 نجد ان كتاب الله (القران الكريم ) وهو مصدر التشريعات ، وله سطوة على القلوب وهيبة في النفوس ، وقد اشارت غالبية  الآيات  وبشكل صريح على عدم هجر القران ، فالقران الكريم هو الكتاب الذي أنزل على رسولنا الكريم ، وقراءة القران لها أجر عظيم من الله تعالى ، فهو المرجع الوحيد للمسلمين  في شتى أمور الحياة وهو يغذي العقول والقلوب ، وهو يبعث الحياة الحقيقية في قلوب البشر والابتعاد عن القران بمعنى الانقطاع عن الاتصال بالله تعالى وهذه هي خطورة هجر القران .

 يمكن لنا بيان مفهوم هجر القران اولا ، فالمقصود بهجر كتاب القران في اللغة : هو الترك والاعراض والبعد عن الشيء ، وبمعنى آخر تركه والابتعاد عن سماعه .

 اما هجر القران اصطلاحا ، هو الابتعاد عن كتاب الله وترك تلاوته وتدبر آياته وأحكامه ، وعدم تطبيق أوامره وما جاء فيه من منهاج ، واللهو عنه ونسيانه وعدم التقرب اليه ، فضلا عن عدم الايمان اليقيني به ، والتصديق الجازم به ، وعدم التأثر بوعده ووعيده .  تهدف هذه المقالة الى الوقوف على خطورة هجر شريعة الله  لأنها حبل الله الممدود من السماء الى الأرض ، قال رسول الله (ص) ( ألا وإني تارك فيكم ثقلين ، أحدهما كتاب الله عز وجل ، وهو حبل الله ، من أتبعه كان على هدى ومن تركه كان على ضلالة ) يتضح لنا من قول الرسول (ص)  لما هجر القوم كتاب الله شكاهم النبي الى ربه فقال ( يا رب  إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا ) بمعنى انهم جعلوه متروكاً واعرضوا عنه ولمْ يسمعوا له ، فمن يهجر القران فهو من أعداء الرسول .

 فهجر القران انواعُ : احدهما هجر سماعه والايمان به والاصغاء اليه ، والثاني : هجر العمل به وتطبيق احكامه ، والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه ، والرابع : هجر تدبره وفهمه ومعرفة ما أراد الله من الكلف.

 فالخطورة تكمن في الهجر الحقيقي في جهل وظيفة القران وتكون على جانبين الأول منه ، ما يتعلق بالقران مع عدم الايمان به وهذا يتعلق بالكفار والمنافقين ، والنوع الثاني ما يتعلق بالقران مع الايمان والاقرار به وهذا يتعلق بالمقصرين ، وان ما يهمنا في المقال هو هجر القران فيما يتعلق بتطبيق احكام القران والعمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، الذي يعد اخطر أنواع الهجر ،  تاركين الأنواع الأخرى في مقال اخر .

إن الغاية العظمى من نزول القران هو العمل به ليكون سببا لنيل الرحمة والمغفرة في الدنيا والاخرة ،وقال تعالى في محكم كتابه ( وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) فالأصل هو فهم احكام القران ومعانيه والعمل به  ، فالعمل به يكون يوم القيامة شفيعا له .

وان القران الكريم قدم لنا  قوانين معرفية وتفسيراً دقيقا  في الحياة ، والكون ، وتنظيم علاقة الانسان بربه وعلاقته مع الاخرين ، واحكام تفصيلية في بعض المسائل ، واحكام عامة في البعض الاخر ،  وآياته تحمل دستور الإسلام ،  وهو الشريعة التي تصلح لكل زمان ومكان ، فهو الرسالة الخالدة المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم واجيالهم لنيل مرضات الله وبلوغ الغاية القصوى في العاجل والآجل فيجب الرجوع اليها وتطبيقها ، فهو الناطق بالحق لا يأتيه الباطل من بين يديه تجده لا ريب فيه ، هدى للمتقين ، فيه شفاء لما في الصدور ، نور الله الذي يهدي للتي هي أقوم ويهدي الى الحق والى الصراط المستقيم .

ونرى في عصرنا الحاضر وهو عصر الانترنيت والرقميات والحداثة مما يلاحظ على البشر انه يسيرون نحو الأهداف المادية بعيدا عن القوانين الإلهية وتطبيق احكام الله ، فضعفت العقول والقلوب ويسعون الى اهداف بعيدة عن القران واحكامه . لابد  ان نشعر بالمسؤولية إزاء هذا الكتاب ، والنهوض والمبادرة الذاتية والنية الصادقة الخالصة لوجه الله تعالى ، ان نبذل الجهد والوقت وكل ما يحتاجه لتدبر منهاج الله ، والتأمل في تفسير آياته ، والتوقف عن هجران قرآننا ونعيد قراءته في  ضوء  واقعنا المتردي أخلاقيا ، والمشتت اجتماعيا وغير المستقر روحيا وفي ظل عصرنا وعلومه ومعارفه وادواته لنلحق بركب الإنسانية ولنستعيد ديننا الحق ودورنا الحضاري في الاستخلاف للوصول الى الجنة ، وعندما تكون قراءة القران بتدبر فإنما يؤثرك القران بمعانيه التي تشحنك قوة وصلابة وسكينة وبركة ، فهو رسائل الله للصالحين فكلما ضاقت بك الدنيا إلا واتسعت بآية تقرؤها في كتاب الله ، وكأن الله يناديك : انا الاعلم بما فيك وبما يجري عليك ، فالحل الناجع في وصية القران تجدها في ثنايا قرآنك فكيف تجد الإجابة لو لم تفتح كتاب الله تعالى  ، فيجب ان نسلم عقولنا وقلوبنا لمنهج ربنا، لنحوله في حياتنا الى واقع عملي  وان نجعل منهج السمع والطاعة أساس لكل منهاج .

  ندعو دعوة صريحة الى ضرورة إحياء وملازمة كتاب التشريع والأخلاق بدلا من هجره وتوظيف كل الطاقات وحشد الإمكانيات من اجل عملية تغيير الواقع والتدبير والتنوير والإصلاح الشامل  بالقراءة المتدبرة والتلاوة الواعية ، قال تعالى ( أفلا يتدبرون القران أم في قلوب أقفالها ) ،  للتقليل من خطورة  هذا الوباء ، لان التصرفات التي يقوم بها بعض الناس لا تنسجم مع كتاب الله فهي مصداق واضح لهجر كتاب الله ، فيمكن لنا من خلال  تفعيل دور شبكات التواصل الاجتماعي لنشر كتاب الله من حيث التلاوة وتفسير معاني الآيات  والعبرة من قصص الأنبياء  وخصوصا  ونحن نمر في ظل الظروف التي نرى بعض البشر مبتعدين  كل الابتعاد عن تلاوة القران وتدبره وفهمه وتطبيق احكامه .

وفي ختام هذه المقالة نقول ، اسال الله أن يردنا الى القرآن ردا جميلا .