التكييف القانوني للهجمات السيبرانية (البيجر) على لبنان
وفي سياق نص المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف لعام 1977 "أن تميز أطراف النزاع المسلح في الأوقات كافة بين الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية من جهة، والمقاتلين والأهداف العسكرية من جهة أخرى"، فضلًا عما نصت عليه الفقرة 2 المادة 51 من البروتوكول نفسه "لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا، وكذلك الأشخاص المدنيون محلًا للهجوم وتُحظّر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسًا إلى بث الذعر في صفوف السكان المدنيي". كما ورد في المادة 52 من البروتوكول عينه "لا تكون الأعيان المدنية محلًا للهجوم أو لهجمات الردع"، فضلًا عن المادة 55 من البروتوكول الأول أيضًا الذي يُحظّر استخدام وسائل القتال وأساليبه التي يُقصد بها أو يُتوقع منها أن تسبب أضرارًا بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة السكان أو بقائهم، وتُحظّر هجمات الردع ضد البيئة الطبيعية ووفق دليل تالين المطبّق على الحرب السيبرانية في العام 2013، الذي أعدّته مجموعة من الخبراء في القانون الدولي الإنساني أبرزهم الأستاذ مايكل شيمت بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، وبدعم من فريق مؤلف من خبراء السيبرانية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والقيادة السيبرانية الأميركية الذين شاركوا في المداولات كافة، عرّف الهجمات السيبرانية بأنها: "عمليات سيبرانية، سواء أكانت هجومية أم دفاعية، والتي يهدف من خلالها بصورةٍ معقولة التسبب بالإصابة أو وفاة الأشخاص أو الأضرار أو تدمير الأعيان الأهداف". ووفق هذا التعريف الوارد في الدليل المذكور أعلاه، فقد اتفق معظم الفقهاء القانونيين على أنه قد يتحقق الضرر أيضًا بتوقف أحد الأعيان عن العمل، علاوة على الضرر المادي، وليس من المهم كيف يحدث ذلك .
ولطالما كان الهجوم السيبراني الاسرائيلي بتفجير اجهزة البيجر سواء بتفخيخه سابقاً او اختراقه سيبرانياً قد استهدف ألالآف من المدنيين من بينهم الطواقم الطبية، في منطقة مدنية غير عسكرية وفتح هذا الهجوم الباب لحرب مفتوحة مازالت مستمرة، دون احتساب لمبدأ التمييز بين المشروع والمحظور في قلب النزاعات المسلحة حديثا، وهو ما ينطبق ايضا على اي هجومات سيبرانية ذات طابع عسكري، وكذلك بين المقاتلين السيبرانيين وغيرالمقاتلين السيبرانيين، اضافة الى عدم التمييز بين الاعيان المدنية والعسكرية، ومبدأ الاحتياط لتجنب المحظورات اثناء الهجمات السيبرانية ميز بين المشروع والمحظور، وعلى الرغم ان الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن ومكتب مكافحة الارهاب في الامم المتحدة أصدروا عددا من القرارات المتعلقة بالهجمات السيبرانية، وضرورة التزام الدول بالمعايير المتعلقة بالفضاء السيبراني، الا ان اسرائيل لم تلتزم يوماً بأي من القرارات ولا بالاتفاقيات الدولية، ولا حتى بقرارات محكمة العدل الدولية، ولم ينفع مع نتنياهو و وزير دفاعه طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للدائرة التمهيدية مذكرة توقيفه، وهذا يدل على العجز الدولي في تطبيق القوانين الدولية، التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الاميركية من خلال تحكمها بالنظام الدول.
بناءً على ما سبق ذكره تكون إسرائيل قد ارتكبت جريمة حرب، وانتهكت القانون الدولي الانساني بكل مبادئه وقواعده وهنا لا بد من ان تتحمل المسؤولية الجنائية عن هذه الجريمة والمسؤولية هنا هي مسؤولية الرؤساء والقادة عن الأعمال المخالفة لقوانين الحرب عمومًا واتفاقيات جنيف خصوصًا.
والسؤال هنا من سيُحاسب اسرائيل عن جرائمها إذن ؟
طالما ان قواعد الاشتباك بين لبنان واسرائيل، والتي رسمتها المقاومة اللبنانية لم تكن تتعلق بالهجمات السيبرانية، وفي ظل صمت المجتمع الدولي الذي لم يتحرك حتى في ادانة اسرائيل، وامام عجز المحاكم الدولية الى الان عن تنفيذ اي قرار صادر عنها، وكذلك مجلس الامن الذي عجز عن تطبيق قرارات وقف اطلاق النار في لبنان وغزة، هذا يعني أنه يجب خلق معادلة جديدة في قواعد الاشتباك متعلقة بالهجمات السيبرانية، ولاشك إن المقاومة هي الوحيدة التي تستطيع محاسبة إسرائيل، من خلال وضع قواعد اشتباك جديدة، بأعتباره حق دفاع شرعي عن النفس والحفاظ على الردع اقله لحماية المدنيين.