( آليات التصدي لجريمة تعاطي المخدرات )

المقالات

( آليات التصدي لجريمة تعاطي المخدرات ) 

أ.د واثبة داود السعدي     
 أ.م.د . نورس رشيد طه، كلية الحقوق / جامعة النهرين .
#مركز وطن الفراتين للدراسات الاستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 
" يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ".

  المقدمة :
       أصبحت جريمة تعاطي المخدرات ظاهرة مستشرية في المجتمع العراقي ، وهي في آثرها تعد أشد خطراً و أكبر ضرراً من جريمة الإرهاب ؛ لأنها تؤدي إلى إنهاك صحة المتعاطي ونفسيته من جهة ، و تؤثر على أمن و استقرار المجتمع من جهة أخرى ، لا سيما وأن حالات تعاطي المخدرات بتزايد مستمر ، إذ أنها تؤدي ذات الدور الذي تؤديه جرائم الإبادة ؛ لأنها تجعل المتعاطي يعيش ميتاً بلا تفكير ولا شعور بالمسؤولية أثناء سريان مفعولها  وبعد انتهاؤه تجعل منه شخصاً غير مستقر عصبي المزاج وكئيب لا يجد أمامه سبيل سوى ارتكاب المخالفات لتفريغ الطاقة السلبية التي تسيطر عليه ، نتيجة تعاطيه للمخدرات . 
    و يمكن تعريف تعاطي المخدرات بأنها : كل مستحضر نباتي أو كيمياوي يتم تعاطيه عن طريق الشم أو الشرب أو الحقن ويؤدي إلى التأثير على جسد وعقل المتعاطي مما يؤدي إلى تغييب إدراكه أو أضعافه لدرجة لا يستطيع معها القيام بسلوك أو اتخاذ قرار مناسب لتوجهاته ومعتقداته كما لو كان في حالته الطبيعية .
     و إن الحد من جريمة تعاطي المخدرات يستوجب إتباع نوعين من الآليات والتي خصصنا لبيانها فقرتين  كالآتي :
أولاً -الآليات الاجتماعية :
    هناك اكثر من آلية اجتماعية يمكن اعتمادها لمجابهة مخاطر تعاطي المخدرات ، وحماية الإفراد من آثاره لعل من أهمها :
     1- تقوية الوازع الديني : وذلك من خلال تطويع المنابر والمواقع والأماكن الدينية لنشر الأحكام الدينية الخاصة بتحريم المخدرات ومخاطرها وآثارها السلبية على صحة وحياة الأفراد لاسيما وأن هناك بعض الخطباء ممن يمتلكون القدرة على إيصال الأحكام الدينية عبر محاضراتهم بطريقة سهلة وبسيطة تمكن المستمعين من تقبلها برحابة صدر من دون تعنت ولا تكبر ، ويحبذ من خلال تلك المحاضرات فتح باب الأمل أمام المذنبين من المتعاطين ، والتأكيد لهم بأن باب التوبة لا يغلق أمام المؤمنين ، مما يجعل العصاة لا يقنطون من رحمة الله ، فإقبال الناس على ربهم والتزامهم بأحكام دينه يعد أفضل وأحسن وأنفع علاج للمدمنين أو المتعاطين .
2 – تقرب الآباء من الأبناء وتقليص أوقات الفراغ : تعد العلاقة السيئة ما بين المتعاطي ووالديه ومن صورها الهجر والشجار وعدم الاحترام , فضلاً عن والقسوة وفقدان الحب والعوز العاطفي والحرمان من حنان الأبوين .   3 - الابتعاد عن صديق السوء : كما هو معلوم أن للصديق أثراً كبيراً على صديقه , لذا يجب على كل شخص سيء يجرؤ على تزيين الباطل أو جعله حقا ، لأن الصديق يؤثر على صديقه ويتأثر به سواء كان ذلك التأثير سلبياً أو إيجابياً .
4- تعزيز جهود الأمنية :يجب تكاتف الجهود وتكثيفها للحد من ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع العراقي ، وهذا يأتي من تعاضد المؤسسات الحكومية مع المنظمات المدنية ، من خلال أمداد تلك المنظمات بالأموال والبرامج الداعمة لنظام عملها .
    كما يجب على الجهات المعنية بمكافحة المخدرات تفعيل الدور الرقابي و الاستخباراتي عن متعاطي المخدرات ومدمنيها ، مع اتخاذ إجراءات التفتيش الدورية للبيوت الكائنة في المناطق الشعبية ومناطق التجاوزات المكتظة بالسكان ، لأن اكتظاظ السكان يكون عاملاً محفزاً لترويج المخدرات وتعاطيها ، فضلاً عن مواصلة التفتيش على الأراضي الزراعية للتأكد من عدم زراعة المواد المخدرة فيها .
5- دور المؤسسات التعليمية : تؤدي الدروس والمحاضرات التعليمية التي يلقيها أساتذة المدارس والجامعات على مسامع الطلبة دوراً كبيراً في التصدي لجريمة المخدرات , ومنع الطلبة من تعاطيها ، ويأتي ذلك من خلال الدور الإرشادي والتوعوي والتثقيفي حول مخاطر التعاطي وآثاره السلبية على صحة الطالب من جهة وعلى سمعته بين زملائه و أقرانه من جهة أخرى ، مما يشكل ذلك الدور حافزاً لديهم في تجنب التعاطي ، والابتعاد عن التفكير به كوسيلة لإزالة الهم والحزن ، و إنما تحفزهم تلك الدروس والمحاضرات إلى التفكير بعوامل النجاح وكسر الحواجز المانعة من الوصول إليه ، والتغلب على مواطن الضعف ، والعمل على تعزيز الثقة بالنفس ، لأن الأستاذ يعد قدوة لطلبته .
ثانياً - الآليات القانونية :
   تعد الآليات القانونية من أهم الوسائل المتبعة في مكافحة جريمة تعاطي المخدرات ، وعلى رأسها الجزاء الجنائي بشقيه العقوبة والتدبير الاحترازي . وعليه نخصص هذه الفقرة للبحث في العقوبات والتدابير الواردة في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 , وذلك نقطتين ، كالآتي :
1- عقوبة تعاطي المخدرات :

