"قانون بناء الانسان امام متغيرات حداثة العصر "
"قانون بناء الانسان امام متغيرات حداثة العصر "
دراسة تحليلية ونظرة واقعية
د. جمانة جاسم الاسدي
ان بناء الانسان هو محور الانشغال والاهتمام، بل هو اللبنة الأولى لتأسيس مشروع نهضة البشرية ، وهو الجذر الذي تتفرع منه كل مجالات الإصلاح الأخرى ، وبناء الانسان وذاته افضل رهين بمدى جاهزية هذا الانسان للتحديات والمتغيرات امام حداثة العصر التي صاحبها الابتعاد عن احكام الله سبحانه وتعالى ، فنظرة الإسلام لبناء الانسان نظرة راقية فيها تكريم وتنظيم وشمول لكل تفاصيل حياته ، حيث رسم له حدودا تمكنه من بناء نفسه لبلوغ غاياته ، فالأولى بالإنسان البحث عن سبل تحقيق طاعة الله لتأسيس مجتمع إسلامي واعي ومرتبط باحكام نهج القران الكريم ليكون مشروعا لنهضة بناءالمجتمعات .
فالمقصود ببناء الانسان هو تربيته وتكوينه واعداده ليكون إنسانا صالحا مؤمنا بالله عن إرادة واختيار عارفا بواجباته مقتدرا على أدائها بإتقان واحسان ممتثلا لكل احكام الله سبحانه وتعالى ، فيحيا المجتمع ببناء انسان صالح، ومصداق ذلك يكمن في الآيةالقرآنية الكريمة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد : اية 11) فيتضح من الآية الكريمة ان أسباب الصلاح والتغيير دون إيلاء إعداد الانسان العناية اللازمة باعتباره مشروع النهضة الأساس وركيزته الأولى .
ونرى ان المسؤولية واالالتزام هما الأساس العام لبناء الانسان، على اعتبار أن اهم ما يميز الانسان عن باقي الخلق هما المسؤولية والالتزام ، وليكن ( البناء ) من الداخل هو الأساس ومسؤول عن كل تصرفاته وافعاله الظاهرة والباطنة، وانه فاتحة بناء المجتمع ، ويعد هذا البناء منظومة متكاملة وشاملة فيها ما هو ثقافي وتربوي واخلاقي وعلمي وديني ، واعداد انسان يحمل المعرفة والوعي في مواجهة التحديات والتغيرات ،هو ذلك الاعداد الحقيقي لجعل الانسان من اكبر التحديات التي يمكن ان تواجه حداثة العصر، مما يتطلب ان تتوفر الإرادة الصادقة والنية الخالصة ، والمعرفة بواجبات وحقوق الله سبحانه وتعالى ووعي كامل يتبعه ايمان عميق خالص بانه لا مكان في النفس لكل ما يخالف احكام الله سبحانه وتعالى .
فالقران الكريم يدعوا الى صياغة وبناء هذا الانسان النموذجي الذي تسمو روحه الى الفضائل ويبتعد عن زهو الدنيا ، وعن الكبر والفخر والخيلاء ،والتواضع في كل التصرفات والتسامح والعفو في الكثير من المسائل والاعتدال بالصرف بلا اسراف ولا إقتار بل قوام بين ذلك ليكون مشروعا لنهضة بناء البشرية جمعاء ، كما في قوله تعالى ( ان هذا القران يهدي للتي هي أقوم ) فان الاهتداء بكتاب الله واتباع منهج الرسل والانبياء فهو هداية الى سبل الرشد والإصلاح والعلم والايمان، والقران الكريم يؤكد على جوانب المراقبة والمحاسبة ، والثواب والعقاب في كل كبيرة وصغيرة .
فتلك حضارة القران التي تدعوا الى بناء الانسان والالتزام بكل قوانين الشريعة الإسلامية ، وهي افضل منهج حضاري لبناء افضل انسان بخلاف الحضارات البشرية التي تسير نحو الافراط والتفريط و التمدن البشري والفساد والافساد والانحراف والضياع .
وأود أن ألفت الانتباه الى ان هناك حرص قراني على بناء النفس البشرية فكانت دعوة صادقة وخالصة لكل البشرية لتربية النفسوإصلاح الذات ،وفقا للتوحيد الكامل بالله سبحانه وتعالى والإخلاص في دينه والالتزام بعقائده وبالقيم الربانية والاخروية بوسائل تؤدي الى بناء الانسان تكييفاً وتنظيماً وتفعيلاً لكل جوانبه المختلفة وفق منهج الله والمبادئ القرآنية للحياة والانسان، فهي مصدر قوة للإنسان فتحقيق الصلة بالله سبحانه وتعالى ما هو الا ليحسن تحقيق تربية الانسان ،والتحلي بالقيم الأخلاقية ( الاحسان والعفو والتعاون والتواضع والتسامح واحترام الحياة والحريات والعدل واحقاق الحق وعدم ظلم الاخرين ) فعندما ينشأ الانسان في ظل تعاليم إسلامية واخلاقية قد بدأ في السير نحو الاتجاه الصحيح وعرف مقامه ومكانته وتقرب الى الله سبحانه وتعالى وفاز بالجنة .