جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني

المقالات

جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني

      م. م اكرم كريم خضير

      المعهد التقني/ العمارة

عضو الجمعية العلمية للدراسات المستدامة

akram.karim@uomustansiriyah.edu.iq 

 

 سنتناول هذه الجريمة وفق خمسة نقاط، وهي على النحو الآتي:-

اولاً/ تعريف الإخفاء محل الجريمة : الإخفاء لغةً: الستر، يُقال: اختفى الرَّجل عن أعينِ النَّاس، أي استتر عنهم، و اختفى الشَّيءُ  اختفى عن الأنظار، اختفى من الأنظار توارى، استتر، غاب: اختفت الشمسُ وراء الغيوم. أما اصطلاحاً فإن الإخفاء هنا عدم الإفصاح عن المعلومات الشخصية أو الإفصاح عنها بشكل مغاير للحقيقة، ففي كل الأحوال تبويب معلومات غير حقيقية في قيود التعداد السكاني، أما المعلومات المطلوبة فهي ما أشار إليها قانون قانون التعداد العام للسكان والمساكن العراقي رقم (٤٠) لسنة ٢٠٠٨، بموجب المادة (١) وهي "جميع الأرقام والبيانات المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية للسكان وتشمل بيانات التعليم والمستوى المعاشي والقومية والدين والسكن وبيانات اخرى"، كما عرفه قانون هيئة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية رقم (٣٢) لسنة ٢٠٢٣ بأنه: "التعداد العام للسكان والمساكن عملية جمع البيانات الإحصائية الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والثقافية والبيئية والخدمية من كل مكلف عراقي يسكن في جمهورية العراق أو خارجها أو كل مكلف اجنبي يسكن في جمهورية العراق وفقاً لمبادئ ومعايير الأمم المتحدة". وبالتالي فإن جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني: هي فعل يرتكز على عدم الإفصاح عن المعلومات المطلوبة لعملية التعداد السكاني أو الإفصاح عنها بشكل مغاير للحقيقة، الأمر الذي يؤدي إلى تضليل القائم بفعاليات التعداد السكاني، وصولا إلى معلومات عامة غير دقيقة تؤثر على المعلومات النهائية في عملية الإحصاء تاثيراً طفيفاً ام كبيراً.

ثانياً/ فلسفة تجريم فعل إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني: تستند فلسفة التجريم على أهداف التعداد السكاني نفسه، إضافة إلى أمور سياسية وأخلاقية، فمن حيث أهداف التعداد السكاني فإن هذه الجريمة تؤدي إلى التأثير على التخطيط و التنمية وبالتالي فإن ذلك ينعكس سلبا على الخدمات المقدمة للجمهور وهو الركيزة الأساسية التي يستند عليها التعداد السكاني، وكذلك يؤثر على إعداد السياسات السكانية، وعملية الانتخاب العام، كما أن تقديم المعلومات المغلوطة يؤثر على نسبة المحافظة في الوظائف العامة، وخطط القضاء على البطالة ونسبة المحافظة من الموازنة العامة وتوفير الخدمات و مقاعد الحج والعمرة وغيرها من الأمور التنظيمية، فضلا أن إخفاء هذه المعلومات في ذاته كذب وهذا يعتبر امراً غير أخلاقي، كما أنه يخالف مركزية المواطن الإيجابي الذي يساعد السلطات العامة في الأمور العامة والتي تصب في الصالح العام، كما أن تقييد المعلومات الصحيحة يساهم في ضمان حق المكلف لمدة  ١٠ سنوات مقبلة.

ثالثاً/ أركان جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني: أن جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني كغيرها من الجرائم، حيث يتمثل الركن المادي في الموقف السلبي عند عدم الإفصاح عن البيانات المطلوب تقييداً من قبل موظفي التعداد، أو يكون بسلوك إيجابي يتضمن الإفصاح عن معلومات غير صحيحة ومخالفة للحقيقة، أما الركن المعنوي فيتمثل في علم المكلف بأنه يخفي المعلومات الحقيقية عن موظف التعداد، و تتجه إرادته إلى ذلك الإخفاء لإيهام الموظف بمعلومات غير صحيحة. أما فيما يتعلق بالركن الشرعي وهو النصوص الجزائية التي تناولت هذا الموضوع- وهنا نتكلم عن المواطنين المكلفين وليس مسؤولية الموظفين المكلفين بالتعداد- هي نص المادة (١٨/ ثانيا) من قانون هيئة الإحصاء و نظم المعلومات الجغرافية التي جرمت الامتناع عن تقديم المعلومات عند إجراء الإحصاء، والمادة (١٩/ ثانياً) من القانون أعلاه التي جرمت الإفصاح عن معلومات مغلوطة وغير صحيحة.

 رابعاً/ عقوبة جريمة إخفاء المعلومات عند إجراء التعداد السكاني: بموجب أحكام قانون العقوبات العراقي فإن الشخص الذي يصرح بمعلومات غير صحيحة إلى موظفي التعداد السكاني قد يعرض نفسه لعقوبة سالبة للحرية تصل إلى مدة لاتزيد على ثلاثة سنوات وغرامة مالية لا تقل عن ثلاثة ملايين ولا تزيد على خمسة ملايين حسب نص المادة (١٩/ ثانياَ) من القانون أعلاه، أما الشخص الذي يلتزم الصمت قاصدا تضليل موظفي التعداد السكاني يعرض نفسه إلى عقوبة الحبس لا تزيد على ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثة ملايين ولا تزيد عن خمسة ملايين، حسب نص المادة (١٨/ رابعا) من القانون اعلاه، ونجد المشرع ساوى بين عقوبة الجريمتين فيما يتعلق بالعقوبة المالية، بينما شدد العقوبة السالبة للحرية في حالة الكذب، وخففها في حالة الصمت، وهذا الأمر طبيعي حيث استند المشرع هنا على أساس الخطورة الإجرامية.

خامساً/ الخاتمة: نأمل من أفراد المجتمع أن يكونوا على قدر الواجب الوطني، لأن هذه المعلومات هي ضمان للأجيال المقبلة وليس مقصور عليهم، كما نأمل من المشرع العراقي أن يضع نصاً خاصاً يعالج حالة لو أن فئات واسعة من المجتمع اتفقت على التصريح بمعلومات غير صحيحة هادفة إلى بناء التعداد السكاني على معلومات غير دقيقة وبالتالي هدم مخرجات هذا التعداد لأسباب سياسية او مناطقية أو طائفية، لذا لابد أن يكون تصدي لهذه الجريمة بموجب نصوص صريحة يكون مكانها في الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي. والله من وراء القصد.