تضمنت المادة (32) من القانون المذكور أنفاً عقوبة التعاطي ، والتي نصت على أنه : " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن  ( ١) سنة واحدة ولا تزيد على  ( ٣) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (٥٠٠٠٠٠٠ ) خمسة ملايين دينار ولا تزيد على (١٠٠٠٠٠٠٠ ) عشرة ملايين دينار كل من استورد أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي. ( )
    كما أن القانون عاقب على جريمة تقديم مواد مخدرة أو مؤثرة عقلياً بغية تعاطيها  كما يعاقب من أسهم أو شجع على تعاطي المخدرات في غير الأحوال التي يجزيها القانون بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن (10.000.000) عشرة ملايين دينار ولا تزيد على (30.000.000) ثلاثين مليون دينار  .  
    كما عاقب القانون بالعقوبة ذاتها على جريمة إدارة أو إعداد أو تهيئة مكان لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية .
     وعاقب أيضاً بالعقوبة ذاتها كل من أغوى حدثاً أو شجع زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية .  
   وعاقب القانون بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر ولا تزيد على (2) سنتين وبغرامة لا تقل عن (3000.000) ثلاثة ملايين دينار ولا تزيد على (5000.000) خمسة ملايين دينار كل من :
أ‌-سمح للغير بتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية في أي مكان عائد له ولو كان بدون مقابل .
ب‌-ضبط في أي مكان أعد أو هيأ لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية وكان يجري تعاطيها مع علمه بذلك ، و لا يسري حكم هذه الفقرة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع من أعد أو هيأ المكان المذكور أو من يسكنه .
2- تدابير معالجة المدمنين :
    تتضمن تدابير معالجة المدمنين إيداعهم في المؤسسات أو المراكز الصحية المخصصة لعلاجهم ، إلا أن الواقع أثبت بأن المراكز الصحية المخصصة لعلاج المدمنين غير كافية ، فعلى الرغم من تخصيص ردهة لعلاج مدمني المخدرات في بعض المستشفيات مثل مستشفى أبن رشد للأمراض العقلية ومستشفى الفيحاء في البصرة ، ومستشفى بعقوبة في ديالى فضلاً عن المراكز الصحية الأخرى التي تم أنشائها في الأشهر القليلة الماضية في محافظتي المثنى وذي قار ، إلا أنها لا تعد كافية مع نسبة المدمنين المتطوعين للعلاج في هذه المستشفيات والمراكز ، لذا يجب على الجهات الحكومية إنشاء أكثر من مركز في كل محافظة ، للتمكن من علاج وتأهيل المدمنين ، ومساعدتهم في الابتعاد عن الإدمان وعدم العودة إليه .
     وهنا تجدر الإشارة إلى موضوع السرية في العلاج، إذ يجب على المؤسسات الصحية المتخصصة في علاج المدمنين على المخدرات أو المؤثرات العقلية ، أن تلتزم السرية حيال الأشخاص الخاضعين للعلاج .
           وفي هذا المقام لابد من عرض موقف القضاء العراقي من جريمة تعاطي المخدرات ، فقد أشارت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها ذي العدد / الهيئة الجزائية / 2023 بأن :" تعاطي المخدرات قد يكون هو الغرض المقصود من حيازتها، وهذا يتضح من العبارة الآتية : " ..... إن القصد من حيازة المخدرات يكون هو المعيار في تحديد نوع الجريمة ( متاجرة – تعاطي -أو غير ذلك ). "
   وقد أشار القرار المذكور آنفاً إلى مسألة تتعدد التصرفات الجرمية، فقد يكون الغرض من حيازة المخدرات الاتجار بها وتعاطيها ، وقد يكون الغرض منها التصدير و الإحراز ، إلا أن المحكمة في قرارها عدّت جميع هذه التصرفات نشاطاً إجرامياً واحد ويعاقب الجاني حسب العقوبة الأشد الخاصة بأحد الأفعال ، استناداً  للمادة (141) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ( المعدل) ، فإذا كانت عقوبة الحيازة أو التصدير أو الإحراز أو الاتجار أو التعاطي هي الأشد ، فهي التي تكون واجبة التطبيق دون غيرها .
    وقد أشارت محكمة التمييز في قرارها ذي العدد 211/ هيئة الأحداث / 2024 ، أنه : " إذا تم الحكم على متهم بتعاطي المخدرات، وقام بالتعاطي مرة أخرى بعد صدور الحكم عليه عن جريمة التعاطي الأولى ، فإن جريمة التعاطي الثانية لا تدخل ضمن الأسباب القانونية للحكم الذي صدر عليه عن جريمة التعاطي الأولى ، وهذا ما استنتجناه من العبارة الآتية الواردة في متن القرار وهي : " إن تناول المواد المخدرة بعد الحكم السابق لا يدخل ضمن الأسباب القانونية للحكم السابق وإنما يشكل جريمة جديدة إن توفرت أركانها القانونية. "  .

