أن الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان وايصاله الى الكمال المطلوب والسعادة الخالدة ، ذلك ان الهدف من خلق الانسان ما كان ليتحقق لو لم يبعث الله رسله ذلك لغرق الانسان في الظلال .
وان خمسة فقط من الرسل المبعوثين هم ( اولوا العزم ) أي أصحاب الشريعة وكتاب سماوي جديد أولهم الرسول الأعظم (ع) والبقية كما في الآية الكريمة ( وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم منهم ميثاقاً غليظاً ) ، يقول تعالى مخبرا عن أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء انه اخذ عليهم العهد المؤكد بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة والتعاون والتناصر والاتفاق وأن يصدق بعضهم بعضاً .
وأن محمد (ص) خاتم الأنبياء وآخر الرسل وشريعته موجهة لجميع الناس بحيث تلبي كل حاجات الإنسانية المعنوية والمادية مدى الدهر ، كما تركزت في شخصية الرسول (ص) أسس تربوية واخلاقية وعلمية وجهادية وعقائدية نجدها من خلال دوره في إصلاح شؤون الحياة وبالأخص الدور الفكري فكان وسيلة فاعلة لبناء الفرد المسلم وغير المسلم ، فالأسس الأخلاقية التي نجدها في هذه الشخصية العظمية ما هي إلا منهج نتبعه في برنامج الحياة ، كما بث روح الجهاد التعليمي وهو بذل الجهد من اجل التعلم والثقافة والتربية ومقياس النجاح في الجهاد التعليمي هو ان تستطيع إعطاء كل انسان ثقافة كاملة وتربية صحيحة وسليمة ومتكاملة ، كما نجد في شخصيته أيضا استمرارية التعليم فالتعليم لا ينتهي بانتهاء الفرد من مرحلة تعليمية معينة وإنما يستمر باستمرار الحياة وفي سياقها دون انقطاع من اجل تحقيق آمال الفرد وتنمية قدراته وامكانياته وتمكينه من مواجهة مطالب العالم المتغير ويمثل هذا في قوله تعالى ( وقل رب زدني علما ) نرى ان الله تعالى أمر رسوله ان يطلب منه الزيادة في العلم ، فالأهمية في الاستمرار بطلب العلم تكمن في ان استمرارية التعليم تسهم في مواصلة المتعلم مواكبة التطورات والمتغيرات المستجدة وتجعله على اطلاع مستمر ، كما تسهم في نمو المتعلم العقلي واتساع مداركة .
فدور الأنبياء هو اصلاح شؤون الحياة وبالأخص الدور الفكري لان الرسالات السماوية التي انزلت على الأنبياء ولا سيما الدين الإسلامي لم يأتي لإصلاح الحياة الفردية فحسب ولم يختص في القضايا المعنوية والأخلاقية والعقائدية والفكرية فقط وانما يهدف إصلاح جميع الشؤون الحياتية .
فالنبي الأمين (ص) الذي جعل قدوة وكافة للناس بشيرا ونذيرا كما في الآية الكريمة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) فهذه الآية تحمل معاني التأسي برسول الله وافعاله والاقتداء بشمائله ، ولا شك ان هذه الأفكار المتجانسة والمتكاملة وسلوك النبي في فلسفة الحياة والدين تشكل معالم واضحة وصريحة ، فالسلوك والفكر وتطور المجتمعات الحية ومن خلال ما تركه لنا من خطب ورسائل وأحاديث وافعال توضح الخطوط العريضة لهذه الفلسفة ، والتي محورها الانسان والدين ، فيمكن لنا ان نستمد من أفكار وافعال واقوال الرسول تنظيم السلوك في الحياة والتحكم في تكوين شخصية صالحة وناضجة باعتباره صوره للمثل الأعلى ، ومن الأسباب التي تدعوا لذلك هي ازمة اللاوعي التي شكلت في اوساطنا المرض العضال الذي يحتاج تكثيف الجهود من أجل القضاء على السلبية ، وان ما نستمد من فكر وسلوك وقيم ومبادئ من العظماء يجعل للحياة حركة ديناميكية فتجعل من الحركة الإنسانية حركة متصلة غير منفصلة لتصل للارتقاء الفكري والقضاء على الفكر الجامد الذي لا يقبل التفاعل مع الأفكار المستمدة من أفكار وفلسفة الأنبياء عليهم السلام .
ولكي نترجم تلك السيرة والسلوك في حياتنا ترجمة واقعية فلابد ان نبني شخصيتنا وعلاقتنا بالله أولا ومع النفس ثانيا ومع الاخرين ثالثا على هدى تلك الشخصية الايمانية المتكاملة ، فقد جسد علاقته بالله من خلال العبودية والطاعة والخضوع والتسليم لله تعالى ، ولتي تمثلت بالصلاة والدعاء وذكر الله وتلاوة القران ، لأنها تمثل برنامجا علميا وتربويا في كل المجتمع الإسلامي ليبقى كتاب الله حيا في كلماته فالأحرى بنا ان نقف عند هذه الصفات الكريمة التي تحلى بها نبينا وان نتمثل ونقتدي بها وان نحث أبناء الامة على التخلق بها والسير على هديها واتباع منهجها ، فقد كان ينشر الفضيلة والقيم والمثل التي دعا لها الله سبحانه وتعالى .
فالاقتداء بهذه القواعد والدعائم تجعلنا نواجه العقبات ونعالج السلبيات ونستقيم في البناء الإنساني ونكمل الايمان في القلب ولتحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس يتطلب منا السمو في التعامل ورفعة في الاخلاق مع الغير ، والصبر على اذى الناس والتغاضي عن هفواتهم والعفو عمن اساء اليه ، وليس ذلك فحسب بل التعاون والتكافل والتراحم، والابتعاد عن الصفات الذميمة كالحسد والحقد والبغض للآخرين والانانية والجشع ، انطلاقا من رغبتنا في ان نسير بهذه القواعد وغاية ما نتمنى ان نراه على ارض الواقع .