التكييف القانوني للهجمات السيبرانية (البيجر) على لبنان

المقالات

التكييف القانوني للهجمات السيبرانية (البيجر) على لبنان

د. زهراء السلطاني/ استاذ جامعي

 

في اطار التقدم التكنولوجي و الذي فرز فضاءً سيبرانيا يقوم على اساس بُنية المعلومات والاتصالات، حيث جرى تحديث وتطوير برامج تقنية تستخدم في الفضاء السيبراني لأغراض عسكرية، ومن خلاله يتم توجيه هجمات بسرعة قصوى على مسافة بعيدة، وهو ما بات يعرف بالهجوم السيبراني،إذ شهد العالم نوعًا جديدًا من سباق التسلح، الذي تحوّل إلى عنوان في العلاقات الدولية، ومقياس يقاس به توازن الردع بين الدول. لم يعد سباق التسلح اصطلاحًا عسكريًا يقوم على تكديس الطائرات أو المدافع أو الدبابات أو أسلحة الدمار الشامل فقط، بل يقوم على استحداث برامج إلكترونية مُعدة لأغراضٍ عسكرية وقد انبثقت عن سباق التسلح نزاعات مسلحة دولية أو غير دولية كثيرة، ويرعاها القانون الدولي الإنساني ، عن طريق اختراق نظام حساس، وقد جرى الاختلاف في تسميته بين خبراء القانون الدولي اذا ما كان فضاء سيبرانيا ام حربا سيبرانية، فيما ذهب البعض لتسميته بالهجمات السيبرانية من حيث المعنى الاصطلاحي للهجمات السيبرانية: فهي مجموعة من الأنشطة الإلكترونية التي تتخذ من طرف سواء أكان تابعًا لدولة أم يعمل لحسابها بصورة مستقلة عنها في الدولة (أ)، ضد نُظم إلكترونية تابعة لطرف (ب) في دولة أخرى، يُراد منها التغلغل إلى تلك النُظم بهدف السيطرة على قوّتها الإلكترونية ومن ثم التحكم بها عن بُعد، لأجل إحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار.                                                                                                               

أفرد القانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة سواء أكانت دولية أم غير دولية، يقوم القانون الدولي الإنساني على المبادئ التي تحكم سير العمليات العدائية وهي التمييز، التناسب والاحتياطات  .         

وفي سياق نص المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف لعام 1977 "أن تميز أطراف النزاع المسلح في الأوقات كافة بين الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية من جهة، والمقاتلين والأهداف العسكرية من جهة أخرى"، فضلًا عما نصت عليه الفقرة 2 المادة 51 من البروتوكول نفسه "لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا، وكذلك الأشخاص المدنيون محلًا للهجوم وتُحظّر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسًا إلى بث الذعر في صفوف السكان المدنيي". كما ورد في المادة 52 من البروتوكول عينه "لا تكون الأعيان المدنية محلًا للهجوم أو لهجمات الردع"، فضلًا عن المادة 55 من البروتوكول الأول أيضًا الذي يُحظّر استخدام وسائل القتال وأساليبه التي يُقصد بها أو يُتوقع منها أن تسبب أضرارًا بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة السكان أو بقائهم، وتُحظّر هجمات الردع ضد البيئة الطبيعية ووفق دليل تالين المطبّق على الحرب السيبرانية في العام 2013، الذي أعدّته مجموعة من الخبراء في القانون الدولي الإنساني أبرزهم الأستاذ مايكل شيمت بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، وبدعم من فريق مؤلف من خبراء السيبرانية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والقيادة السيبرانية الأميركية الذين شاركوا في المداولات كافة، عرّف الهجمات السيبرانية بأنها: "عمليات سيبرانية، سواء أكانت هجومية أم دفاعية، والتي يهدف من خلالها بصورةٍ معقولة التسبب بالإصابة أو وفاة الأشخاص أو الأضرار أو تدمير الأعيان الأهداف". ووفق هذا التعريف الوارد في الدليل المذكور أعلاه، فقد اتفق معظم الفقهاء القانونيين على أنه قد يتحقق الضرر أيضًا بتوقف أحد الأعيان عن العمل، علاوة على الضرر المادي، وليس من المهم كيف يحدث ذلك          .

ولطالما كان الهجوم السيبراني الاسرائيلي بتفجير اجهزة البيجر سواء بتفخيخه سابقاً او اختراقه سيبرانياً قد استهدف ألالآف من المدنيين من بينهم الطواقم الطبية، في منطقة مدنية غير عسكرية وفتح هذا الهجوم الباب لحرب مفتوحة مازالت مستمرة، دون احتساب لمبدأ التمييز بين المشروع والمحظور في قلب النزاعات المسلحة حديثا، وهو ما ينطبق ايضا على اي هجومات سيبرانية ذات طابع عسكري، وكذلك بين المقاتلين السيبرانيين وغيرالمقاتلين السيبرانيين، اضافة الى عدم التمييز بين الاعيان المدنية والعسكرية، ومبدأ الاحتياط لتجنب المحظورات اثناء الهجمات السيبرانية ميز بين المشروع والمحظور،  وعلى الرغم ان الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن ومكتب مكافحة الارهاب في الامم المتحدة أصدروا عددا من القرارات المتعلقة بالهجمات السيبرانية، وضرورة التزام الدول بالمعايير المتعلقة بالفضاء السيبراني، الا ان اسرائيل لم تلتزم يوماً بأي من القرارات ولا بالاتفاقيات الدولية، ولا حتى بقرارات محكمة العدل الدولية، ولم ينفع مع نتنياهو و وزير دفاعه طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للدائرة التمهيدية مذكرة توقيفه، وهذا يدل على العجز الدولي في تطبيق القوانين الدولية، التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الاميركية من خلال تحكمها بالنظام الدول

بناءً على ما سبق ذكره تكون إسرائيل قد ارتكبت جريمة حرب، وانتهكت القانون الدولي الانساني بكل مبادئه وقواعده وهنا لا بد من ان تتحمل المسؤولية الجنائية عن هذه الجريمة والمسؤولية هنا هي مسؤولية الرؤساء والقادة عن الأعمال المخالفة لقوانين الحرب عمومًا واتفاقيات جنيف خصوصًا.

والسؤال هنا من سيُحاسب اسرائيل عن جرائمها إذن ؟

طالما ان قواعد الاشتباك بين لبنان واسرائيل، والتي رسمتها المقاومة اللبنانية لم تكن تتعلق بالهجمات السيبرانية، وفي ظل صمت المجتمع الدولي الذي لم يتحرك حتى في ادانة اسرائيل، وامام عجز المحاكم الدولية الى الان عن تنفيذ اي قرار صادر عنها، وكذلك مجلس الامن الذي عجز عن تطبيق قرارات وقف اطلاق النار في لبنان وغزة، هذا يعني أنه يجب خلق معادلة جديدة في قواعد الاشتباك متعلقة بالهجمات السيبرانية، ولاشك إن المقاومة هي الوحيدة التي تستطيع محاسبة إسرائيل، من خلال وضع قواعد اشتباك جديدة، بأعتباره حق دفاع شرعي عن النفس والحفاظ على الردع اقله لحماية المدنيين.