ومن هذا القرار يتضح بأن العودة إلى التعاطي لا يدخل ضمن الجريمة الأولى , وإنما يشكل جريمة جديدة تستوجب معاقبة الجاني عليها، ولا يعد العود إلى التعاطي ظرفاً مشدداً للعقوبة ، وبهذا الخصوص نقترح على مشرعنا العراقي عده من الظروف المشددة لردع الجاني ومنعه من تعاطي المخدرات مجدداً ، حفاظاً على سلامته الجسدية من جهة ، وترشيداً للإنفاق الحكومي المخصص لعلاج المدمنين وتعافيهم من جهة أخرى ، لأن الإمكانيات واللوازم المخصصة لعلاج المدمنين في المراكز التخصصية غير كافية لاستيعاب جميع المدمنين ، مما يتطلب ذلك بذل المزيد من الجهود والأموال للسيطرة على وضع المدمنين وإتمام علاجهم ، وعليه فإن النقص المادي لمستلزمات العلاج في مراكز علاج المدمنين  يقتضي تفعيل وسائل الرد والمنع للحد من زيادة إعداد المتعاطين لعدم أمكانية استقبالهم في تلك المراكز ؛ نظراً لاستنفاذ طاقتها الاستيعابية ؛ لعدم توازن عدد المراكز الموجودة مع عدد المدمنين على المخدرات .
   وفي نهاية المطاف نعرض على المشرع العراقي ، والجهات المعنية بمكافحة المخدرات المقترحات الآتية :
 
1- زيادة الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع من خلال التعاون ما بين وزارتي الداخلية والصحة وديواني الوقف الشيعي والسني والمراجع الدينية للديانات الأخرى، بتكثيف الجهود في عقد المحاضرات الدينية والندوات وورش العمل الخاصة بمكافحة المخدرات وأليات التصدي القانونية والشرعية لها .
2- تفعيل الدور الرقابي و إجراءات التفتيش والكشف على المناطق الشعبية ؛ لأنها أفرادها أكثر عرضة لترويج المخدرات وتعاطيها ، وعلى الأراضي الزراعية لتأكيد خلوها من المواد المخدرة التي يتم زراعتها لغرض المتاجرة أو الترويج أو الحيازة أو الإحراز أو التعاطي وغيرها .
3-  نقترح تشديد عقوبة الأطباء والصيادلة المجازين بصرف المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية عند صرفها في غير حالات العلاج التي تقتضي حصولهم على هذه المواد ، لذا نحبذ تشديد العقوبة بالصيغة الآتية : " يعاقب بالحبس الشديد والغرامة التي لا تقل عن (  5000.000 ) خمسة ملايين دينار عراقي كل شخص خوله القانون حيازة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو الجسدية بحكم مهنته مع منعه من مزاولة مهنته لمدة لا تقل عن سنة عند قيامه بتحرير وصفة طبية بمواد مخدرة أو مؤثرة على العقل أو الجسد أو عند صرف هذه المواد من غير وصفة طبية في حالات لا يجيزها القانون ."
4- إنشاء أكثر من مركز تخصصي في كل محافظة لعلاج وتأهيل مدمني المخدرات ، مع العمل بالإجراءات الوقائية المتمثلة بالفحص الدوري الإجباري لأفراد المجتمع ، بغية التصدي لحالات الإقبال على تعاطي المخدرات ومنعها قبل وقوعها ، للحفاظ على صحة الأفراد من جهة و لتوفير الأمن والاستقرار المجتمعي من جهة أخرى ، لا سيما و أن المخدرات تعد من أبرز الأسباب الدافعة لارتكاب جرائم القتل والسرقة و الاحتيال وغيرها ، ليتمكن المدمن من توفير الأموال اللازمة لشراء المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .
5- تكثيف الجهود لمكافحة المخدرات أو المؤثرات العقلية والتصدي لمخاطرها عن طريق التعاون والتواصل  بصورة مباشرة مابين المسؤولين عن عمليات مراقبة وتفكيك عمليات المتاجرة والترويج للمخدرات في الدول الجوار ، علاوة على ذلك تمكين الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول ) من ممارسة عملها في إلقاء القبض على كل شخص متورط في جرائم المخدرات وتسليمه لدولته مباشرة بعد التأكد من هويته لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق مباشرة من دون الخوض في تفاصيل إجراءات الاستلام والتسليم للمجرمين .
6- زج المتعاطين والمدمنين الذين يتم إلقاء القبض عليهم في مراكز علاج المدمنين بدلاً من زجهم في السجن ، و إن لم يتقدموا طواعية لمراكز العلاج من الإدمان ، لأن وضعهم في السجن من المحتمل أن يزيد من نسبة تناولهم للمخدرات أو المؤثرات العقلية بدلاً من العلاج منها .
7- نقترح على المشرع النص الآتي : ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (7000.000) سبع ملايين دينار عراقي من عاد إلى تعاطي المخدرات بعد التعافي منها ."
8-  و نقترح على المشرع النص الآتي : ( يلزم المعافى من تعاطي المخدرات بالتعهد مدة لا تقل عن ثلاث سنوات بعدم الذهاب إلى محال أو أماكن تعاطي المخدرات  وفي حالة مخالفة أحكام التعهد يعاقب بالحبس مدة لا تقل سنة وبغرامة لا تقل عن (1000.000) مليون دينار عراقي . "